صفحات الناس

انفتاحٌ وتزمّت.. حالُ المدارس السورية في تركيا/ اسطنبول ــ لبنى سالم، حسام جبلاوي

 

 

سمحت تركيا للسوريين المتواجدين على أراضيها بإنشاء مدارس سورية خاصة بهم في معظم المدن التركية، وذلك لتلبية احتياجات التلاميذ الذين اضطروا إلى الانقطاع عن الدراسة بعد نزوحهم من سورية، الأمر الذي يهدد مستقبلهم. وتنقسم هذه المدارس بين ربحية ومجانية، علماً بأن أقساط الأولى مرتفعة جداً، مما يدفع معظم السوريين إلى اللجوء إلى تلك المجانية، التي تعتمد في تمويلها على جهات سياسية، بالإضافة إلى التبرعات والأساتذة المتطوعين.

ويؤكد الباحث الاجتماعي، أحمد عيسى، ووالد تلميذ في إحدى المدارس السورية، أنه لدى جميع داعمي هذه المدارس توجهات سياسية وفكرية خاصة، يحاولون فرضها على المدارس التي يدعمونها. ويضيف أن ذلك يبدو واضحاً من خلال الفروقات الكبيرة بين المدارس الخاصة، التي تهتم بتقديم خدمات علمية جيدة، وبين تلك المجانية التي تسعى إلى نقل أفكارها ومعتقداتها إلى الأطفال. ويردف: “لا أرى ذلك أكثر من عملية استغلال لحاجة التلاميذ إلى التعليم”.

انقسامات

تتمتّع المدرسة الشرعية في أنطاكيا، وهي إحدى المدارس المدعومة من الإخوان المسلمين، بالاستقرار، وخصوصاً لناحية الكادر التعليمي الذي يعمل فيها. ويعد مستواها التعليمي جيداً بالمقارنة مع غيرها من المدارس. وقد استطاعت جذب أعداد كبيرة من التلاميذ.

من جهة أخرى، يقول أحد المدرسين إن رواتب العاملين فيها تعد مقبولة. ويبلغ الحد الأدنى لراتب المدرّس 800 ليرة تركية (300 دولار أميركي)، في حين تتراوح رواتب المدرسين في المدارس الأخرى ما بين 200 ليرة تركية (75 دولاراً) و500 ليرة تركية (190 دولاراً)، علماً بأن بعض المدارس لا تدفع للعاملين فيها، على غرار مدرستي فاطمة الزهراء والعودة.

في السياق نفسه، تشير هيا العروبي، التي تطوعت للتدريس في مدرسة العودة، إلى أن الصف الذي تولت تدريسه كان قد تناوب عليه نحو ستة أساتذة، قبل أن يستقيلوا جميعهم. وتشرح أن ما يعانيه المدرس من ضائقة مادية تدفعه إلى أن يترك المدرسة ويبدأ البحث عن عمل يكسب فيه المال، مما يؤدي إلى تغيير الأساتذة بشكل مستمر، الأمر الذي يؤثّر على مستوى التعليم. ولا يكاد الطالب يعتاد على أسلوب مدرّس حتى يتغير. وتضيف أن العديد من المدرّسين لا يمتلكون المؤهلات العلمية الكافية، إلا أن المدارس تضطر للاستعانة بهم، بسبب عدم دفعها أية رواتب.

أما أبو صابر، وهو والد أحد التلاميذ، فيشير إلى أن معظم الكوادر التعليمية في مدرسة “الأورينت” ينحدرون من مدينة إدلب (المدينة المنشأ لصاحب المؤسسة). ويضيف أنه على الرغم من أن مستواها الأكاديمي جيد، إلا أنه بات هناك نوع من “التمييز المناطقي”. ويلفت إلى أن “زملاء ابني يسخرون منه كونه ينتمي إلى منطقة أخرى. كأننا نحتاج إلى مزيد من الانقسامات بيننا”.

أزياء

ولا تفرض معظم المدارس المدعومة لباساً موحداً على طلابها. إلا أن اللباس المتشابه بين تلاميذ المدرسة الواحدة، يوحي بتوجهات المموّل. يرى أحمد عيسى أنّ “هناك نمطاً موحداً من قبل إدارات هذه المدارس، وخصوصاً الإسلامية منها”. ويضيف: “لا ينكر أحد تزايد حالة الالتزام الديني بين السوريّين بعد الثورة السورية، إلا أن هذا لا يبرر إجبار التلاميذ على الأمر”.

ويبدو الاختلاف في الزيّ واضحاً بين المدرسة السورية الحرة، المدعومة من الاتحاد الأوروبي، والتي تدير شؤونها منظمة “آي أش أش” التركية، وباقي المدارس التي افتتحت بدعم من أطراف سياسية سورية. وعادة ما تكون الأولى أكثر انفتاحاً، من دون تحديد زي موحد. كذلك، لا تفصل الإدارة بين الجنسين في الصفوف. في المقابل، تعتمد معظم المدارس الأخرى نظام الفصل بين الجنسين. كما أن جميع التلميذات في المدرسة الشرعية محجبات. أما في “الأورينت”، فيرتدي التلاميذ لباساً موحداً كتب عليه “غسان عبود”، وهو اسم مالك المؤسسة.

تروي فاطمة (اسم مستعار)، وهي تلميذة في المرحلة الثانوية في مدرسة “محمد الفاتح” المدعومة من مجلس ريف دمشق، أنّها تعرّضت للمضايقة أخيراً بسبب ثيابها، وقد وجّهت إليها الإدارة عدداً من الإنذارات. تقول: “لا أرى في لباسي ما لا يناسب المدرسة، ولا يعجبني ما يفرض علينا. لو أن هناك لباساً موحداً لكان الأمر أسهل”. تضيف: “لم يحدث أن رفضوا استقبال تلميذة في المدرسة كونها غير محجبة. إلا أن مدرستي ومعظم المدارس المتواجدة هنا، تمنحُ الصغيرات هدايا في حفل تكريميّ لارتدائهن الحجاب في عمر مبكر”. وترى أن “هناك توجهاً اجتماعياً واضحاً نحو الالتزام الديني”، لافتة إلى أنه “بمثابة ردة فعل عكسية على القمع الذي كان يمارسه النظام في المدارس في سورية”.

من جهتها، تقول هالة الخطيب إن ابنها، وهو تلميذ في الصف الخامس في مدرسة “رجب أردوغان”، طرد من المدرسة لأنه كان يرتدي سروالاً قصيراً. تضيف: “حين سألني عن السبب، تذرّعت بأنهم يخافون عليه من البرد”.

تربية دينية

تعلن معظم المدارس أنها تعتمد المناهج السورية المعدّلة، إلا أنها تختلف في ما بينها حول مناهج التربية الدينية والموسيقى والفنون. على سبيل المثال، تعتمد المدرسة الشرعية المنهاج السوري، وتضيف إليه موادّ حول الأحكام الشرعية والعقيدة والفقه. ويصل عدد الحصص الأسبوعية للتربية الدينية فيها إلى تسع، فيما لا تتجاوز الاثنتين في مدارس أخرى. أما المدرسة السورية الحرة، فيشمل منهاجها تعليم الفنون والموسيقى، ويصل عدد الحصص فيها إلى ثلاث، فيما لا تدرس هذه المواد في مدارس أخرى.

ومنذ سنوات، فرَض النظام السوري على تلاميذ المدارس في سورية ترديد شعارات تُمجّد القائد، وتعلن الولاء للنظام والحزب الواحد. لم تتخلّ العديد من المدارس السورية في تركيا عن هذا التقليد، علماً بأن الشعارات تختلف بين مدرسة وأخرى. وتجدر الإشارة إلى أن طلاب العديد من المدارس الأخرى لا يستطيعون ترديد الشعارات بسبب عدم وجود باحات في مدارسهم التي هي عبارة عن مبانٍ فقط.

“عزنا بالإسلام يا دنيا اشهدي.. فنحن بغير محمد لا نقتدي”. هذا ما يردده تلاميذ مدرسة “طيب أردوغان” في كل صباح. أما طلاب مدرسة “الأورينت”، فيرددون “أورينت.. أورينت ” قبل الدخول إلى الصف. في السياق، يشير عبد الهادي (اسم مستعار)، وهو أستاذ في مدرسة الأورينت، إلى أن “إدارات معظم المدارس تجتهد لوضع شعارات لإرضاء داعميها”.

في المقابل، تبدو البصمات التركية واضحة في جميع المدارس السورية المقامة على أراضيها، إذ فرضت الحكومة التركية أخيراً ما سميّ بالإشراف التركي المباشر على المدارس السورية، وبدأت تطبيق بعض الإجراءات في جميع المدارس، كفرض 5 ساعات أسبوعية لتعليم اللغة التركية من الصف الأول، وإلغاء اللغة الإنكليزية.

في السياق، يوضح عبد الهادي أن “الإشراف الإداري التركي تمثَّل بتعيين مدير تركي لكل مدرسة إلى جانب مديرها السابق، وتشمل مهامه نقل صورة المدرسة إلى وزارة التربية التركية، بالإضافة إلى إدراج جميع البيانات الخاصة بالمعلمين والتلاميذ في سجلاتها”. ويضيف أنه “يمكن للمدير التركي أن يتدّخل بالعملية التعليمية أيضاً، فقد منع أحدهم في إحدى المدارس تعليق خريطة سورية التي تضم لواء الإسكندريون للأراضي السورية، وقال للمدرسين إنهم الآن في تركيا ولا يمكن أن يتهموها بالاحتلال”.

أما عبد العزيز، وهو أستاذ في إحدى المدارس السورية في غازي عنتاب، فيبرّر الإجراءات التركيّة هذه قائلاً: “لا شك في أن أية حكومة ستقوم بمثل هذه الخطوات، وخصوصاً أن المدارس موجودة على أرضها ومن حقها أن تفعل هذا”. ويرى أنه “للتدخلات التركية الأخيرة إيجابيات عدّة. فالمدراء الأتراك لا يسمحون بضرب التلاميذ”.

تختلف آراء المدرّسين في ما يتعلق بالتدخلات التي يفرضها الداعمون على المدارس السورية في تركيا. يجدها البعض طبيعية ومحدودة، فيما يرى آخرون أنها تخدم إيديولوجيات المموّل. في المقابل، يتفق الجميع على أن مصير أية مدرسة سيكون التوقف التام عن العمل في حال لم تلتزم بتوجيهات داعميها، في ظل عدم وجود دعم مستقل.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى