حسين العوداتصفحات سورية

العقوبات الغربية على سوريا..

 


حسين العودات

قررت الإدارة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي وسويسرا وكندا واستراليا ودول غربية أخرى فرض عقوبات على مسؤولين سوريين بمن فيهم الرئيس بشار الأسد، وعلى التعامل مع سوريا، وتتضمن هذه العقوبات تجميد أرصدة وأملاك شخصيات سياسية وأمنية واقتصادية، ومنعهم من زيارة هذه البلدان، وإيقاف مساعدات كانت تقدم إلى بعض الجهات السورية الرسمية وشبه الرسمية، وتجميد قبول سوريا في الشراكة المتوسطية.

وصرح ناطقون باسم المجموعة الأوروبية أن بلدان هذه المجموعة ستتخذ أيضاً عقوبات أخرى تدريجياً في الأسابيع القادمة، وبررت هذه البلدان فرض العقوبات بأنه رسالة إلى النظام السياسي، ووسيلة لردع السلطة عن الاستمرار بممارسة العنف ضد المتظاهرين، وعدم استجابتها لطلبات الإصلاح السياسي والاجتماعي، والعمل على السير خطوات في طريق التعددية وبناء نظام سياسي حديث عصري ديمقراطي يحترم الحريات وحقوق الإنسان.

انتقد الناطق الرسمي السوري فرض العقوبات، وذكّر بالعداء التاريخي بين أوروبا (وخاصة فرنسا وبريطانيا) وبين شعوب المنطقة ودولها، واسترجع مسيرة اتفاقية سايكس بيكو وتقسيم بلاد الشام والاستعمار القديم، كما أكد مسؤولون سوريون عديدون، وناطقون مقربون من النظام، أن هذه العقوبات لا أهمية لها على النطاق العملي بسبب عدم وجود أرصدة مالية أو عقارية في أوروبا وأميركا للشخصيات التي وقع عليها العقاب، كما أنها (أي العقوبات) ليست ذات آثار فعلية وواقعية على سوريا، وهي حسب وزير الخارجية السورية تضر بلدان أوروبا أكثر من ضررها لسوريا كما أنها ربما تسبب أضراراً.

واقعياً فإن الدراسة الجادة لظاهرة العقوبات هذه، تؤدي إلى استنتاجات ربما تكون مختلفة عن الأطروحة الرسمية السورية، وتنبئ بنتائج سلبية متوقعة لها، وأضراراً سياسية واقتصادية ومعنوية كبيرة، تؤكد بمجملها أن الأوروبيين والأميركيين لم يستجيبوا، بهذه العقوبات، لنزوة عابرة، وإنما اتخذوا إجراءات يعرفون بدقة نتائجها السلبية المحتملة على النظام السوري.

فمن الناحية السياسية، ليس أمراً هيناً على أي نظام سياسي أن تقاطعه دول الاتحاد الأوروبي ال- (29) والولايات المتحدة وحلفاؤها من الدول الغربية، وإن لم يكن لهذا الحصار من نتائج مباشرة ملموسة وفعلية وفعالة فهو على الأقل ذو تأثير معنوي كبير جداً، سواء على النظام السياسي سلباً أم على المحتجين والمتظاهرين إيجاباً، وفي الوقت نفسه فإن هذه العقوبات لها ما بعدها، وخاصة إمكانية عرض الأحداث السورية على مجلس الأمن، وربما على محكمة الجنايات الدولية وغير ذلك من الإجراءات، ولاشك أن معظم هذه الإجراءات المحتملة متاحة للدول الغربية عامة، وليست مستحيلة التحقيق. وفي المجال الاقتصادي، لاشك أن الأمر سيؤدي إلى مزيد من السلبيات، فحجم التبادل التجاري بين سوريا ودول الاتحاد الأوروبي يتجاوز (11) أحد عشر مليار دولار (منها 2.2 مليار مع إيطاليا و2.2 مليار مع فرنسا، وملياران مع ألمانيا) ورغم أن هذا الرقم مع أوروبا قليل جداً بقيمته المطلقة إلا أنه يحتل نسبة هامة من التبادل التجاري السوري تصل إلى 35%.

كما أن تأجيل دخول سوريا إلى الشراكة المتوسطية (وهي البلد الوحيد الذي لم يدخلها بعد) سيكون – إن حصل فيما بعد – بالشروط الأوروبية التي كانت ترفضها سورية، فضلاً عن سلبيات أخرى تتعلق بتراجع حجم الاستثمار الأوروبي في سوريا (استثمار فرنسا 1.2 مليار دولار) وخسارة الموارد الناتجة عن السياحة الأوروبية إلى سوريا وغير ذلك. ليس من المنطقي تجاهل ما يمكن أن يتخذه الأوروبيون في مختلف المجالات في الفترة القادمة، فقد صرح الأوروبيون أن عقوباتهم سوف تتوالى تباعاً، ويبدو أن السياسة السورية تأخذ في اعتبارها أنها واجهت مثل هذه العقوبات عام (2005) وما بعدها بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وقد استطاع النظام السياسي السوري في ذلك الوقت الصمود أمام الضغوط والعقوبات، ثم ما لبث أن تغلب عليها، وفتحت بلدان أوروبا أبوابها له، وأرسلت جميعها موفدين إلى سوريا بما يشبه الاعتذار عما عاقبتها به.

كما تراجعت الضغوط الأميركية، إلا أن الظروف الحالية تختلف كثيرا عن تلك الظروف السابقة، والأوراق التي تمتلكها سوريا الآن لم تعد خطرة على الغرب (التحالف مع حزب الله، التحالف مع إيران، الوضع اللبناني، الوضع العراقي التأثير على المنظمات الفلسطينية..إلخ) والآن، سوريا هي وحلفاؤها في موقع الدفاع، خاصة وأن الوضع الداخلي السوري أصبح يشكل عبئاً على النظام أشد بما لا يقاس من أعباء العقوبات. أخيراً ، إن الأمر الأسهل بالنسبة للسلطة السورية، ليس مقارعة الأوروبيين والأميركيين، وإنما التخلي عن الحل الأمني في معالجة الأزمات الداخلية، وإجراء إصلاحات جادة يقتضيها التطور وشروط العصر وظروفه، وعندها ستسقط مبررات هذه العقوبات الغربية جميعها.

البيان

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى