صفحات العالم

الفلسطينيون في سوريا.. كيف يقرؤون المشهد؟

 


علي بدوان

جاء نفي حركة حماس للمعلومات المغلوطة التي سربتها بعض وسائل الإعلام بشأن إمكانية نقل مقراتها القيادية إلى خارج سوريا، والخروج من الساحة السورية ليقطع الشك باليقين بعد أن تواترت تلك المعلومات صعوداً وهبوطاً عبر وسائل الإعلام خصوصاً الإلكترونية منها.

وقد جاء النفي الرسمي من حركة حماس ومن دمشق تحديداً، وعلى لسان عضو مكتبها السياسي عزت الرشق، لينهي موجات التهويل الإعلامي والحديث المتواتر عن وجود ونشوء (صدع واسع وشقوق غير قابلة للترميم) في العلاقات السورية مع حركة حماس في سياق التفاعلات الحالية الجارية في سوريا، والتي نأمل أن تنهي فصولها سريعاً بسلامة سوريا وشعبها وأرضها.

فما هي حقيقة تلك التسريبات، خصوصاً وأن العديد من المصادر في عالمنا العربي (ولغايات استخدامية) دأبت طوال العقدين الماضيين على الترويج الدائم لادعاءات مختلفة من هذا النمط في فترات مختلفة، على ترديد معزوفة إمكانية إقدام السلطات السورية على إخراج القيادات الفلسطينية من دمشق ومنعها من العمل حتى الإعلامي في الساحة السورية.

أعمدة الموقف الفلسطيني

أولاً: في البداية، لا بد من القول بأن الأحداث الجارية في الداخل السوري وإن كانت شأناً سورياً داخلياً لا علاقة للفلسطينيين بها من قريب أو بعيد، إلا أن سوريا بذاتها تهم الفلسطينيين أكثر من غيرهم من ناحية الدور والموقع الجيوسياسي في معادلة الصراع الجاري في المنطقة مع المشروع الصهيوني، ومن ناحية الوجود الفلسطيني في سوريا, حيث يقيم أكثر من (625) ألف فلسطيني غالبيتهم من اللاجئين الذين دخلوا لأراضي الجمهورية العربية السورية عام النكبة.

فبوصلة الاهتمام الفلسطيني بالشأن السوري لا تعني إقحام وزج الفلسطينيين (كما يريد البعض من الجهلة ومن أصحاب الأفق الضيق) بتفاصيل التفاعلات السورية الداخلية وقضايا الإصلاح الداخلي والحريات وقوانين تنظيم الأحزاب والإعلام وغير ذلك على سبيل المثال. بل تشير إلى التقاطع الواسع والمشترك الذي شكّل وما زال يشكّل إلى الآن مساحة واسعة (إن لم نقل متطابقة) من التقاطع في المصالح الوطنية والقومية المشتركة، المستندة إلى حقائق التاريخ والجغرافيا والسياسة والمنطق.

ففلسطين كانت عبر التاريخ جزءاً ومكوناً أساسياً من مكونات بلاد الشام، وقد شطرها اتفاق (سايكس/بيكو) عن سوريا الطبيعية، كما شطر سوريا الطبيعية لأقسام ومكونات وكيانات.

ثانياً: من موقعي اليومي والمتابع داخل الساحة الفلسطينية في سوريا، لم أجد، ولم ألمس، أي متغير على أرض الواقع بالنسبة لوجود القوى والفصائل الفلسطينية فوق الأرض السورية خلال الفترة الأخيرة، فجميع القوى الفلسطينية وخاصة حركة حماس متواجدة، وتعمل بالوتيرة إياها التي ميزتها على الدوام، دون أي إجراءات استثنائية سلبية كانت أم إيجابية.

ثالثاً: إن الفلسطينيين في سوريا وخارج سوريا بشكل عام، منحازون للخط الوطني والقومي لسوريا العربية في صراعها مع المشروع الصهيوني، وفي احتضانها لفصائل العمل الفلسطيني من حركة حماس إلى حركة فتح وما بينهما من ألوان سياسية وأيديولوجية فلسطينية.

كما هم منحازون لمطالب عامة الناس في سوريا بجوانبها المختلفة، ومع تفهمها وتأييدها، وهي المطالب التي أيدها النظام الرسمي في سوريا وتبناها بشكل كبير، ويفترض بأنها باتت تشكل الآن هاجساً أمام دمشق لإنجازها.

رابعاً: إن سوريا قولاً واحداً، مستهدفة خارجياً، منذ زمن بعيد جراء موقفها السياسي المعروف، وثباتها في معادلة الصراع مع المشروع الصهيوني، وفي مواجهتها للتسوية المذلة التي يراد فرضها على الجميع وعلى سوريا والفلسطينيين بوجه الخصوص.

وقد بينت الوقائع أن عملية التفاوض السورية مع الطرف “الإسرائيلي” تسير في مسار تفاوضي معقد مع الدولة العبرية الصهيونية، فيما تنتهج سوريا موقفاً تفاوضياً مبنياً على منهج يستند إلى “متانة ومرونة” مردها سعة الأفق السياسي التفاوضي للقيادة السورية من جانب، وارتكازها لقوة ومفاعيل حضورها وتحالفاتها، بما في ذلك تحالفاتها الفلسطينية واللبنانية.

الطريقة الميكانيكية في التفسير

خامساً: لقد اعتقد البعض من السذج -الذين يفسرون الأمور بطريقة ميكانيكية، والبعيدين عن دواخل المعادلة الفلسطينية وعن منطق تفكير القيادة السورية- أن حركة حماس قد وقعت في حفرة عميقة جراء انطلاق الأحداث الجارية في سوريا، مستندين إلى ما تشير إليه أصابع النظام الرسمي من تورط جماعات إسلامية ومنها حركة الإخوان المسلمين السورية في الأحداث الجارية واستتباعاً حركة حماس، وهو ما يفضي حسب اعتقادهم (أي البعض) إلى ولادة واقع جديد أمام حركة حماس في علاقاتها مع سوريا، وهو ما دفعهم أيضاً للتنظير والقول بأن (شهر العسل) الدمشقي مع حركة حماس قد ولى وانتهى. لكن أصحاب الرأي أعلاه، تجاهلوا أمرين أثنين:

أولهما: أن حركة حماس هي حركة فلسطينية ذات امتداد إخواني وليست بالتالي حركة أو تنظيما سوريا، أو مسؤولة عن سياسات الإخوان المسلمين السوريين وتوجهاتهم المختلفة، وهو أمر تتفهمه الجهات المعنية بدمشق وفق ما تشي به الوقائع حتى الآن.

وثانيهما: إن سوريا وفي اللحظات العصيبة التي تعيشها الآن، بحاجة سياسية ومعنوية إلى حلفائها الذين قاسموها الموقف السياسي بالسراء والضراء، وفي مقدمتهم فصائل العمل الوطني الفلسطيني من أقصاها إلى أقصاها، بما في ذلك حركة حماس، التي باتت تشكل جزءاً أساسياً من مكونات المعادلة السياسية للحالة الفلسطينية جنباً إلى جنب مع حركة فتح وباقي القوى الفلسطينية ذات الشأن والحضور كحركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

فالمصلحة الوطنية السورية، كما مصلحة النظام في سوريا تفترض وجود علاقات إيجابية مع جميع ألوان الطيف الفلسطيني بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي على وجه الخصوص اللتان تمثلان من وجهة نظر سوريا (الإسلام المقاوم الحقيقي) في مواجهة العدو “الإسرائيلي”.

كما أن المناخ العام في سوريا على المستوى الشعبي يساند وبقوة وجود فصائل العمل الفلسطيني في الساحة السورية، ولحركة حماس جمهورها المؤيد لها بين السوريين، وعليه من المستبعد للنظام الرسمي في سوريا استفزاز الشعب السوري بإبعاد القوى ألفلسطينية أو أي منها، وتحديداً في هذه الفترة بالذات.

سادساً: لقد أثبتت وقائع شهر مضى من الأحداث الجارية في سوريا، أن جميع فصائل العمل الفلسطيني، اشتقت موقفاً متوازناً، ومنطقياً، وعقلانياً، ومقبولاً، بشأن الأحداث الجارية في سوريا، موقفاً استند لخبرات واسعة ومكتنزة من التجربة الفلسطينية ذاتها، وهي تجارب مريرة دفع الفلسطينيون أثمانها الباهظة في أكثر من موقع ومكان كان آخر فصولها ما دفعه بضعة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين في العراق الذين نكّل بهم شر تنكيل على يد المليشيات الطائفية والزمر والمجموعات الحاقدة والموتورة التي نشأت مع وجود الاحتلال وقوات الغزو الإنغلوسكسوني.

سابعاً: كما استند الموقف الفلسطيني المتخذ بشأن الحدث السوري، إلى تثمين الموقف القومي والسياسي لسوريا، والتقدير لموقفها التاريخي باحتضانها لجزء كبير من شعبنا ومعاملته معاملة كريمة عبر مساواته بالمواطن السوري بكل الحقوق والواجبات، ومن هنا وقعت على بيان عام صدر في دمشق قبل أسبوعين كل القوى الفلسطينية العاملة في الوسط الفلسطيني في سوريا وعددها اثنا عشر فصيلاً: حركة فتح، حركة حماس، حركة الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية/القيادة العامة، منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة)، جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، جبهة التحرير الفلسطينية، الحزب الشيوعي الفلسطيني، حزب الشعب الفلسطيني، حركة فتح/الانتفاضة، الجبهة الديمقراطية. إضافة لرئاسة هيئة أركان جيش التحرير الفلسطيني.

مفاجأة المصالحة والمعنى العميق

وانطلاقاً من التحديدات الواردة أعلاه، وهي التحديدات التي شكلت الأعمدة التي تم استناداً إليها بناء الموقف الفلسطيني عموماً من الأحداث الجارية في سوريا، نستطيع أن ندحض وأن ننفي في الوقت نفسه كل التنبؤات الإعلامية أو المعلومات المتسربة التي تحدثت عن احتمال وقوع طلاق (حمساوي/سوري) في المدى القريب، وعن قيام حركة حماس بترتيب أمورها باتجاه نقل مقراتها القيادية من دمشق إلى الدوحة أو إلى مصر أو حتى السودان.

علماً أن وجود حركة حماس في الساحة السورية يقتصر على العمل الإعلامي والسياسي، وعلى وجود بعض المؤسسات التابعة لها، بينما تفتقد الوجود (التنظيمي والتأطيري) بين الناس من فلسطينيي سوريا، على العكس من باقي الفصائل الفلسطينية التي تتمتع بوجودها تاريخياً عبر بنى تنظيمية بالدرجة الأولى بين فلسطينيي سوريا.

وفي هذا السياق، ربط البعض بين التوقيع الأولي على اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس وبين التسريبات التي تحدثت عن إمكانية مغادرة حركة حماس لسوريا، وهو ربط غير دقيق، يمكن تفنيده بالقول بأن المصالحة التي وقعت بين حركتي فتح وحماس (بخطوطها العريضة)، جاءت كنتيجة منطقية للتحولات الإقليمية التي جرت في مصر قبل غيرها، حيث استدارت عقلية الراعي المصري بين موقف كان ينادي بجر الفلسطينيين إلى مربع واحد لا غيره تحت إدارة اللواء عمر سليمان، وبين موقف حالي أراد دفع الفلسطينيين باتجاه المساحات المشتركة.

فالتحول في الموقف المصري برز واضحاً في مضمون وآلية التعاطي مع عملية المصالحة الفلسطينية، وعدم الالتفات إلى الشروط الأميركية و”الإسرائيلية” التي أعيد طرحها من قبل الولايات المتحدة بعد توقيع اتفاق المصالحة بشأن شروط اللجنة الرباعية وعلى رأسها الاعتراف بحق “إسرائيل” في الوجود (لاحظوا الاعتراف بحق إسرائيل بالوجود وليس الاعتراف بإسرائيل) والاتفاقيات الموقعة سابقاً.

فالتغير الحاصل في البيئة الإقليمية وعلى الجبهة المصرية أساساً، دفع باتجاه المصالحة، لتصبح المصالحة في جزء منها (إراحة وتسكينا) للموقف السوري، وإزاحة لمجموعة من الأعباء التي كان يجري تحميلها لسوريا باعتبارها من القوى الإقليمية التي سعت لتعطيل المصالحة وكبح قطارها من الانطلاق، وبذلك نستطيع تفسير الموقف الرسمي السوري الترحيبي بما تم التوصل إليه في المصالحة الفلسطينية التي وقع بخطوطها العريضة، وهي مصالحة ما زالت تنتظر جهوداً كبيرة لترجمتها على أرض الواقع، خصوصاً بالنسبة للقضايا الشائكة والمتعلقة بمنظمة التحرير وإعادة هيكلة وتشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، وانتخاب مجلس وطني موحد لكل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.

لا ناقة ولا جمل

في كل الأحوال، إن الحديث عن افتراق (سوري/حمساوي) أمر مبالغ به، ويأتي في إطار اللعبة الإعلامية الاستخدامية الجارية لأهداف سياسية من قبل أطراف مختلفة، في ظل الحراكات الجارية في سوريا، حيث تريد بعض الأطراف زج الفلسطينيين في شأن ليس لهم به (لا ناقة ولا جمل). فالقوى الفلسطينية في سوريا معنية بأهدافها الفلسطينية، وليست معنية بالقضايا الداخلية للشعب السوري الشقيق.

كما أن موضوع وجود قيادات فلسطينية من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أو غيرها من التنظيمات الفلسطينية من عدمه في دمشق، ليس ولن يكون لباب أو جوهر الموضوع، فسوريا من الدول المضيفة لأكثر من (625) ألف لاجئ فلسطيني، غالبيتهم الساحقة تحمل الوثيقة الفلسطينية السورية، ويعاملون معاملة المواطن السوري مع احتفاظهم بجنسيتهم الفلسطينية، وهم والحال هذه يشكلون تربة خصبة لعمل كافة التنظيمات والفصائل والأحزاب الفلسطينية.

ولا نبالغ القول بأن منظمة التحرير الفلسطينية بنيت على أعمدة كفاح الشتات الفلسطينية خلال العقود الثلاثة الأولى من عمرها، حيث لعب التجمع الفلسطيني اللاجئ إلى سوريا عام النكبة، دوراً بارزاً ومميزاً في هذا المضمار بين فلسطينيي الشتات.

الجزيرة نت

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى