صفحات سوريةفايز ساره

العراق في أزمة سوريا!

 

فايز سارة

يمثل العراق أحد أهم جيران سوريا، وهو صاحب أحد أطول حدود معها، وبحكم العديد من العوامل فإن موقفه شديد الأهمية والتأثير على ما يحدث في سوريا، وستكون للموقف العراقي تداعيات مستقبلية في مستوى العلاقات بين البلدين وفي مستوى العلاقات الإقليمية، وهذا بين أسباب تدفع إلى التدقيق في مواقف العراق من الأزمة في سوريا ومحاولة الإجابة عن الأسئلة المتصلة بموقف العراق من الأزمة السورية، ومجموعة السياسات والإجراءات العملية التي تتابعها السلطة العراقية في الموقف من النظام والمعارضة.

وقبل التدقيق في موقف العراق الحالي، لا بد من الإشارة إلى أن العراق عانى واشتكى طوال العقد الماضي من السياسات والممارسات السورية، التي اعتبرها العراقيون تدخلات فجة في شؤونهم الداخلية، وجاء في سياقها دعم السلطات السورية لقوى وشخصيات عارضت الحكومات العراقية، التي جاءت للسلطة بعد احتلال العراق عام 2003، ومنها دعم فلول نظام صدام حسين. واتهمت حكومات بغداد السلطات السورية طوال سنوات بتمرير الجماعات المسلحة ورموز «القاعدة» إلى العراق للقيام بعمليات إرهابية، وبالسماح بمرور الأموال والأسلحة إلى الجماعات المسلحة. وأثارت الحكومات العراقية هذه القضايا لدى مؤسسات عربية وإسلامية ودولية.

وبخلاف ما كان عليه الوضع من صراع في العلاقات العراقية – السورية، فقد اتجهت تلك العلاقات إلى التهدئة في الفترة الثانية من عهد رئيس الوزراء نوري المالكي، وهو أمر يرتبط بالعلاقات الجديدة والوثيقة التي جرى نسجها بين المالكي وإيران، وكرست تحالفا بينهما، مما ترك تحسنا محدودا في علاقة العراقيين والسوريين بحكم علاقة الطرفين مع طهران، وكان من أثر ذلك انخفاض حدة الاتهامات العراقية للسوريين لجهة تدخلهم في شؤون العراق، وبدء دورة من التقارب في علاقات بغداد – دمشق.

إن الانعكاس المباشر لتحسن علاقات بغداد – دمشق تجلى بسياسات وإجراءات اتبعتها بغداد حيال دمشق من دون أن تعلن موقفا يؤازر السلطات السورية أو يتبنى موقفها من الأزمة خلال العامين الماضيين، والسبب في ذلك أنها لا تريد أن تصنف في حلف سياسي واحد، يضمها إقليميا مع إيران وسوريا، وهي في المستوى الداخلي لا تريد أن تظهر بمظهر الاصطفاف الطائفي على اعتبار أن المالكي يمثل الطائفة الشيعية، خاصة أن علاقات المالكي سيئة مع الجناحين الآخرين في العراق؛ سيئة مع الأكراد في الشمال وسيئة مع سنة العراق أيضا.

وللأسباب السابقة بدا الموقف العراقي من الأزمة في سوريا أقل تأييدا للنظام وأقل في العداء للمعارضة، وهذا ما يجد له ترجمة في سياسات ومواقف العراق المعلنة، حيث حاول قادته الوقوف في منتصف المسافة من النظام والمعارضة في تصريحاتهم بأحقية التغيير في سوريا مع تأكيد اعتراضهم على الحل العسكري والتشهير بالمعارضة المسلحة، لكن ذلك لم يمنع من التحذير من سلبيات تغيير النظام ورأس النظام، والتي رأى فيها رئيس الوزراء نوري المالكي احتمال دفع بلدان المنطقة إلى حروب أهلية مدمرة، مما يتضمن تأييدا غير مباشر للحفاظ على النظام ورأس النظام، وهو جوهر موقف دمشق وطهران أساسا.

ولا يمكن فصل جوهر الموقف العراقي إزاء النظام في سوريا عن علاقاته مع المحيط العربي والإسلامي، حيث تراكمت مشاكل العراق مع الدول الداعمة للمعارضة السورية ومنها قطر والمملكة العربية السعودية وتركيا، وبدا من الطبيعي وقوفه في الصف المقابل لها، وفي اتخاذه مواقف وسطية، عندما تطرح أو تناقش الأزمة السورية في الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وفي الأمم المتحدة، وقد توجت مواقف العراق السياسية والإعلامية بخطوات عملية، جاء في سياقها تشديد الإجراءات العراقية على الحدود مع سوريا لمنع المرور عبرها، وتكثيف مراقبة المناطق المتاخمة للحدود السورية بهدف منع العراقيين من تقديم أي عون ومساعدة للسوريين في المناطق المجاورة، والسماح بمرور مجموعات مسلحة عراقية مع تجهيزاتها باتجاه الأراضي السورية للمشاركة في الصراع إلى جانب قوات النظام الحاكم، وقيام السلطات العراقية بإغلاق الحدود في وجه السوريين بما في ذلك اللاجئون، مع تأكيد أن أغلب اللاجئين السوريين من الأكراد وأكثرهم موجودون في شمال العراق، كما كان في سياق الإجراءات العراقية السماح باستخدام الأراضي والأجواء العراقية لمرور البضائع والأسلحة والذخائر من إيران ومن كوريا الشمالية، وأدت تلك السياسة إلى دفع القوات العراقية للاشتباك مع قوات الجيش الحر مرات عديدة، وكان آخرها ما حصل في اشتباكات معبر اليعربية مؤخرا.

لقد سعت السلطات العراقية إلى التغطية على حقيقة موقفها وممارساتها إزاء الأزمة في سوريا، ووقوفها إلى جانب النظام من خلال الإيحاء بمواقف وسطية وعبر مناداتها بضرورة الحل السياسي للأزمة، غير أنها في الواقع ومن خلال الخطوات الإجرائية والعملية أكدت أن خياراتها هي الوقوف إلى جانب النظام ودعمه بأشكال مختلفة، الأمر الذي ستكون له انعكاسات سلبية على العلاقات العراقية – السورية وعلى علاقات العراق الإقليمية والدولية، ولعل الأهم في تلك الانعكاسات هو تأثيرها السلبي على واقع العراق الداخلي، وهذا ما بدأت تظهر مؤشراته بوضوح.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى