صفحات العالم

“الفيتو” الصيني سببه عدم الإجماع العربي؟

    سركيس نعوم

تتساءل اوساط سياسية عربية عن تغيير الصين الموقف الذي اعتادت ان تتخذه من النزاعات الشديدة في مجلس الأمن. ذلك ان غالبية مواقفها السابقة كانت الامتناع عن التصويت. وآخر دليل رسمي على ذلك امتناعها عن التصويت  على قرار يجيز التدخل العسكري غير البري لمنع الرئيس الليبي معمر القذافي من سحق بنغازي الثائرة عليه. وقد نفذ حلف شمال الاطلسي القرار المذكور، وربما يكون تجاوز حدود “القرار” بعض الشيء. لكن الهدف المطلوب تحقق، وهو حماية بنغازي وأهلها. وشجع ذلك الثوار في المناطق الليبية الأخرى على الاستمرار في تحركهم ضد العقيد ولاحقاً على القضاء عليه، علماً ان مهمة الحلف المذكور كما حدّدها مجلس الأمن لم تكن المساعدة للتخلص منه، وعلماً أيضا ان ثوار ليبيا لا يزالون عاجزين عن تحقيق هدفهم وهو بناء دولة جدية ذات مؤسسات قادرة على ضمان الأمن لمواطنيها والحقوق.

أما الدليل الفعلي على تغيير الصين عادتها والتصويت بـ”لا” مع “النقض” فكان عند درس مجلس الأمن قراراً متشدداً حيال سوريا الأسد يفتح الباب أمام تدخل عسكري ضدَّها اذا امتنعت عن تنفيذه. هذا الموقف الصيني – الروسي ايضا كان أحد أبرز اسباب مراوحة ثورة غالبية الشعب السوري رغم استبسالها ونجاحها بوسائل محدودة في الانتشار على اكثر من نصف الجغرافيا السورية. كما كان احد أسباب فشل النظام في القضاء على الثورة رغم تفوقه العسكري عليها.

ما هي أسباب التغيير في الموقف الصيني؟

تجيب مصادر ديبلوماسية جدّية متابعة للصين وسياساتها ومواقفها ومصالحها بالقول ان المواقف الصينية والروسية لم تكن دائماً متطابقة رغم المصالح المشتركة الكثيرة بينهما، بل التاريخ المشترك أيضاً. فهي كانت منشغلة ببناء نفسها ومؤسساتها واقتصادها وباطعام شعبها. وهذا أمر لم يتحقق الا في الستينات من القرن الماضي. وهي لا تزال منشغلة بتطوير مرافقها لمواكبة التطور الهائل في العالم وفي كل المجالات، ولتعميم النهضة والنمو اللذين تشهدهما مناطق صينية واسعة على البلاد كلها. ولذلك فإن مناهضتها للدول الكبرى الأخرى وخصوصاً الدولة الاعظم اليوم اي الولايات المتحدة، كانت قليلة في مجلس الأمن. إذ عبَّرت عن عدم موافقتها مرات كثيرة بالامتناع عن التصويت، ولم تمارس حق النقض الا مرات محدودة، اي في المرات التي شعرت ان مصالحها الحيوية والاستراتيجية مهددة، أو أن استضعافاً ما لها مورس، أو ان مساً بحقوقها وبسيادتها ونفوذها قد حصل.

اما في موضوع ليبيا فإن المصادر الديبلوماسية نفسها تشير الى امرين دفعاها الى “الموافقة غير المباشرة” في مجلس الأمن على القرار القاضي بتوجيه ضربة عسكرية جوية الى قواتها العسكرية. الأول، هو ان الدول العربية كلها اتخذت موقفاً مؤيداً له بل مطالباً به وعبر جامعة الدول العربية. وهو موقف لا تستطيع تجاهله، ولامصلحة لها في تجاهله. أما الأمر الثاني فهو إجماع اربع دول من أصل خمس تمتلك حق النقض في المجلس المذكور على القرار الدولي في شأن ليبيا وعدم شعورها (اي الصين) بأنه يهدد مصالحها ونفوذها ودورها.

ماذا عن موضوع سوريا؟

تعرف الصين، استناداً الى المصادر الديبلوماسية اياها، ان تبادلها التجاري مع المملكة العربية السعودية قد يكون الأكبر من اي تبادل آخر في العالم العربي. وتعترف بأن النظام في سوريا لم يكن منصفاً في حق شعبه من نواح عدة. لكنها في الوقت نفسها ترى ان اميركا تحاول فرض المواقف من الأزمة – الحرب في سوريا عليها وعلى روسيا ايضاً، وهذا أمر لا تقبله هي كما لم تقبله روسيا. وترى ايضاً ان الموقف المفروض والمرفوض حتى الآن يؤمن المصالح الاميركية وغيرها، لكنه يمسّ مصالح الآخرين، فضلاً عن ان مجريات الحرب في سوريا لا تدل على ان ما يجري سيساهم في استقرار المنطقة وسيحمي المصالح الدولية فيها، فضلاً عن ان الصين مقتنعة بعدم وجود إجماع عربي على موقف واحد مما يجري في سوريا، وسلبي طبعاً حيال النظام الحاكم فيها. وهي قد شرحت للعرب دوافع موقفها وخصوصاً للسعودية.

هل تسعى الصين المرشحة وإن بعد مدة طويلة من الزمن للتحول دولة عظمى الى مواجهة مع اميركا باردة او حارة بالواسطة في المستقبل؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى