صفحات العالم

الأبعاد الإقليمية لبرنامج التدريب والتجهيز في سوريا/ سونر جاغابتاي و أندروجيه. تابلر

 

 

أطلقت واشنطن هذا الشهر برنامج التدريب والتجهيز الخاص بالمعارضة السورية المعتدلة. وحقيقة أن جميع عمليات التدريب ستجري في الأردن وتركيا والمملكة العربية السعودية وقطر، يعني أنه ستكون للبرنامج آثاراً إقليمية كبيرة. كما أنّه يشكّل في الحد الأدنى أوّل محاولة منسّقة من قبل هذه الدول السنية لإنشاء قوّة فاعلة على مستوى الجهة الحكومية الفرعية لمواجهة النفوذ الإيراني في سوريا المتمثّل بـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» و«حزب الله»، بدلاً من الجهات الفاعلة من غير الدول والأقل تنظيماً على غرار الجهاديين السلفيين. ويوفّر البرنامج أيضاً فرصةً محتملة للولايات المتحدة لتنظيم قوّة أكثر كفاءةً لاستعادة السيطرة على مناطق غير محكومة خسرتها الحكومة الطائفية في سوريا التي تهيمن عليها إيران بشكل متزايد، بينما تواجه في الوقت نفسه تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية».

الخلفية

تم  تصميم هذا البرنامج من قبل وزارة الدفاع الأمريكية ويمتدّ على مدى ثلاث سنوات، بقيمة تبلغ 500 مليون دولار ويندرج تحت “الفصل العاشر” لبرنامج التدريب العسكري للمعارضة السورية المعتدلة التي تقاوم نظام بشار الأسد، ويشمل 15 ألف عنصر ومخطط لتدريب قوّة تعمل على إعادة الاستيلاء على المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» وجهاديين آخرين في سوريا. بيد، تسبّبت أهداف البرنامج النهائية إلى قيام توترات هائلة في وقت مبكر. وعلى وجه الخصوص، يسعى معظم أعضاء المعارضة إلى إسقاط نظام الأسد، بينما تشكّل هزيمة «داعش» هدفهم الثانوي في الحرب السورية الأوسع. وبناءً على ذلك، أدى انتشار نفوذ الجهاديين في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة السورية إلى دفع أعضاء المعارضة المعتدلة على نحو متزايد إلى خارج الحدود السورية. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أنّ بعض عناصر المعارضة المعتدلة قد انضموا إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» أو تركوا ميدان المعركة كلية. وكلما طال تفعيل البرنامج، ازدادت على الأرجح صعوبة جذبه لمجنّدين للمشاركة فيه.

وهناك عدد من الفوائد التكتيكية والاستراتيجية الفورية المترتبطة بتدريب عناصر المعارضة المعتدلة في الدول الإقليمية. وتنطوي إحدى هذه الفوائد على كسر النمط الذي تعمل بموجبه عناصر هذه المعارضة بصورة دائمية مع المجاهدين، الذين غالباً ما يمتلكون أسلحة وتدريبات متفوقة. ويتمّ التركيز الرئيسي هنا على «جبهة النصرة» التابعة لـ تنظيم «القاعدة» والتي – على الرغم من بعض “الليونة” – تشارك أهداف «داعش» الرامية إلى إقامة دولة إسلامية وإعادة إنشاء الخلافة، وإن كان ذلك في مرحلة تاريخية لاحقة لتلك التي يسعى إليها تنظيم «الدولة الإسلامية». وبالفعل، كان مبدأ منع التنسيق المعتدل مع «جبهة النصرة» وجماعات مماثلة مركزياً بالنسبة لجهود الولايات المتحدة المتعلقة بالتدقيق في خلفية عناصر المعارضة المعتدلة وتجنيدهم، ويبدو أنّ الخطة تقضي بمنع استمرار وصول الإمدادات الأمريكية لهذه الجماعات المعتدلة في حال قيامها بمثل هذا التنسيق. ثانياً، يُعتبر بناء قوة جديدة من الصفر تعزيزاً لسلسلة قيادة متماسكة غير متوفرة حتى الآن للمعارضة المعتدلة داخل سوريا، وذلك بسبب طابع المعارضة المحلي والأيديولوجي وتنافس الرعاة الخارجيين على دعمها.

قد يكون النطاق المحدود أعظم التحديات التي تواجه القوة الوليدة. فالتكتيكات القاسية والبراعة العسكرية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» تجعل من غير المرجّح أن تتمكّن قوّة مكوّنة من 5 آلاف عنصر في العام الواحد من طرد الجهاديين من مساحات كبيرة من سوريا في السنوات القادمة. وقد تساعد مشاركة ضباط منشقين عن الجيش السوري في التخفيف من هذا الضعف، إذ سيكونون مدرّبين على القتال بشكلٍ أفضل. وإذا ما فقد تنظيم «داعش» الأراضي الواقعة تحت سيطرته قريباً، ستتمتّع «جبهة النصرة» أو نظام الأسد بعدادٍ كافٍ، ويحتمل بالموارد أيضاً، لاستعادة هذه الأراضي من تنظيم «الدولة الإسلامية». ولا يُخفى هذا الواقع عن الحلفاء الإقليميين الذين يقترحون تدريب أعداد أكبر من المعتدلين من خلال البرنامج. وفي حين أنّ مساهمة الولايات المتحدة ثابتة في اعتمادات مشروع قانون الكونغرس لعام 2015، تذكر “الفقرة 9016″ أنّه “يجوز لوزير الدفاع أن يقبل المساهمات ويحتفظ بها، بما فيها المساعدات العينية من حكومات أجنبية لتنفيذ الأنشطة.” ويعني ذلك أنّ المشاركة الإضافية للأطراف الإقليمية يمكن أن تعزّز من قدرة برنامج التدريب والتجهيز بشكل كبير. وقد أعلنت تركيا بالفعل أنها تستطيع تدريب ما يصل إلى 10 آلاف مقاتل هذا العام، على الرغم من أنّه نظراً لتأخر بداية البرنامج القائم فيها، يبدو من غير المحتمل أن يتحقق هذا العدد.

ويشكّل الدعم الجويّ مساحة تَقارب بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. وفي هذا الصدد، قال الأسد في حديثه مع مجلة “فورين آفيرز” في كانون الثاني/ يناير أنّ “أيّ قوات لا تعمل مع الجيش السوري غير قانونية ويجب محاربتها” – مشيراً إلى إمكانية مهاجمته للقوات التي تخضع لتدريبات الولايات المتحدة وحلفائها. وبما أنّ واشنطن وحلفاءها في المنطقة يرغبون في تجنب سيناريو شبيه بغزو “خليج الخنازير”*، يبدو أن توفير الغطاء الجوي لتجنّب هذا الاحتمال يشكّل مصلحة مشتركة طبيعية.

المخاوف الاقليمية

تركيا. سيوفّر برنامج التدريب والتجهيز لدول مثل تركيا والمملكة العربية السعودية وكيلاً محتملاً على أرض الواقع ضدّ نظام دمشق، الذي طالما عارضته الدولتان. وفي الحالة التركية على وجه التحديد، كانت اللغة التي استخدمتها الولايات المتحدة لتحديد المهمة مبهمة عن قصد – ولم تستبعد بالضرورة نظام الأسد كهدف في المستقبل. ولذا يبدو أنّ صناع السياسة التركية راضين في الوقت الحالي، إذ يعتبرون أنّه يمكن ذات يوم محاربة النظام بمجنّدي البرنامج المناهضين للأسد صراحةً. إن ذلك يحمل في طياته احتمال تحوّل أهداف المهمة، مما سيكون موضع ترحيب من قبل العديد من اللاعبين الإقليميين ولكن ليس من قبل إدارة أوباما، حيث تصبح الولايات المتحدة طرفاً في الحرب السورية الأوسع نطاقاً عندما يتمّ إضعاف تنظيم «الدولة الإسلامية» داخل كل من سوريا والعراق.

وثمة موضع قلق ثانٍ، وهو التأثير المحتمل لمهمة التدريب والتجهيز على قوات الأمن التركية في حال تحقّق سيناريو شبيه لما حصل في باكستان. ففي ثمانينيات القرن الماضي، تعاونت باكستان مع واشنطن لتدريب متشددين أفغان. وفي خضمّ ذلك الترتيب، أتت إسلام اباد بما يقرب من 80 ألف مقاتل أفغاني لتدريبهم على الأراضي الباكستانية بمساعدة الولايات المتحدة، ومن ثم أعادتهم إلى أفغانستان لمحاربة السوفييت. وفي وقت لاحق قام بعض أولئك المتشددين “بتدريب” مدرّبيهم المحليين، فاخترقوا كوادرهم وحدّدوا مسار تفكير أجهزة الأمن الباكستانية. وقد ورد مؤخراً عن رئيس “لجنة الدفاع” في “مجلس الشيوخ” الباكستاني، مشاهد حسين سيد، تحديده لهذا الخطر في مقال للكاتب التركي فهيم تاستكين. ويوضح هذا الخوف من تكرار سيناريو باكستان، من بين عوامل أخرى، سبب اختيار الجيش التركي عدم المشاركة في برنامج التدريب والتجهيز، والقيام عوضاً عن ذلك بتفويض بعثة من قواته الخاصة، التي هي فرع فعال ولكن صغير ومعزول من “القوات المسلحة التركية”.

قطر. سيكون من المثير للاهتمام تتبّع مساهمة قطر في برنامج التدريب والتجهيز، نظراً لما تردد عن دعمها للجماعات الإسلامية التي تقاتل حالياً داخل سوريا. ويقال إنّ قطر قد لعبت في عدة مناسبات دوراً حيوياً في الإفراج عن رهائن، وعلى الأخص أولئك الذين ينتمون إلى “قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك” (“أندوف”) الذين كانوا محتجزين من قبل «جبهة النصرة». إن أيّ دعم قطري لبرنامج التدريب والتجهيز يمكن أن يُعتبر كخطوة معادية من قبل أولئك المجاهدين الذين يهدف هذا البرنامج إلى اقتلاعهم. ومَثلها مثل تركيا، يُنظر إلى قطر باعتبارها مؤيداً عامّاً لـ جماعة «الإخوان المسلمين» والذين يدورون في فلكها في سوريا، وبالتالي ستتابع التركيز على إسقاط الأسد بينما تشارك في الجهود الرامية إلى إضعاف «داعش» في سوريا. ويبقى من غير الواضح أيضاً ما هو تأثير الانفراج القطري السعودي على برنامج التدريب والتجهيز – عقب صعود العاهل السعودي الملك سلمان إلى العرش.

المملكة العربية السعودية. يركّز الملك سلمان في آنٍ واحد على إضعاف تنظيم «الدولة الإسلامية» ودحر المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، وسيواصل السعي للإطاحة بحليف طهران بشار الأسد. وتشير الإشاعات التي ترددت مؤخراً عن زيادة الدعم السعودي للثوار في سوريا إلى أنّ المملكة تدعم الجهود الرامية – لا سيما في جنوب سوريا وكذلك في شمال غربها – إلى دحر نظام الأسد، وفي كثير من الحالات بالمشاركة المباشرة لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني و «حزب الله».

الأردن. تجد المملكة الأردنية نفسها في موقف لا مهرب منه في برنامج التدريب والتجهيز الذي أطلقته واشنطن. فمن جهة، هناك تقارير نقلاً عن مسؤولين أردنيين مفادها وجود قلق فعليّ من انتشار النفوذ الإيراني داخل سوريا، وخاصة في الجنوب. وتحرص الأردن على دحر تقدم الجهاديين والحفاظ على تنظيم «داعش» بعيداً عن جنوب سوريا. لذلك يبدو أنّ عمّان متحمّسةً لبدء عمليات البرنامج – ويقال إنّ موقع التدريب الأردني قد يكون أوّل من سيعمل على تخريج الجنود بأعداد كبيرة. ومن جهة أخرى، تعيش البلاد في ظلّ استمرار وجود نظام الأسد. وتخشى عمّان من دخول موجة هائلة من اللاجئين إلى المملكة والتي قد تصاحب أي هجوم على النظام، فضلاً عن انتشار الجماعات الجهادية مثل «جبهة النصرة» من جنوب سوريا إلى أراضيها. وفي الواقع، قد تكون الأردن – إلى جانب تركيا – الدولة التي ستعاني من هجمات انتقامية من قبل كل من الأسد وأنصار تنظيم «الدولة الإسلامية» أكثر من أيّ دولة إقليمية أخرى.

الصورة الأوسع

كإطار، يقدّم برنامج التدريب والتجهيز فرصةً لإقامة قوّة جديدة على مستوى الجهة الحكومية الفرعية لمحاربة نظام الأسد والميليشيات المدعومة من إيران والموالية للنظام، في الوقت الذي يعمل فيه على تهميش الجهاديين. ومع ذلك، تكمن المشكلة في تحقيق نظام الأسد والميليشيات المدعومة من إيران مكاسب سريعة كما أن الجهاديين يتقدّمون أيضاً، كما تبيَّن من هجومهم الأخير على مدينة إدلب.

وفي الوقت الذي يضيّق فيه المجاهدون ونظام الأسد الخناق على المعتدلين أنفسهم، فإن قيام برنامج تدريب وتجهيز موسّع بقيادة الولايات المتّحدة قد يكون أفضل خيار لهزيمة الفريقين – بأيّ ترتيب كان. ويبدو أن توسيع القوّة المقصودة في الأصل والبالغ عددها 15 ألف عنصر هو الخيار المناسب نظراً للتهديد [الذي يواجهها]، ويمكن أن يشجّع الدعم الحيوي الإقليمي للبرنامج، في حين يُرجح أن يؤدي أيضاً إلى تعزيز التجنيد في صفوف قوّة مقترحة لمحاربة «داعش» أولاً والأسد في وقت لاحق.

معهد واشنطن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى