صفحات العالم

الشعب السوري يصنع “الربيع العربي”


خير الله خير الله

من كان يصدّق أن الشعب السوري سينتفض. من كان يصدّق ان ثورته ستكون أمّ الثورات العربية وانه يصنع بالفعل الربيع العربي من المحيط إلى الخليج؟ لدى التمعّن بالأحداث العربية التي لا سابق لها والتي شهدها العام 2011، يمكن القول بسهولة ان حدث الأحداث كان الشعب السوري. كان رجل السنة وكلّ سنة. فاجأنا الشعب السوري بقدرته على المقاومة والممانعة في وجه نظام لم يكن له هدف سوى القضاء عليه وتطويعه وحرمان أفراده من حقّ المواطنة. نعم، إن الشعب السوري كان رجل العام 2011 وهو رجل السنة 2012. من كان يتصوّر ان الشعب السوري سيصمد كلّ هذا الوقت في مواجهة نظام لم يكن لديه من همّ سوى مصادرة ارادته وتحويله الى مجرّد ارقام على غرار ما هو حاصل في كوريا الشمالية حيث خلف كيم جونغ ايل والده كيم ايل سونغ، ثم خلف كيم جونغ اون والده كيم جونغ ايل!

سورية ليست كوريا الشمالية، علما ان الشعب الكوري يمكن أن يفاجئنا يوما. سورية شعب يقاوم النظام ويرفض الخضوع له. تضم سورية مجموعة من المكونات لا تزال تسعى الى قيام دولة ديموقراطية تعيش بشكل طبيعي في الشرق الأوسط بعيدا عن وهم اسمه وهم الدور الاقليمي الذي لا وجود له. بكلام اوضح، سئم الشعب السوري من المتاجرة به ومن عملية الهروب المستمرة الى الأمام التي لم تنطل عليه يوما. كان الشعب السوري يعرف ان كلّ ما في الأمر انّ الكلام عن «مقاومة» او «ممانعة» ليس سوى مبرر لتدجينه وافقاره وانتزاع حقوقه البديهية وتحويله الى مجرد قطيع. لذلك انتفض الشعب السوري. كان مفاجأة الربيع العربي الذي لم يزهّر ولن يزهّر إلا في دمشق. لا قيمة للربيع العربي إذا لم يزهّر في دمشق وينتج نظاما جديدا يكون قدوة للعرب وغير العرب في المنطقة بعيدا عن اي نوع من الظلم او التعصّب او العنصرية او التزمت الديني.

قليلون راهنوا على الشعب السوري. معظم العرب والأجانب اعتقدوا أن لا أمل يرتجى من سورية وان النظام القائم قادر على مقاومة ايّ انتفاضة شعبية. فاجأ السوريون معظم العرب وغير العرب، بما في ذلك اوروبا والولايات المتحدة. نزل السوريون الى الشارع. سينزلون بأعداد اكبر على الرغم من القمع والظلم والاعتقالات العشوائية التي لم توفّر بعض أنقى السوريين وأكثرهم تعلّقا بالوطن والعروبة الحضارية. في النهاية، لن يصحّ الا الصحيح. لم يكن ممكنا إلاّ ان ينفجر الوضع في سورية لأسباب موضوعية. في طليعة هذه الاسباب ان النظام لم يكن قادرا على إيجاد حلّ لايّ مشكلة من المشاكل المطروحة منذ سنوات عدة بدءا بحرية التعبير وانتهاء برغيف الخبز مرورا في طبيعة الحال بتأمين حدّ أدنى من المساواة بين المواطنين بعيدا عن الطائفية والمذهبية.

كان السوري العادي يعرف تماما ان الشعارات التي يستخدمها نظام غير قادر لا على الحرب ولا على السلام انما تصب في خدمة عائلة ومجموعة تابعة لها لا هدف لها سوى البقاء في السلطة. كان همّ النظام محصورا في بقائه في السلطة. لم يفهم هذا النظام معنى الخروج العسكري من لبنان نتيجة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه. لم يفهم معنى التغيير الاستراتيجي الذي شهدته المنطقة والذي يتمثّل في انه اصبح، نتيجة الاغتيال، تحت رحمة إيران في لبنان. لم يتعلّم شيئا من التجارب التي مرّ بها. على العكس من ذلك، تمسّك بالكتاب القديم الذي يقرأ منه اركان النظام والذي يقوم على فلسفة إلغاء الآخر.

بقي النظام يقرأ من هذا الكتاب الى ان فوجئ باليوم الذي اكتشف فيه انه لم يعد أمامه سوى إلغاء شعبه. الى الآن، لم يستطع النظام استيعاب ان ذلك ليس ممكنا وان إلغاء الشعب السوري لن يحلّ المشكلة العضوية التي يعاني منها تاريخيا، أي منذ نشوء الكيان السوري. كلّ ما في الأمر ان على النظام في سورية مواجهة الحقيقة المرّة المتمثلة في انه أوصل البلد إلى أزمة نظام وكيان في الوقت ذاته وان تعليم السوريين في المدارس ان لبنان وفلسطين والأردن ولواء الاسكندرون جزء من سورية الطبيعية ليس سوى نكتة. ربما تكمن المشكلة في ان النكتة طالت أكثر مما يجب وانه آن آوان مواجهة الواقع.

يقول الواقع بكلّ بساطة ان النظام السوري الذي قام على سياسة الابتزاز غير قابل للإصلاح وان الشعب السوري يعرف ذلك. أكثر من ذلك، إذا كان النظام يراهن على الانقسامات في صفوف المعارضة، فانّ هذا الرهان ليس في محله. لا مكان لمثل هذا النوع من الرهانات لانّ مشكلة النظام ليست مع المعارضة. انها مع الشعب اوّلا واخيرا. لم يعد الشعب السوري يقبل العيش في قفص. انه يعرف ما يدور في العالم ومطّلع على ادق التفاصيل. انه يعرف ان النظام الذي ينادي بالعلمانية في سورية لا يمكن ان يكون صادقا مع شعبه عندما يدعم «القاعدة» في العراق وحــــزبا مذهـــــبيا مـــــسلحا تابعـــــا لإيران في لبنان.

خلال نحو نصف قرن من جود هذا النظام السوري الذي بدأ في العام 1963 بعثيا مدنيا وانتهى نظاما عائليا- بعثيا، لم يتغيّر شيء. كان الهدف منذ البداية إلغاء الشعب السوري. تبين ان الشعب السوري لا يقبل إلغاء نفسه وان سورية ليست كوريا الشمالية. فاجأ السوريون النظام مثلما فاجأه قبل ذلك اللبنانيون. تبين ان السوريين، مثل اللبنانيين، متعلّقون بثقافة الحياة وانهم يرفضون الشعارات الطنانة التي لا تنطلي على احد. انّهم رجل السنة وكلّ سنة. ستظلّ سورية قلب العروبة النابض. لكنّ الكلام هنا عن العروبة الحضارية وليس عن عروبة المزايدات التي لا تصبّ سوى في خدمة دولة عنصرية اسمها إسرائيل لا أكثر ولا اقلّ.

الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى