صفحات الرأي

العلمانية مفتاح الديموقراطية في مجتمع مسلم/ مراد يتكين

 

 

 

انهالت ردود الفعل في 26 نيسان الجاري على خلفية تصريح لرئيس البرلمان التركي، اسماعيل كهرمان، في 25 نيسان قال فيه إنه لا يجب إدراج العلمانية في الدستور الجديد الذي لا يزال “حزب العدالة والتنمية” الحاكم يعمل على صوغه.

مما قاله كهرمان في كلمة ألقاها في مؤتمر بعنوان “تركيا جديدة ودستور جديد” في اسطنبول: “كوننا بلداً مسلماً، لماذا نقبل بوضعٍ نتراجع فيه عن الدين؟ نحن بلد مسلم. إذاً يجب أن يكون لدينا دستور ديني”. انضم كهرمان، المخضرم في السياسة الإسلامية في تركيا، إلى لائحة “حزب العدالة والتنمية” في انتخابات 2015، وطرح الرئيس رجب طيب أردوغان اسمه على الحزب لتولّي رئاسة البرلمان.

رد الفعل الأول على كلام كهرمان صدر عن كمال كليتشيدار أوغلو، زعيم “حزب الشعب الجمهوري” الديموقراطي الاجتماعي الذي يُعتبَر الحزب المعارض الأساسي في البلاد، وذلك من خلال تغريدة له عبر صفحته على موقع “تويتر” جاء فيها: “يُقتَل الجنود يومياً. تنهال القذائف [على مدينة كيليس] عبر الحدود [السورية]. لكن همّكم الوحيد هو العلمانية. كفى استغلالاً للدين من أجل حساباتكم القذرة”.

وأضاف: “العلمانية مبدأ من مبادئ السلم الاجتماعي. الفوضى في الشرق الأوسط هي وليدة أساليب التفكير، مثل أسلوبك أنت، التي تجعل الدين أداةً من أدوات السياسة. العلمانية موجودة ليتمكّن الجميع من ممارسة دينهم بحرية”. ودعا كهرمان إلى الاستقالة من منصبه.

يشدّد “حزب الشعب الجمهوري”، في المحادثات الآيلة إلى وضع دستور جديد، على وجوب عدم المساس بالمواد التأسيسية الأربع الأولى في الدستور التي تنص على أن تركيا دولة علمانية ديموقراطية مبنية على سيادة القانون. وكذلك ندّد دولت بهجلي، زعيم “الحركة القومية”، بكلام كهرمان معتبراً أنه “خطأ” وطالبه بسحبه.

وأشارت فيكن يوكسكداخ، الرئيسة المشتركة لـ”حزب الشعوب الديموقراطي” الذي يركّز على المشكلة الكردية، إلى أن التصريح يكشف عن “الوجه الحقيقي” لـ”حزب العدالة والتنمية”. لكن صدرت أيضاً ردود فعل من داخل “حزب العدالة والتنمية” تعبيراً عن رفض تصريحات كهرمان حول إلغاء العلمانية من الدستور.

لم يتطرق رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو إلى المسألة في الكلمة التي ألقاها أمام كتلة “حزب العدالة والتنمية” في البرلمان. لكن مصطفى طوبطاش، رئيس لجنة الدستور في البرلمان وعضو لجنة صوغ الدستور في “حزب العدالة والتنمية”، قال إن الرأي الذي عبّر عنه كهرمان ليس ملزماً للحزب، وإنهم لا يفكّرون في حذف العلمانية من الدستور، مضيفاً: “ليست لدينا مشكلة مع العلمانية. المشكلات هي فقط في تطبيقها”. وكذلك أشار ناجي بوستانسي، المتحدث باسم “حزب العدالة والتنمية”، إلى أن هذا البند ليس مدرجاً على جدول أعمال الحكومة. حتى الآن، لم يبدِ أي نائب في البرلمان دعمه للكلام الذي أدلى به كهرمان. لكن التصريح كان كافياً لإثارة سجال داخل الأوساط الإسلامية والعلمانية على السواء.

يُشار إلى أن مصطفى كمال أتاتورك هو من أشرف على إلغاء الخلافة عام 1924، بعد تغيير النظام من ملَكية إلى جمهورية عام 1923 إبان حرب الاستقلال بعد الحرب العالمية الأولى. اعتبر أتاتورك أنه يستحيل إقامة دولة حديثة من دون فصل الشؤون الحكومية عن الدين، لا سيما في مجتمع مسلم.

طوبطاش محق في ناحية من النواحي. لقد جرى تطبيق المبدأ العلماني بطريقة متشدّدة في تركيا – فرضتها في شكل خاص المؤسسة القائمة بوحيٍ من العسكر– ما تسبّب بالنفور والعداء في أوساط الأشخاص المتديّنين. من جهة أخرى، يعود للعلمانية الفضل في نجاح تركيا في إنشاء مجتمع حديث في ما يختص بالمساواة على أساس الجندر، والديموقراطية المتعددة الحزب، والاقتصاد القوي، على الرغم من كل المشكلات. هذه الديموقراطية العلمانية هي التي أتاحت لـ”حزب العدالة والتنمية”، مع جذوره الإسلامية/المحافظة، الوصول إلى سدّة السلطة من طريق الانتخابات.

في المجتمعات المسلمة الأخرى، غير المجتمع التركي، خضعت الدول لحكم ديكتاتوري علماني – كما كانت الحال في العراق ومصر وتونس وليبيا (وكما هي الحال في سوريا الفاشلة) – أو لحكم ثيوقراطي – كما في المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران. بعد الربيع العربي، تحاول تونس أن تشق طريقها من أجل الصمود والاستمرار كدولة ديموقراطية في مجتمع مسلم عبر محاولة فصل الدين عن الدولة.

قبل سنوات قليلة، كان النموذج التركي يُقدَّم على أنه تجسيدٌ لقصة نجاح، إلى أن هبّت رياح الربيع العربي وأفسدت هذه الرواية. وليست رغبة الرئيس أردوغان في التحول نحو النظام الرئاسي، ما قد يتيح تركيز السلطة التنفيذية في يد واحدة، فضلاً عن تصريحات كهرمان الأخيرة، سوى خير دليل على ذلك.

العلمانية هي مفتاح الديموقراطية وسيادة القانون في مجتمع مسلم، وهي أيضاً العلاج الأنجع للتشدّد.

ترجمة نسرين ناضر

النهار

المصدر: صحيفة “حرييت” التركية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى