صفحات العالم

الشعب السوري يخوض معركته ضد الدولة البوليسية


كاظم حبيب
الشعب السوري يخوض معركة مقدامة ضد الاستبداد والدولة البوليسية, ضد أجهزة الأمن والشرطة وضد قوى الشبيحة, ضد عناصر حزب الله والدعم الإيراني وضد أشكال أخرى من الدعم تصل للنظام من العراق, وضد عيون وقحة تتجسس عليه في كل شارع وزقاق وركن وبيت ومعمل وحقل ومدرسة وجامعة, عيون صلفة تتجسس ضد المجتمع بأسره.

الشعب السوري قدم التضحيات الغالية خلال الأشهر المنصرمة وارتفع عدد القتلى إلى ما يقرب من أربعة ألاف شهيد, وأضعاف هذا العدد من الجرحى والمعوقين الذين قتلوا برصاص تلك القوى الحامية لنظام الاستبداد والقهر الفكري والسياسي والاجتماعي. ولن يتوقف نزيف الدم قبل أن يسقط الدكتاتور, جزار الشعب في سوريا.

الشعب السوري يئن تحت وطأة البطالة والفقر والفساد المالي والإداري والإرهاب اليومي والقمع لكل إنسان يمكن أن يرفع صوته بالاحتجاج ضد النظام وعصاباته الغادرة.

في هذا الوقت بالذات تساوم الجامعة العربية متأنية غير مستعجلة في محاولة منها لإنقاذ أحد النظم السياسية الذي لا يختلف كثيراً عن الكثير من النظم الحاكمة في الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فهي تساوم مرة على شروط وأخرى تحاول تعليق العضوية لا تجميدها أو طرد الممثل السوري من الجامعة العربية الذي تجرأ على المساس بمبادئ حرية وحقوق الإنسان في سوريا.

المحكمة الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ما تزال تفكر بالموقف من بشار الأسد المسؤول عن موت أكثر من أربعة ألاف شهيد سقطوا وهم يطالبون برحيله عن الحكم, ولديها الوقت الكافي لذلك ولا تسأل لماذا هذا الانتظار والناس تقتل في الشوارع يومياً وفي كل ساعة!!

المجتمع الدولي كله يتفرج, يحتج أحياناً ويسكت أحياناً كثيرة, ولكنه لا يفعل شيئاً يذكر لدعم الشعب السوري الجريح والمعذب منذ أكثر من أربعين عاماً لمساعدته في الخلاص من هذه الدكتاتورية اللعينة.

والحركة الوطنية السورية ذاتها ما تزال غير موحدة في مواقفها رغم أهمية ذلك. وهي تدرك أن وحدة القوى هي السبيل للانتصار على الحكم الدكتاتوري وعلى أجهزة أمنه وشرطته وتلك القوى العسكرية المساندة للنظام وليس كلها. لا أدري لماذا يتقاتلون في ما بينهم وهم ما زالوا في المعارضة. المعارضة متعددة ولها وجهات نظر مختلفة وليست حزباً واحداً, بعضها يريد المساومة وبعضها لا يقبل بالمساومة, ولكن الجميع يريدون الخلاص من الدكتاتورية, فلا بأس في أن يسير الجميع في الدرب العريض المطالب بالخلاص من الدكتاتورية. ليس من حق أحد أن يعتدي على غيره لأنه لم يرفع ذات الشعار الذي رفعه آخرون, فهم يعيشون في الوطن وتحت سيف الجلاد. لتتجه المعارضة السورية إلى وضع بعض الشعارات التي تؤكد ضرورة الخلاص من الدكتاتورية ومن أجل بناء المجتمع المدني الديمقراطي, وبسبب التنوع ستتعدد وتتنوع أساليب النضال للخلاص من العدو المشترك. سيدرك المساومون خطأ موقفهم, ويتمنى الإنسان أن لا يكون ذلك بعد فوات الأوان. ولكن من حقهم التعبير عن رأيهم. إن منظر العراك والضرب وقذف البيض على أصحاب الرأي الآخر أمام مقر الجامعة العربية لا يبشر بالخير ولا يعبر عن موقف حضاري وإنساني إزاء الرأي الآخر من بعض الجماعات المعارضة. إنه الموقف المتوتر الذي يمكن أن يمارس ضد أصحاب الرأي الآخر من تلك القوى التي مارسته أمام مقر الجامعة العربية حين تصل إلى السلطة أو تشارك فيها.

أتمنى على القوى الحضارية في المعارضة السورية أن تلعب دورها في التثقيف بنهج الاعتراف المتبادل وبحق الآخر في التعبير عن رأيه بكل حرية ونبذ العنف والاتهامات بالخيانة الوطنية, التثقيف بنهج التفاعل واحترام الرأي الآخر وليس محاولة إقصائه أو إنهائه من الوجود تماماً, أن تؤكد بأنها تختلف عن النظام البعثي الدموي الراهن وأساليبه القمعية في مواجهة معارضيه أو من له آراء مخالفة أو غير متفقة مع النخبة الحاكمة.

لا بد أن ينتصر الشعب السوري على النظام الراهن, وانتصاره سينشط الهمم لدى شعوب المنطقة للخلاص من مستبديها. ولكن لا بد أن تنتصر المعارضة السورية على نفسها وتتخلى عن العنف وعن الشعور بأنها تمتلك الحق والحقيقة كلها, وكذلك التخلص مما بقي في السلوك الفردي والجمعي من أساليب تتسم بالعنف والقسوة وعدم احترام الرأي الآخر التي سادت في كل النظم في الدول العربية خلال القرون والعقود المنصرمة والتي عاشت تحت وطأتها كل شعوب الدول العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى