صفحات سوريةمنذر خدام

العالم يحاصر النظام السوري


منذر خدام

لقد وضع النظام السوري نفسه، وكذلك سوريا، في وضعية لا يحسد عليها، من جراء سياساته الرعناء تجاه شعبه، الأمر الذي حذرنا منه مرارا وتكرارا، كما حذرت منه قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية، وممثلو الحراك الشعبي في الشارع، لكنه بدلا من أن ينصت لصوت العقل، ركب رأسه الأمني.

في حقيقة الأمر لم يكن نهجه هذا غير متوقع، بل كان المسار المفضي إلى هذه الوضعية واضح المعالم منذ الرصاصة الأولى التي أطلقها على شعبه، بل قبل ذلك، لأن الطغمة الأمنية المالية التي تتحكم بسوريا لم تتعامل يوما مع الشعب السوري، ولا مع سوريا الكيان السياسي إلا من منطلق الملكية الخاصة والحصرية. وللأسف الشديد كان الوضع العربي والدولي بصورة عامة يجاري قادة النظام في سياساته هذه التي هي أقرب إلى سياسات المزرعة، حرصا على جملة من المصالح التي يرعاها لهم، بصورة مباشرة، أو بصورة موضوعية، أو خوفا من الفوضى التي كان يلوح بها دائما في حال تعرض لضغوط دولية جدية، خصوصا من قبل الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.

ولم يكن يضير هذه الدول، وهي العارفة ببواطن الأمور، أن يمارس النظام نهجه هذا تحت غطاء من الممانعة والمقاومة الزائف. هل ثمة دليل أبلغ من أن تكون إسرائيل من أكثر الدول حرصا على بقاء النظام، الذي يحمي حدودها الشمالية الشرقية، بحسب تصريحات العديد من قادتها، وأن يربط رامي مخلوف أمن إسرائيل بأمن النظام السوري في تصريح شهير له لصحيفة أميركية شهيرة، كاشفا بذلك عن موقعه في النظام السوري، وعن دوره في إنتاج السياسات السورية، كما فعل ذلك قبله اللواء في الأمن في حينه بهجت سليمان في عام 2002؟!

يعرف السوريون جيدا أنه لم تطلق رصاصة واحدة من الجبهة السورية على إسرائيل التي تحتل الجولان السوري، بل لم يرد النظام السوري، بما يعيد الاعتبار للكرامة السورية، على كل التعديات الإسرائيلية على الأراضي السورية، التي أفقدها النظام حرمتها، من جراء سياسات الفساد والنهب والرشوة، والتي شملت تحليق طيرانه فوق أحد قصور الرئاسة، بالإضافة إلى اغتيال اللبناني عماد مغنية في عقر دار أجهزته الأمنية. غير أن انتفاضة الشعب السوري الباسلة في سبيل كرامته وحريته، وإصراره على المضي بها بكل عزيمة وتصميم، محافظا على سلميتها في الغالب الأعم، جعلت أغلبية دول العالم تخرج عن صمتها، وترفع الصوت عاليا في وجه النظام وقادته، مطالبة إياه بالتنحي عن السلطة كي يستطيع الشعب السوري أن ينجز ثورته ويحقق مطالبه العادلة والمتمثلة في نيله حريته وبناء نظامه السياسي المدني الديمقراطي.

لقد أمهل العالم النظام مدة تقارب خمسة أشهر، وهي مدة أكثر من كافية، بل لم تمنح لغيره من الأنظمة الاستبدادية في المنطقة التي ثارت شعوبها ضدها، وبدلا من أن يستفيد منها في إجراء إصلاحات حقيقية وجدية تؤدي إلى تفكيك النظام الأمني وتؤسس لبناء نظام ديمقراطي، فقد حرك قواته الأمنية، مدعومة بشبيحته، وبعض وحدات الجيش لتقمع المحتجين الذين غصت بهم شوارع المدن السورية، مما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا من المدنيين والعسكريين، وإلى اعتقال عشرات الآلاف وزجهم في السجون التي ضاقت بهم، فاستخدم الملاعب والصالات الرياضية لهذا الغرض.

تصور النظام أنه باستقدام مزيد من قوات الجيش والأمن والشبيحة يمكنه أن يجعل الشعب السوري يتوقف عن المطالبة بالتغيير الجذري والحقيقي ويمتنع عن الخروج إلى الشوارع. لكنه خاب أمله، فالسوريون لم يتركوا ساحاتهم وشوارعهم ولن يتركوها حتى تتحقق مطالبهم. أمام هذا الوضع لجأ النظام إلى مناورة مكشوفة، بأن أخبر رئيسه الأمين العام للأمم المتحدة بأنه قد أوقف قمع المتظاهرين وهو بصدد سحب الجيش وقواته الأمنية من المدن والبلدات السورية. غير أن حقيقة الوضع كانت غير ذلك واستمر سقوط الضحايا في الشوارع السورية، وفي جمعة «بشائر النصر» وحدها سقط أكثر من أربعين شهيدا.

أمام هذا الوضع المعقد الذي أوصل النظام سوريا إليه، لا يزال السؤال حول الوجهة التي يقود البلد والمنطقة برمتها إليها له ما يبرره. وفي ذات السياق هل يستطيع الوضع الدولي، الذي يضيق أكثر فأكثر حول النظام، أن يلجمه عن مساره الجهنمي هذا؟ وما هو موقف المعارضة الوطنية الديمقراطية والحراك الشعبي عموما من التدخل الخارجي في شؤون سوريا؟

جوابا عن السؤال الأول، كنا في مؤتمر «سميراميس» للمعارضين المستقلين وغير الحزبيين، قد أكدنا على أنه لا مسار ثالث أمام سوريا للخروج من الأزمة التي تسبب فيها النظام.. فإما مسار آمن سلمي يفضي إلى انتقال سوريا من وضعية الاستبداد إلى وضعية الديمقراطية، وفي هذا المسار إنقاذ لسوريا، ووضعها على طريق التطور الحضاري، وقد أعلنا مع شعبنا انحيازنا لهذا المسار. وإما مسار يفضي إلى الدمار والخراب. وقد صار واضحا للجميع، بعد شهرين من انعقاد مؤتمر «سميراميس»، أن النظام يسير بعناد وإصرار نحو المسار الثاني. وبناء عليه فقد صار من العبث البحث عن إصلاحيين جديين في داخل النظام. مع ذلك من موقع السياسة لا يجوز أن نفقد الأمل، فمصير سوريا وشعبها على المحك، بأن تنعش الضغوط الدولية السياسية والدبلوماسية المتصاعدة ضد النظام بقايا من الإحساس بالمسؤولية، إذا كان لا يزال يوجد شيء منها، فيبادر إلى إيقاف حمام الدم تجاه شعبه ويطلق سراح جميع الموقوفين السياسيين، ويسمح للشعب بالتظاهر السلمي لكي يفرز من داخله قياداته التي تعبر عن مطالبه، ليمكن التداول عندئذ بأفضل الحلول للوضع القائم في سوريا، والمخارج من الأزمة التي تسبب فيها النظام.

أما بالنسبة إلى موقف المعارضة الوطنية الديمقراطية التي رفضت في السابق – وهي على حق – جميع أشكال التدخل الخارجي في الشأن السوري، مراعاة لحساسية شعبنا السوري وطبيعته، ولقناعتها بأن التدخل الخارجي لن يكون في مصلحة سوريا الكيان السياسي، ولا في مصلحة الشعب السوري وخياراته السياسية، فهي (أي المعارضة) لا تزال تؤكد على مواقفها السابقة، رغم أن بعض أوساطها بدأت تبدي ليونة تجاه كل ما يمكن أن يوقف حمام الدم في سوريا، حتى ولو جاء من الخارج على ألا يرقى إلى مستوى التدخل العسكري، أو الحصار الاقتصادي الذي يمكن أن ينعكس سلبا على الشعب السوري وعلى معيشته. وهذا هو، في الغالب الأعم، موقف الحراك الشعبي، الذي عبرت عنه تنسيقيات الثورة السورية.

وعموما الذي يستدعي التدخل الخارجي الذي حذرنا منه مرارا هو النظام السوري، ولذلك فهو يتحمل كامل المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في سوريا، ليس بسبب كونه سبب الأزمة الراهنة، بل لأنه المتحكم في مقدرات البلد، ولديه مفتاح المبادرة بالحل سواء بتقديم إصلاحات حقيقية وجدية صارت معروفة، أو بالرحيل، وقد يكون الخيار الأخير هو المتبقي له.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى