صفحات الثقافة

الإيماء إلى منفى واضح/ دو دو

 

 

ليلة

في ليلةٍ ملأى بالرموز،

القمر مثلُ وجهِ مريضٍ، شاحبٌ،

مثل وقتٍ خاطىءٍ متقلّبٍ،

والموت يقف مثل طبيب بجانب السرير.

بعض مشاعر قاسية،

بعض تبدّلات مرعبة في القلب،

ضوء القمر يسعل برفقٍ،

على الأرض الخالية أمام البيت،

آه يا ضوء القمر،

تومئ إلى منفىً واضحٍ.

 

وداع

الحقول الخضراء،

تشبه أفكارنا،

رخوةٌ، ليّنةٌ.

إعادة التشييد مهنة الغسق التي لا تنتهي،

ومستقبلنا يأتي إلينا مثل كتيبة.

وأنت،

مدفوعاً إلى طريق غريبة،

تمشي في ممر صغير،

تمشي إلى بلوغك،

ألفُ ضوءٍ،

هدوءٌ يتيمٌ،

وراعٍ يقف بسوطٍ أحمرَ،

يحرس الليل،

يحرس الظلمة.

 

مارينا الحزينة

“مارينا، أحبّك”

كما البارحة، تقدّم لي شفتيها الرطبتين،

بالوقار هذا، بالسهولة هذه.

كما البارحة، عيناها الفضّيتان الزرقاوان

تحدّقان في البعيد.

لا إشارة للحظ، لا إشارة للشهرة.

“لا تتركيني، مارينا”

كما البارحة، ما زالت بين ذراعيّ،

لا تجيب، لا ترفض.

“مارينا، لا تتركيني”

كما البارحة، عيناها الفضيتان الزرقاوان

تحدقان في البعيد.

لا إشارة للحظ، لا إشارة للشهرة.

 

غبار

ملاحقاً أشعةَ الشمسِ الخضراءَ،

مرةً أخرى،

تضطرم الرموز،

في قلبي الرقيق.

تتحرّك الخيالات في أدغال الفكر،

تمتطي ظهور وحوشٍ بريّةٍ لا تحصى،

وتستحم في ضباب الغروب.

غبارُ الشفق الذهبيّ،

كل الصور العالقة في شبكيّتي،

عميقةٌ وغنيّة،

كما لو أن غرباءَ كثيرين،

كانوا يعبرون ببطءٍ نحوي،

من أصواتهم،

كما لو أن تلك الأشواك المريضة،

الحمراء والسوداء،

في الوديان،

كانت تنتشر خلسةً، وتحيطُ بي.

 

سعادة

في نسيانك أحيا،

في أزهارك أتفتّح،

لا أفتّش، أحطّم، أحلامك،

وأبقى هناك.

أقول وداعاً الآن،

ليس تماماً،

الزهر يتفتح في أصابع عازف الكمان،

ومن هناك،

سوف تشتاقين لي.

 

الفتى الذي يصطاد الدبابير

ساعةَ لا ريح، هناك عصافير.

“هناك عصافير، ولكن ليس هناك صباح”

الفتى الذي يصطاد الدبابير

يدخل من جانب اللوحة الأيسر.

نداء الأشجار، اعترضته العصافير.

“ماما الصغيرة، حقول قمحك تغازلني”.

ثلاث شموس تطارد عصفوراً.

“ماما الصغيرة، العجل في بطنك تحرّك”

الفرس الأكثر سواداً في العالم يعدو بسرعة.

“ماما الصغيرة، النعش يأتي من الجنوب”

الأشجار تزن رأس الطفل،

صرخاته تُركت في الإجاص،

والناس تُركوا خارج اللوحة،

الطفل يستخدم خمسة أرجل ليقف،

الآن أرجله رملٌ،

شتلات لا تقوى أن تزهر،

والخوخ الناضج يبكي “أنتم، نحن”.

 

■ ■ ■

 

بطاقة

لي شيزنغ، Li Shizheng، 栗世征، أحد أهم الشعراء الصينيين المعاصرين وهو من مواليد 1951. معروف بـ “دو دو” Duo Duo وهو اسم ابنته التي رحلت في سن مبكّرة والذي اختاره اسماً أدبياً له بعد موتها.

غادر الصين قبل مذبحة “تيانانمن” وعاش في أوروبا وكندا لخمسة عشر عاماً قبل أن يعود إلى الصين عام 2004، وهو الآن أستاذ للأدب في جامعة “هاينن”.

بالرغم من أن قصائد دو دو الأولى تنتقد العسكر والعنف، إلا أنه ليس شاعراً سياسياً بالمعنى المباشر للكلمة، بل يعبّر عن مشاهداته باستخدام الكثير من الرموز والمجازات.

يرتكز شعره على فكرة تقول بأن “الوعي ما هو إلا حاضر مكوّن من أجزاء مبعثرة، وأن الواقع ليس سوى ذكريات من الماضي وأفكار من ذكرياتنا الخاصة ومعلومات تاريخية”.

تبدو الوحدة والموت سمتين مميّزتين لكتابته، حيث تتجلى بوضوح في قصائده التجربة الفردية الخالصة في الحياة، مع مسحة ظاهرة من السريالية ما يجعل شعره يبدو غريباً وغير مألوف.

“دودو” هو أول شاعر صيني يحصل على جائزة “neustadt” العالمية الأدبية المرموقة عام 2010 ومنح أواخر العام الماضي جائزة الشعر التي يقدّمها “مهرجان المكسيك للشعر”. صدرت له العديد من الأعمال من بينها: “النظر خارجاً من الموت” (1989) و”الفتى الذي يصطاد الدبابير” (2002) و”ثلج نقي” (2010).

 

* ترجمة وتقديم: عمرو كيلاني

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى