صفحات العالم

العلمانية الطائفية

 


الدكتور جاكي ابو سمرة

اذا كانت العلمانية تعني الفصل القانوني بين الدين والدولة، فهذا يستدعي توفر شرطين لتحقيقها:

اولا، حرية الفرد في ان يكون منتميا لدين معين او غير منتمي، وحريته في تغيير دينه.

ثانيا،الموقف الحيادي للدولة ( كمؤسسات سياسية ومجتمعية وادارية وتعليمية) تجاه الاديان ، وعدم تفضيل دين على آخر.

اذا، فالعلمانية ليست رديفة للإلحاد، بل انها تعترف بحق الفرد في ان يكون ملحدا كما له الحق  في ان يكونا متدينا, وهذا يعني ان الانسان المتدين يمكن ان يكون علمانيا ما دام يطبق الشرطين انفي الذكر  في حياته  وممارساته وتعامله مع الغير.

وكما ان العلمانية تضمن حرية التعبد، فانها تمنع تدخل الدولة ( كمؤسسات سياسية وادارية واجتماعية وتعليمية) بالدين ، وبالمقابل تمنع تدخل الدين في الدولة ومنها حظر تشكل احزاب سياسية على أساس ديني اذا تعارضت مبادئه من  أسس الدولة المدنية. ومن هنا نجد ان  النظام العلماني في تركيا وماليزيا لم يمنعان وصول احزابا اسلامية الى سدة الحكم.

بعد انطلاق قطار الثورات العربية، والسقوط المتتالي للانظمة العربية الدكتاتورية، وفي ظل وجود حقيقة ان المجتمعات العربية هي مجتمعات متدينة ،اعيد طرح السؤال الذي كان لسنوات عديدة سؤالا نظريا، والان يمكن ان نراه سؤالا عمليا سيحدد مصير الدول العربية في ظل تعددية دينية خاصة في بلدان الشرق الاوسط. والسؤال هو: هل من الممكن ان تبني المجتمعات العربية المتدينة بطبيعتها دولا علمانية ؟

سنحاول مقاربة هذا السؤال من خلال استعراض علاقة الدولة بالدين في ثلاثة بلدان ، تونس كبلد احادي القطبية الدينية، ومصر كبلد ثنائي القطبية الدينية وسوريا كبلد متعدد القطبية الدينية.

في الحقيقة، هنالك الكثير من النقاط المشتركة التي جمعت بين الانظمة الاستبدادية لهذه الدول الثلاث، فشعار العلمانية الذي رفعته كان بهدف كسب ود وتحالف الدول الغربية معها ضد شعوبها، باعتبار ان البديل هي السلفية، اي وسيلة استقواء بالخارج على الداخل، اما سياستها الداخلية فتميزت ببناء تحالفات اسرية وعشائرية وطائفية ، واستخدام السلطة الامنية للسيطرة على المؤسسات الدينية والتدخل في الحياة الدينية والمدنية للفرد والمجتمع وهذا مناقض لاسس العلمانية.

في تونس كانت مهمة بن علي سهلة للسيطرة على المجتمع، باعتباره مجتمعا أحادي القطبية الدينية، فاستخدم العلمانية كوسيلة قمع من خلالها المجتمع ومنع الحريات الدينية بابسط اشكالها والتي لا تتعارض مع اسس العلمانية ، وكان الهدف هو قمع قوى المعارضة.

أما في مصر فكان على نظام حسني مبارك ان يتلاعب بعدة خيوط في نفس الوقت لضمان السيطرة على المجتمع، فتحالف مع السلفيين من تحت الطاولة كما يقال حتى يقمع الشعب عقائديا فظهرت فتاوى اطاعة الوالي وتحريم التظاهر وغيرها من اساليب القمع الاجتماعي على اساس عقائدي. كما ادخلت البلاد بمناوشات طائفية بين المسلمين والاقباط، لعل تفجير كنيسة الاسكندرية بامر من وزير الداخلية حبيب العادلي لهو اكبر دليل على  سعي السلطة الى ادامة هذه المناوشات وازكاء نارها كلما همدت. كما ادخل البلاد في معارك دينية فقهية جانبية  كارضاع الكبير والتبارك ببول النبي و…..

اما في سورية فالامر كان اكثر تعقيدا، فهنالك تعددية دينية ومذهبية تحتاج الى مناورات وتحالفات معقدة ليس بين طوائف واديان ضد اخرى فحسب، بل خلق حالة من التناقض داخل كل طائفة وتعزيز دور الولاءات الاسرية والمذهبية بحيث استطاع النظام ان يخلق طائفة خاصة به تحتوي على كل  نماذجا من كل الاطياف مع تقسيم لدور كل منها، اي تحالف ما سمي الاسرة الحاكمة  مع  اقطاب الامن والمال والدين.

وبعد انطلاق قطار الثورات العربية، كان على الشعب ان يواجة  مخلفات الانظمة التي كانت بالاصل ادواتها للهيمنة ، وهي مخلفات مرضية وهدامة  بالمجمل، وكما كانت مهمة بن على سهلة ، اعتقد انه ستكون  مهمة قوى المجتمع المدني  سهلة ايضا (بالمقارنة مع بقية الدول العربية)، في بناء دولة علمانية تلعب فيها الاحزاب ذات التوجه الديني دورا مهما ، فنحن امام مجتمع متجانس عموما، القوى الاسلامية فيه هي قوى معتدلة عموما لا اعتقد انها تنظر للدولة المدنية تهديدا لكيانها الفكري والسياسي.

في مصر، يبدو الوضع أكثر تعقيدا، فمخلفات حكم مبارك ثقيلة، فهنالك السلفية الاستئصالية التي طفت على السطح بعد انتصار الثورة، وبدأت تعيث بالأرض فسادا. وهنالك مخلفات الصراع الطائفي الذي ما زال  يجد  من يزكي ناره بالخفاء، وهنالك الاخوان المسلمون  الكتلة السياسية الأكثر تنظيما ،بقيادتهم الهرمة الرافضة لقبول الأخر وبشبابها المنفتح  وهم يحتاجون ربما لعدة سنوات حتى يقبلوا الانخراط بمجتمع مدني. إما قوى المجتمع المدني فهي قوى فاعلة بعيدة عن الانتماء الطائفي واعتقد انها قادرة على  الدفع  باتجاه الدولة المدنية وان كان ذلك سيأخذ بعضا من الوقت.

يبدو المشهد السوري معقدا  بسبب حجم الخراب الذي أصاب بنية المجتمع خلال نصف قرن من حكم عمد الى تفكيك المجتمع إلى مكوناته البدائية الأسرية والعشائرية والطائفية  لدرجة أصاب هذا الخراب بنية القوى الديمقراطية والعلمانية وقوى المجتمع المدني، فنجدها خائفة متوجسة  من هذا الحراك الحاصل في الشارع ، فبادرت الى اخذ مواقف مسبقة مبنية اساسا على الاوهام التخويفية التي  عمد النظام على بثها وتثبيتها في عقول الكثيرين ومنها تلك القوى الديمقراطية والعلمانية التي بدلا من ان تأخذ موقفا واضحا ضد النظام ومساندا لانتفاضة الشباب الذين لا ذنب لهم الا انهم ينتمون الى مجتمع متدين يملك تاريخا حافلا في الانتماء للوطن، ويخرجون في هذه الايام ليواجهوا رصاص النظام الغادر بصدور عارية يهتفون للحرية والكرامة ويؤكدون كل يوم على سلمية ووطنية تحركهم. لكن هيهات ان تلقى هذه الحناجر آذانا صاغية  من قوى اختارت ان تكون علمانية وديمقراطية فقط لطائفتها،  تقف على يسار نظام من  حكامه من القتلة ومرتكبي مجازر جماعية  ، تحلم في اليوم الذي سيستحي فيه النظام على دمه ويخلي لهم  الساحات  متناسيين ان الحرية تؤخذ ولا تعطى  وان من يخرج من المسجد ليهتف للحرية والكرامة  هو من سينتزع الحرية والكرامة لكن ابناء الوطن ومن ضمنهم هذه الفئة من علمانيي الطائفة.

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. سيداتي سادتي……….. المحترمين
    تعالوا معي تذكروا اذا كنتم من كبار السن أكثر من ستون عاما والأصغر من ذلك يسألوا أبائهم وأمهاتهم والأكبر منهم سنا
    كيف كانت سورية فبل أستلام حزب البعث الحكم لا أحد يعرف ما هي الطائفية
    من منا لا يذكر فارس الخوري رئيس الوزراء السوري الذي كان محبوبا من المسلمين أكثر مما كنا نحبه نحن المسيحيون
    وبعدين ليس لدى الشعب السوري أن يكون رئيسه علويا أو درذيا أومسيحيا …. أو من أي طائفة أو دين شريطة أن يكون وطنيا ويكسب أصوات الناخبين بأنتخابات حرة شفافة
    لا لالا وألف للطائفية والذهبية والعرقية تعالوا نلغي هذه الكلمات من مفرداتنا ونصوت عليها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى