صفحات الثقافةصفحات سوريةمحمد منصور

الفنانون السوريون الذين زاروا غزة غير مهتمين بفك حصار درعا!

 


محمد منصور

محمد منصوربثت قناة (الجزيرة) فيديو مؤثراً، لمواطن من أهالي درعا، يتحدى تهديد أحد القناصة له بالكف عن تصوير رجال الأمن الذين دخلوا المدينة المحاصرة بصحبة حافلات ضخمة، لكن الرجل الذي لا يملك من سلاح إرهابي سوى كاميرا الموبايل صرخ في غضب هستيري: (بدي صور… خلي العالم كله يشوف اللي عم يصير بمحافظة درعا… قوصني… قوصني).حين بثت (الجزيرة) هذه الصور قالت إنها التقطت قبل ثلاثة أيام من بثها، وكتبت ذلك على الشاشة… لكن عضو مجلس الشعب السوري، خالد العبود ظهر في اتصال هاتفي، ليدعي أنه ليس لديه شاشة لمشاهدة قناة ‘الجزيرة’ التي سبق أن وصفها بالعمالة، لكنه سمع أصوات أناس في شوارع درعا قبل قليل، فيما قناتكم كانت تقول ان هناك حصاراً وقناصة يطلقون النار على كل من يتحرك في الشارع… مما يشكل تناقضاً مع تقارير القناة السابقة برأيه!

مذيع ‘الجزيرة’ نسي أن يلفت انتباه العبود إلى أن الصور صورت قبل ثلاثة أيام وأنهم اشاروا إلى ذلك، وانبرى يناقش ضيفه المشكك راجياً الإجابة على أسئلته لأنهم شبعوا من أسطوانة دروس المهنية التي تستغرق معظم وقت الاتصال، وتحاول استثمار الوقت في معارك جانبية… والحق أن الأخ عبود، ليس نشازاً في خطة الهجوم الجديدة التي يعمل عليها الإعلام السوري ومندوبو النظام، للحديث في المحطات الفضائية المعادية.. فالخطة تقضي بتكذيب الشهود، والنيل منهم، وإظهارهم في مظهر شخصيات مختلقة وتدعي مهناً لا تمارسها… هكذا فعل الدكتور فايز الصايغ في تعقيبه على شاهد عيان من درعا المحاصرة، قدم نفسه محامياً وناشطاً حقوقياً… ترك الدكتور فايز أسئلة المذيع بداية، وما أورده المحامي من معلومات يتحمل هو صحتها، وانبرى يقول إن في مداخلة الأخ المحامي ليس هناك ولا كلمة صحيحة باللغة العربية الفصحى فيها… فكيف بهذا المحامي أن يقدم مرافعة في قضية ما. حسناً لقد كان كلام الدكتور فايز صحيحاً نسبياً بغض النظر عن مبالغة (ولا كلمة صحيحة) لكنه نسي أن هناك رؤساء دول عربية يقعون في ما لو تحدثوا بالعربية الفصحى بلا خطابات مكتوبة بأخطاء لغوية مخجلة تفوق ما وقع به محام في مدينته المحاصرة، يرى أهله يقتلون ويذبحون ويمنع عنهم الماء والغذاء والدواء، ويطلق النار على ستة عشر مواطنا سوريا حاولوا اختراق الحصار يوم الجمعة الماضي وهم يحملون الخبز وأغصان الزيتون… فهل مشكلة هذا الشاهد هي مشكلة لغوية مع الحصار؟ وهل تشترط أي قناة إخبارية تمنع من دخول أمكنة الحدث ويحرم مراسلوها من نقل الصورة الحقيقية أن تجري امتحاناً في اللغة لأي متحدث مهما كانت المهنة التي قدم نفسه بها؟ إعلامي آخر يدعى (شريف شحادة) ظهر على ‘الجزيرة’ أيضاً ليصب هجوماً على شاهد من مدينة درعا تحدث عما رآه وما سمعه… فاعتبر أن ما قاله يستحق أن يحصد عليه جائزة الخيال البوليسي، فهو تارة يقول: رأيت وأخرى سمعت وثالثة: قيل لي؟ أين الجريمة والتناقض في ذلك. ما رآه بعينه يقول رأيته؟ وما سمعه يقول سمعته، وما نقله له آخرون يرويه باعتباره رواية منقولة… فهل هذا ‘خيال بوليسي’ ألا تعتمد شهادة الشهود على السمع والبصر وجمع الروايات؟ هل قال مثلاً: شممت… أم تخيلت… أم حلمت… حتى يتهمه الأخ شريف شحادة بأنه يتخيل وأنه يستحق جائزة في التخيل!لا يدافع مذيعو الجزيرة عن الشهود الذين يظهرون على شاشتهم، لأنهم لا يعتبرون أنفسهم طرفاً في ما يحدث… وهذا شيء طبيعي ومفهوم، لكن ما هو ليس مفهوماً ألا تناقش أفكار التفافية يحاول إعلاميون يجيدون لعبة الكلام، أن ينالوا فيها من شهود عيان ليسوا محترفين ولا يجيدون اللعبة ذاتها، وهم ـ أعود للتذكير- أنهم بديل اضطراري لمحطات منع مراسلوها من دخول منطقة الحدث… طبعاً في هذه المسألة يحضرني تبرير صفيق ووقح لنقيب الصحافيين السوريين الياس مراد، الذي قال إن السلطات السورية منعت دخول وسائل الإعلام لأنها تخشى من دخول عملاء لـ’سي آي إيه’ بصفة صحافيين. ولعل هذا النقيب الذي يمثل أكبر عار على الصحافة السورية المقيدة والمقموعة، يعرف أن هناك مراسلين لتلك المحطات هم من مواطني سورية، ويعيشون داخل سورية، ولا يستطيعون أن يمارسوا عملهم إلا إذا حصلوا على بطاقة اعتماد من وزارة الإعلام السورية نفسها، وهم يحملون بطاقات اعتماد جنباً إلى جنب بطاقات الهوية السورية، فهل يمنعون لأن السلطات السورية تخشى أن يكونوا عملاء السي آي إيه؟أعود إلى الفكرة الأساس التي طرحتها بداية… وهي أن الإعلام السوري والناطقين باسم النظام في المحطات الفضائية الخارجية، يبذلون جهودا مضاعفة هذه الأيام لا لنقل وجهة النظر الرسمية، بل لتكذيب شهود العيان وما تبثه المحطات الفضائية التي تصلها الصور وأصوات واستغاثات الشهود… ترك التلفزيون السوري والإخبارية السورية وقناة الدنيا التابعة، مهمة نقل الأحداث، والوجود على أرض الواقع باعتباره (إعلاماً وطنياً) يجب أن يكون هناك… وباتوا يصبون كل جهودهم على شن حملات التخوين والعمالة على الجزيرة والعربية والبي بي سي وفرانس 24 و… و…. صار على السوريين أن يتابعوا الخبر المسرّب على المحطات الأخرى، وان يعودوا إلى إعلامهم ليسمعوا حديثاً مملا ومكرورا عن مؤامرات خارجية، وغرف سرية سوداء وفيديوهات مفبركة. أما الخبر نفسه فقد صار في خبر كان على شاشات القنوات السورية. حسناً لنفترض أنني لا أصدق تلك القنوات المغرضة.. أين البديل؟ أين الخبر المصور من مواقع الحدث؟ وهل يعقل أن نرى احتجاجات بهذا المستوى في الشارع، ولا نرى حين يبث التلفزيون السوري بعض اللقطات الخجولة من هنا وهناك إلا أشخاصا يكررون أن الحياة تسير بصورة طبيعية، وأن لا شيء يحدث… وأن لا أحد يستشهد سوى رجال الأمن والجيش، بينما لم يتجرأ التلفزيون السوري على تصوير جنازة واحدة لمواطن سوري محتج حتى الآن، رغم أن الرئيس بشار الأسد قال في اجتماعه التوجيهي مع الحكومة ان هؤلاء نعتبرهم شهداء. فهل يخجل الإعلام السوري من بث جنازات الشهداء الذين اعترف بهم رئيس الجمهورية؟

لا لحصار غزة… نعم لحصار درعا!

الفنانون السوريون الذي تجشموا عناء السفر إلى غزة عبر بوابة رفح، في ظل نظام مبارك الذي أذاقهم الأمرين كي يسمح لهم بالعبور، يجلسون الآن ليتفرجوا على حصار أبناء بلدهم من أطفال ونساء ورجال درعا. يكتفون بإصدار بيان خجول يطلبون فيه إيصال بعض المواد الغذائية عن طريق وزارة الصحة أو الهلال الأحمر… لكنهم لا يجدون ضرورة حتى تاريخ كتابة هذه الكلمات، للتحرك لفك الحصار وحمل المواد الغذائية بسياراتهم الفارهة، ليس من باب الانتماء الوطني وحسب، بل من باب العرفان لجموع وجماهير جعلت منهم نجوماً وغمرتهم وفنهم بالحب والتصفيق والإعجاب.تحمس الفنانون لحصار غزة، لأن هناك مباركة أمنية، ولأن التلفزيون السوري احتفى بهم حينها وأظهرهم في ندواته الشعاراتية في مظهر الأبطال والشجعان… أما هنا فهم ينتظرون اعترافاً أمنياً، ان أهل درعا هم بشر يستحقون التعاطف، وهم أهل يستحقون أن نضحي ببعض امتيازاتنا من أجل نجدتهم، وتحدي سلطة جائرة تريد أن تجعل منهم عبرة لمن يعتبر أو لا يعتبر، بدل أن يكونوا قدوة لشعب يكسر حاجز الخوف، ويرفض أن يورث لأبنائه عيش الذل والمهانة وكم الأفواه!نعم إنه الدور الوطني في أجلى صوره… فالوطن بالنسبة لأي فنان هو النظام الحاكم ومن يواليه فقط… والحس الوطني لا يتفجر ـ والحال هذه – إلا بكبسة زر، وومضة كاميرا تصور وطنية هؤلاء بأبهى حلة على شاشات التلفزيون الرسمي.الزمن العربي الجديد الذي يولد اليوم من رحم كسر حاجز الخوف وطهر دم الشهداء سيلقن هؤلاء الفنانين دروساً أخرى في الوطنية، ومهما ظنوا أن النظام هو حمايتهم وسندهم ومصدر دعمهم وحاشد كومبارس المعجبين بهم؛ فإن الزمن الآتي سيثبت لهم أن هذا الظن ليس إثماً فقط، بل سقوطا حقيقيا يكشف الأقنعة، ويعطي لكل امرئ حجمه الحقيقي في زمن الحقيقة.. هذه الحقيقة التي تحولت إلى (مزحة) لدى الفنان غسان مسعود حين وجه نداء إلى المعارضة للكف عن تسويق ‘مزحة’ أن رجال الأمن هم الذين يقتلون الناس في الشوارع.بالله عليك يا غسان مسعود ألا تستحي من دم الشهداء.. ألا تستحي من أطنان الفيديوهات التي صورت رجال الأمن وهم يقتلون، ألم تر فيديو البيضا الذي رُكل السوريون فيه بالأحذية على وجوههم، وقال الإعلام السوري إنه صور في العراق وإن هؤلاء هم عناصر بيشمركة ثم تبين بالأدلة القاطعة أن هذه الساحة هي ساحة قرية البيضا في بانياس، وأن من كان يركل إخوانك السوريين هو رئيس قسم الأمن السياسي في بانياس أمجد عباس الذي أقيل أو نقل إلى مكان آخر؟ وهل اعتقال أكثر من ألف مواطن مزحة؟ وهل السجون والمعتقلات التي لا أظنك تجهلها مزحة؟ وهل نداءات الاستغاثة من أهالي درعا المحاصرين مزحة؟! وهل من اعتقل أطفال درعا وقلع أظافرهم في بداية الاحتجاجات مزحة؟!

أي مجد يحصده الفنانون السوريون من هذه المواقف؟! من يستطيع أن ينسى ما يفعلونه وما يقولونه الآن؟ من يستطيع أن يدخلهم إلى عتبة قلوبنا المفجوعة بعارهم بعد الآن؟!

ناقد من سورية

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى