صفحات سوريةوهيب أيوب

الفيتو الإسرائيلي على الثورة السورية


وهيب أيوب

لم نكن لننتظر تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك الأخيرة، حول الطلب من أميركا لتخفيف الضغط على النظام السوري، كي نفهم تعثّر التدخّل الدولي تجاه جرائم الأسد وحماية الشعب السوري حتى اللحظة؛ باستثناء إطلاق التصريحات والوعود الخاوية التي لم تحمِ طفلاً سورياً واحداً من الموت.

لقد كان الموقف الإسرائيلي منذ اندلاع الأحداث في سوريا ضد نظام الأسد واضحاً في تقديم المساعدة له في التصدّي لمساعي التغيير وإسقاطه. وكان دخول دبابات جيش الأسد إلى درعا في الشهر الأول من المظاهرات مؤشّراً واضحاً على الدعم الإسرائيلي، حيث أنها دخلت إلى منطقة محظورة بحسب اتفاق وقف إطلاق النار عام 74 بين إسرائيل والنظام السوري، وكان دخولها لتلك المنطقة يحتاج إلى إذن إسرائيلي، فوفّرته له دون تردّد.

كذلك فإن تصريحات رامي مخلوف لجريدة “النيويورك تايمز”، أن أمن إسرائيل من أمن سوريا، لم تكن مجرد زلّة لسان. وللتغطية على تلك العلاقة التي نسجها بالأساس الديكتاتور الأكبر حافظ الأسد مع الإسرائيليين، يقوم نظام الابن اليوم بمحاولة إشاعة أن هناك دوراً لإسرائيل في تسليح المعارضة وتمويلها، ويُظهر على تلفزيونه الرسمي أن الأمن السوري ضبط كمية من النقود الإسرائيلية مع المسلحين، ولكن ما لا يعرفه الكثيرون ونعلمه نحن هنا في الجولان المحتل، أن تلك العملة الورقية الإسرائيلية التي أظهرها التلفزيون السوري على شاشاته، ما هي إلا عملة إسرائيلية عفا عليها الزمن منذ عقود وتم تبديلها عدة مرات منذ ذاك الزمن، وهي غير متداولة الآن! لكن غباء هذا النظام وأجهزته وإعلامه ليس لهما حدود، فمرّة يأتي بفيديوهات لأحداث جرت في لبنان ويعرضها وليد المعلم على أنها في سوريا، وأخرى يأتي بعملة ورقية منتهية الصلاحية ليؤكّد غباءه وفشله، وإصراره على الجريمة.

ولو كان صحيحا أن أميركا وإسرائيل والغرب يتربصون بالنظام السوري، كما يتشدّق ويحاول إقناع السوريين وحلفاءه، لما انتظروا عليه سنة كاملة، ولأسقطوه في الشهر الأول من الاحتجاجات؛ وهُم الذين مهّدوا وأيدوا بشار الأسد ليرث حكم أبيه، وأغدقوا عليه صفات القائد الشاب المتنوّر الساعي للتحديث!

نحن نُدرِك تماماً، أن ضغط اللوبي اليهودي في كلٍّ من أميركا وروسيا هو سبب الفيتو الروسي، الذي ترضى عنه أميركا ضمناً وتحاول إدانته علناً! وفي كلتا الحالتين، يصب هذا الموقف في صالح أميركا، ويتماشى من جهة أُخرى مع الرغبة الإسرائيلية في تعطيل أي قرار ضد النظام السوري. ولهذا أيضاً يقتصر الموقف الأميركي على الكلام، ولا شيء سواه.

إذاً، ماذا تريد إسرائيل الآن؟ وكيف ترى مصلحتها في سوريا، بعد أن أدركت تماماً أن نظام الأسد لن تُكتب له النجاة، وأن مسألة سقوطه باتت مسألة وقت لا أكثر؟

الإسرائيليون على يقينٍ كامل، أنّه لا يستطيع أي نظام سوف تأتي به الثورة أن يحقّق لها الهدوء والطمأنينة على حدودها الشمالية في الجولان المحتل، كما كان في عهدي الأسد الأب والإبن. من هنا، فإن مصلحة إسرائيل اليوم تتلخّص بنقاطٍ ثلاث:

أولاً، أن يستمر الصراع في سوريا دون أي تدخّل خارجي وأن يتحوّل لحربٍ أهلية على الطريقة اللبنانية أو العراقية، وبهذا تضمن صراعاً طويل الأمد يأتي على الأخضر واليابس، بحيث لا تقوم لسوريا قائمة لعقودٍ طويلة قادمة.

ثانياً، أن يتم تقسيم سوريا إلى دولتين، أو إلى عدة دويلات طائفية ضعيفة، تضمن به يهوديتها، إضافة لاستمرار تفوّقها العسكري والاقتصادي والتكنولوجي في المنطقة إلى أمدٍ غير محدود.

ثالثاً، أن تضمن بأن يكون النظام الآتي بعد الأسد نظاماً غير معادٍ لها ومستعدا لتوقيع اتفاقية سلام من غير شروط.

لنعلم تماماً، أن مسألة إطالة الأزمة والمزيد من قتل السوريين لا تعني أحداً من الأطراف الخارجية ما لم تُهدّد مصالحهم، وأن المسؤولية الكبرى والأساسية تقع على عاتق السوريين أنفسهم، وربما باتوا يدركون ذلك الآن تماماً.

الثورة السورية اليوم تمرّ في أخطر مراحلها، لهذا يجب على المعارضة السورية، مختلف تشكيلاتها، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، توحيد رؤيتها وأن تتحدّث إلى العالم بلغة واحدة وواضحة، وأن تجِد الآليات والأدوات لحسم الصراع والإطاحة بهذه العصابة الفاشية الدموية بأسرع وقت، سواء بتسليح الجيش الحرّ أو إقامة مناطق عازلة، قبل أن تتجاوزهم الأحداث في الداخل وتنحدر إلى الفوضى الكاملة، ففي حالة انفلات الأمور وخروجها عن سيطرة المعارضة والجيش الحرّ، ستكون الأهداف الإسرائيلية التي ذكرناها سابقاً في متناول اليد وقابلة للتحقيق، عندها فقط سيدرك الجميع مدى فاعلية الفيتو الإسرائيلي في تأخير وتأجيل سقوط نظام الأسد حتى الآن.

الجولان السوري المحتل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى