صفحات العالم

القدرة على الكلام

 


خالد صاغية

في بدايات الثورة المصريّة، حاول النظام أن يلصق بالمتظاهرين تهمة تنفيذ «أجندة» إيرانيّة أو خدمة المشروع الإيراني أو العمالة لجهة خارجيّة. وكان المتظاهرون واعين لشرط تأكيد استقلاليّتهم من أجل ضمان نجاح ثورتهم. لذلك، امتلأت صفحات «الفايسبوك» ورسائل «تويتر» بدعوة الإيرانيين وحزب اللّه أيضاً إلى التزام الصمت بما يخصّ الثورة المصريّة. ولم تتمكّن تلك الاتهامات من أن ترقى إلى حدود جديّة. فوسائل الاتصال التي أتقن شباب ميدان التحرير استخدامها، إضافة إلى الوجوه الشبابيّة التي بدأت تتصدّر المشهد، كانت كفيلة بدحض الاتهامات التي كفّ النظام المصري عن الترويج لها خجلاً من مواطنيه الذين ملأوا الساحات.

يبدو المشهد في سوريا مختلفاً. فكلّ يوم، تزداد وتيرة تخوين المتظاهرين ومحاولات ربطهم بجهات ومشاريع خارجيّة. وقد عمد المدافعون عن النظام إلى التمييز بين صنفين من المحتجّين: صنف له مطالب مشروعة، وصنف آخر له مطالب مشبوهة. والشبهة تعني هنا الانتماء إلى فصيل متشدّد دينيّاً يملك مشاريع مرتبطة بجهات خارجيّة. وسرعان ما ينتقل هذا التصنيف إلى تقزيم الصنف الأوّل وتضخيم الصنف الثاني.

اللافت أنّ السهولة التي تطلق فيها تُهم كهذه لا تنبع من وضع سوريا الجيوسياسي، بقدر ما تعود إلى المناطق والطبقات التي يخرج منها المتظاهرون. فإضافة إلى كلّ ما يجري على الأرض، ثمّة على مستوى الخطاب رائحة عنصريّة وتعالٍ طبقيّ ضدّ المتظاهرين الخارجين من الأطراف والمهمّشين اجتماعياً واقتصادياً. كأنّ هذه الطبقات لا يمكنها أن تتظاهر للمطالبة بحقوقها، وكأنّ من السهل البيع والشراء في أوساطها، فتصبح عميلة لهذه الدولة أو تلك.

ويزيد في الطين بلّةً أنّه حتّى الآن، لم يظهر في المشهد الاحتجاجيّ السوريّ من يملك «بيسين» في دبي كوائل غنيم، ولا من يسمّون أنفسهم «مناضلي الكيبورد». هؤلاء، في أحسن الأحوال، يواكبون ما يجري، لكنّهم لا يصنعونه. حتّى المثقّفون المستقلّون الذين جرت العادة أن تُختزَل المعارضة السوريّة بهم، ليسوا المثقّفين العضويّين لأبناء درعا مثلاً الذين غالباً ما يؤدّي رجل الدين دور المثقّف عندهم.

تهمة العمالة، في هذه الحال، تكفّ عن كونها مجرّد تهمة. تصبح محاولة للإجابة عن سؤال أكاديميّ قديم: هل يمكن الهامش أن يتكلّم؟ لكنّ هذا السؤال المجازيّ يتحوّل الآن إلى سؤال شديد الواقعيّة، في أكثر من بقعة عربيّة.

الأخبار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى