صفحات الناس

طائفية القذائف العشوائية/ عمّار الأحمد

 

اشتد الميل الطائفي لدى الثورة، منذ أن اختار النظام الحل العسكري كسبيل وحيد للتعامل مع الثورة السورية، في ظل ترحيب بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة بذلك. وتزامن تصاعده مع تشكيل الكتائب، وتدفق المال السياسي في مسعى لإغراق الثورة به، وتكريس تبيعتها، وإضعاف محليتها وشعبيتها.

النظام وفي مسعاه لإثارة البعد الطائفي للصراع، وضع الكثير من قواته في المناطق غير الثائرة، ولاحقاً بدأ بتشكيل اللجان الشعبية فيها، والتي عُرفت بجيش الدفاع الوطني، والشبيحة. وإذا انتهى حالياً مصطلح اللجان، فقد بقي المصطلحان الآخران. وجود الجيش والمليشيات الموالية في مناطق سيطرة النظام، ذات الهويات الأقلوية، واستقطاب شبابها، أطلق العنان لكل أشكال التطييف من قبل النظام والمعارضة المسلحة الإسلامية. فبعض الكتائب ترد على نيران النظام، وتصوب أسلحتها نحو تلك المناطق الموالية. التبرير باستهداف مراكز السلطة الأمنية أو العسكرية، لم يمنع القذائف من قتل وإصابة المدنيين. ولكن الفشل المتكرر في إصابة الأهداف المعلنة، ينطوي على فشل هذه السياسة بالكامل وعدم جدواها.

يسود رأي لدى أوساط المعارضة بأن من يطلق القذائف على المناطق الموالية، هو النظام نفسه، بغرض التخويف وحشد المزيد من الموالين خلف سياساته، ومنعهم من التفكير في الاستقلال عنه. والحقيقة أنه مع استمرار سقوط القذائف وقتل المدنيين، اندفع الناس في مناطق النظام لرفض الثورة بشكل أكبر. وجود النازحين والمهجّرين في المناطق الخاضعة للنظام، كدمشق وبعض ضواحيها يقوي هذه الحجة. ولكن لا يمكن التثبت من الطرف الذي يقوم بالقصف عن بعد في ظل الفوضى السورية الراهنة. القذائف وحدها تستمر بالتساقط بكامل الوضوح. والنظام لا يأبه لانتقادات الناس بإبعاد جيشه عن مناطق السكن. وكذلك المعارضة المسلحة قليلة الإكتراث، بأن النظام لا يطلق نيرانه من المناطق الموالية له فقط، بل من كل منطقة يتواجد فيها، ومن ضمنها مناطق غير موالية.

النظام لا يرتدع أبداً ولا يهتم لحال المدنيين، بل هو اعتمد ومنذ اللحظات الأولى كل أشكال البطش بالحاضنات الشعبية للثورة، كي يعزل الثوارَ نهائياً عنها. وزرع كتائبه ليفعلوا أسوأ ما يخطر في البال من سرقة وتخريب وقتل وإجرام وتعذيب. وتابع سيرته الدموية حتى وصل إلى اختراع البراميل القاتلة، ووظيفتها الوحيدة هي إحداث أكبر قدر ممكن من الدمار والقتل ودفع الناس للجوء أو للتشرد. وهو بذلك لا يخوض معركة ضد مسلحين بل يستهدف المدنيين بالتحديد.

موقف المعارضين السياسيين من مسألة القذائف التي تصيب المدنيين، يشبه في بعض أوجهه موقفَ النظام. أولاً ينكرون أن الكتائب هي التي تقوم بها، ولاحقاً يؤكدون أن الأمر طبيعي. فتلك المناطق أغلب سكانها من الموالين، ويجب أن يدفعوا الثمن أيضاً. هناك مغالاة عند بعض التيارات من الطرفين، تصل إلى نزعات فاشية، تقول بضرورة الإبادة الكاملة للخصم.

لكن فاشية النظام لا يمكن مواجهتها بفاشية مقابلة. فالثورة ليست فقط لإسقاط النظام، بل من أجل بناء دولة لكل السوريين. جزء من المعارضة لا يهتم لهذا، ويقتصر فهمه ورؤيته على حصر المسألة بـ”ثورة إسلامية ضد نظام علوي”. هذه البيئة تشرّع القتل وستجد له الأعذار.

النظام ضعيف وينشد القوة، وهذا غير ممكن دون الاستمرار بتدمير الحواضن الشعبية لفصلها عن الثوار. وقد نجح في أماكن ولم ينجح في أخرى. وحين لم ينجح، قتل الناس وهجرهم. الكتائب تمارس سلوكيات مفزعة أيضاً، وإن كان على نطاق أضيق. يدعم ذلك شعورها الضمني بالعجز عن إسقاط النظام، والتشتت في عملها، وافتقارها لإستراتيجية عسكرية واضحة بما في ذلك المحاسبة والمتابعة. لا ننسى تدخل مخابرات النظام في تشكيل قسم منها، وإغراقها بالجهاديين من سجونه ومن عراق المالكي.

تبدو نقطة الضعف في الثورة هي غياب برامج لها، وفي تسلط المعارضة الخارجية عليها، وفي غياب قرار دولي ضد النظام. كل ذلك يؤخر اسقاط النظام، لكنه لا يؤجل القتل العشوائي.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى