صفحات مميزة

القضية الكردية في سورية –مقالات مختارة-

 

واقع «أكرادنا» وسردياتهم/ عمر قدور

مع التدخل التركي المباشر في جرابلس السورية، فضّل الإعلام التركيز على الصراع التركي – الكردي، في تغييب ليس الأول من نوعه لسكان المناطق التي يجري فيها الصراع. فنحن، وفق هذه الرواية، أمام مشروع كردي تعترضه ممانعة تركية فحسب. هكذا، لا أسئلة عن المشروع نفسه، ولا عن الغالبية السكانية وإراداتها، ولا حتى عن مدى تقاطع التدخل التركي مع تلك الرغبات، الأمر الذي لا يفضحه احتفاء معارض «عربي» به إلا بالقدر نفسه الذي يفضحه هجاء كردي حاد لأولئك المُحتفين.

سبق ذلك أن تم التعامل إعلامياً مع التقدم الكردي، المدعوم أميركياً وروسياً ومن النظام سابقاً، كأنه تحرك اعتيادي في ساحة حرب بلا أصحاب، أو هي مُلْك متنقل بين أصحاب القوة. فلم تُؤخذ بالحسبان الحساسية المتبادلة بين الأكراد والعرب، ولا الدعاوى الكردية التي قفزت فجأة إلى الواجهة لتبتلع الشمال السوري كله، بلا سند سوى مقولات عن حق تاريخي تستقوي بذاك الدعم. وهي مقولات تذكر بالخارطة البعثية السيئة الصيت، التي كانت تضم إلى «الأمة العربية» شمالاً يتضمن جبال طوروس، بما فيه مناطق متنازع عليها بين أكراد تركيا وحكوماتها.

وإذا تذكرنا التجربة البعثية، بمآلاتها في البلدين، قد يكون واجباً التيقظ أمام التجارب كافة التي ترِد منهل التاريخ ذاته. لا يخرج عن ذلك القولُ بأن بعثاً كردياً يذهب إلى الحج، بينما يتهيأ عرب كثر إلى العودة منه، حتى لو كانت العودة الآن إلى طوائف ونُحل. بل لعل هذه العودة تؤكد هشاشة الرابطة العربية واليأس منها، بعد استنفاد فرصتها على حساب العرب وغير العرب. وقد يكون المثل الأكثر ابتذالاً اليوم، بحكم تكراره، أن يُستنفر العرب عرباً في مواجهة الأكراد، بعد عقود من استنفار الأكراد كرديتهم في مواجهة البعثَيْن.

من دون اعتراف متبادل، يتأسس على الحاضر بالضرورة، لن يتقدم «الطرفان» أي خطوة، إلا في صراع دموي طويل. وتدلل طبيعة الصراع الحالي على صعوبةٍ تلامسُ المستحيل في إيقاع ضرر وجودي بالآخر، من دون أن يطاول الضرر الوجودي الذات. هكذا مثلاً، على سبيل سخرية الواقع، يتراجع عدد الأكراد في مناطق الوجود الكردي مع تقدم قوات وحدات الحماية الكردية على الأرض، وهكذا أيضاً تعج بلدان اللجوء بأكراد تُستبعد عودتهم إلى موطنهم، على المثال الذي يخص نظراءهم العرب.

الاعتراف المتبادل يقتضي إقرار عرب سورية بوجود قضية كردية سورية، «قضية» بمفهومها الدلالي الواسع، لا مجرد مشكلة أو مطالب ثقافية. لكن يقتضي أيضاً من الجانب الكردي، تفكيك القضية الكردية في سورية وتخليصها من سرديات متناقضة تثير التشوش لدى جمهور كردي، مثلما تثير اللبس لدى «خصم» عربي. فحتى الآن، لا يُفهم على نطاق واسع مؤدى القضية الكردية، سواء من الأكراد أنفسهم أو من العرب. لا يُفهم ما إذا كانت القضية الكردية السورية مطروحة على السوريين فقط، أم هي مطروحة في مجملها على مجمل حكومات المنطقة وشعوبها، وتتطلب تالياً حلاً يتضمن إعادة رسم خريطة المنطقة؟

في السياسة، المسألة ليست في تعاطف نبديه (أو لا نبديه) مع الأكراد، على رغم استحقاقهم له. المسألة هي في بعدها الواقعي، وإذا قبل عرب سورية، وليتهم يفعلون، إجراء استفتاء في مناطق الوجود الكردي على قاعدة حق تقرير المصير، وإذا افترضنا اقتراع الأكراد لمصلحة الانفصال، فكيف سيتدبر الأكراد أمر مناطقهم المنعزلة جغرافياً، والتي لن تكون بحكم التوزع الديموغرافي سوى جزر معزولة؟ وإذا افترضنا إمكان انضمام منطقة الجزيرة إلى إقليم كردستان العراق، فماذا عن عفرين مثلاً؟ ولماذا، وبأي حق يُطلب من عرب سورية التخلي عن مساحات شاسعة من أراضيهم لتأمين دولة قومية متواصلة جغرافياً؟

وإذا افترضنا اقتراع الأكراد لمصلحة البقاء ضمن سورية، فكيف ستكون طبيعة وجودهم؟ والسؤال هنا لا يذهب إلى طبيعة النظام السياسي العام، حيث يُرجح ألا يكون أي نظام قادم مركزياً قوياً على مستوى البلد ككل. السؤال يتعلق أساساً بطبيعة الخيار الكردي، وما إذا كان مرحلياً أم نهائياً؟ من الإجابة عن هذا السؤال أيضاً، توضع الأفكار الكردية على محك الواقع، فهي إما سرديات قومية لا ترى سورية إلا كتفصيل ضمن «نضال» أشمل، أو هي مستعدة للتنازل إلى ما هو أقل من تلك التطلعات.

لا يخفى أن التركيز على العدو التركي، من أكراد سوريين، يستبطن معضلة الاستقلال عن سورية في حال عدم تحقق الاستقلال عن تركيا، لذا كانت أشنع تهمة يوجهونها للعرب هي التبعية لتركيا. فاتصال مناطق الوجود الكردي السوري لا يتحقق إلا من خلال كردستان الكبرى، ومن هذه الناحية وحده حزب العمال الكردستاني يحل المعضلة، بوصفه حزباً قومياً عابراً للحدود، ولندع جانباً مقولاته السطحية والديماغوجية عن «الأمة الديموقراطية» ذات المكونات المتعددة، فمن المعلوم أن سلاح الحزب لا تسيره الديموقراطية إزاء الأكراد أولاً لتحكمه إزاء المكونات الأخرى تالياً.

في الشق السوري، ما يحدث هو الاحتكام إلى دعاوى مبنية على تاريخ متبدل الأطوار، ومن مراوغة التاريخ ألا يمنح حجة لطرف إلا ويكون حجة عليه. الآن، بحكم التحالفات الخارجية ليس إلا، يبدو الاحتكام إلى السلاح سهلاً لدعم الطامحين كافة، وهو في كل الأحوال أسهل على الجميع من الاحتكام إلى عملية ديموقراطية لن تسر خاطر المتخاصمين. وعلى العكس مما يُظن، أية عملية ديموقراطية حقيقية لن تكون مبعث سرور للقوميين الأكراد مثلما لن تكون مرضية لنظرائهم العرب. فوفق عملية ديموقراطية حقيقية، سيكون مطلوباً من الأكراد أيضاً الانخراط في السياسة بوصفها فن الواقع، بدل الغرق في المظلومية وسردياتها المتضخمة، وسيتحتم عليهم الإجابة عن الواقع الكردي في سورية بدل الالتجاء إلى عمومية القضية في المنطقة.

حتى الآن، لا توجد ترجمة كردية سورية لحق تقرير المصير الذي يُطالب به، وعدم إقرار الطرف العربي به ينبغي ألا يمنع نضج تصور كردي واضح. تلك المراوحة بين عملية قضم خارج مناطق الوجود الكردي والمناداة بنظام سياسي جديد لسورية، لا تجيب بشفافية عما يريده الأكراد في النهاية. إنها في حدها الأدنى دلالة على فصام وتشوش في الرؤى الكردية.

الحياة

 

 

 

 

أكراد سورية وخيارات “الاتحاد الديموقراطي”/ سميرة المسالمة

استطاعت تركيا بجهودها الديبلوماسية، وفقاً لتحولاتها الأخيرة أولاً، وبدخولها الأراضي السورية عسكرياً ثانياً، أن تبدّد حلم إقامة «الممرّ» الكردي العابر للحدود، كما كانت تشتهي «قوات حماية الشعب» (المنبثقة من «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سورية)، أو على الأقل كما كان متوقعّاً من مسيرها العسكري الذي استهدف تحرير مناطق غرب الفرات من «داعش» ووصلها مع مناطق شرق الفرات لإقامة ما دعوه، أو ما اعتقدوه، «روج آفا».

لا جديد في السياسة الأميركية، التي غذّت حلم «قوات حماية الشعب» على أساس الدعم المطلق والحماية الجوية، رغم ما صدر عن المسؤولين الأميركيين أن هذا الدعم موجّه أساساً للحرب ضد «داعش» وأن لا علاقة له بالدعم السياسي الذي يؤهّل أو يفضي إلى إقامة فيديرالية كردية معترف بها، في تنصّل وتمييز واضحين بين الأحلام الكردية وبين سياسة الدعم الأميركية. في ذات الوقت لا جديد بخصوص انسحاب الادارة الأميركية من وعودها العسكرية لهذه القوة ومباركتها، بل وتغطيتها الجهد التركي في دخوله الحرب ميدانياً ضد «داعش» وأيضاً ضد «قوات سورية الديموقراطية» (غرب الفرات)، فهذه الادارة نفسها هي التي كانت صرّحت بسقوط شرعية الأسد وضرورة رحيله، وشرعت خطوطها الحمراء في وجهه، ثم تراجعت عن كل ذلك ليتقدم الخيار الروسي، وليبقى الأسد مودعاً أوباما مع كل تصريحاته النارية، ومن ثم المخملية من حوله.

هكذا بات المشهد السوري مع هذه التطورات غاية في التعقيد والتداخل، مع أطراف متعددة تشتبك وتتقاطع مع بعضها، بصورة تشوّش كثيراً على الصراع الحقيقي أو على ثورة السوريين ضد النظام أو تحجبه. فهناك النظام مدعوماً من الغطاء الروسي الجوي والمقاتلين الايرانيين والميليشيات المذهبية (التابعة لإيران) من لبنان والعراق وأفغانستان وغيرها، في مقابل المعارضة المدنية والمسلحة السورية. أيضاً، بات النظام في مواجهة «قوات حماية الشعب» أو «قوات سورية الديموقراطية» («قسد»)، ما يؤذن بفك التعايش بينهما، بعد أن أثار ذلك الشبهات حول حقيقة موقف هذا التيار الكردي من الثورة السورية، علماً أن هذه القوات تقاتل في ذات الوقت ضد «داعش». وطبعاً هناك تنظيم «داعش» الذي يقاتل الجميع، والجميع يقاتله، ولا سيما «الجيش الحر» وفصائل المعارضة الإسلامية المسلحة والقوى الكردية، فيما تنازعه مع النظام هو أقل شيء! فوق كل ذلك، فقد بتنا إزاء مواجهات عسكرية بين «قوات حماية الشعب» المدعومة أميركياً (ضد «داعش»)، من جهة، وبين فصائل «الجيش الحر»، المدعمة بالإسناد التركي، في تطور يزيد المشهد السوري تعقيداً، ويؤسس لحالة نزاع كردي ـ سوري من شأنها أن تطيح بحلم الأكراد السوريين جميعهم في الشراكة الحقيقية في سورية المستقبل، في دولة ديموقراطية تعترف بالحقوق الفردية والقومية، التي طالما بحث عنها الأكراد داخل مظلة المعارضة، واستطاعوا فعلياً الوصول إلى تفاهمات ووثائق تؤكد لهم هذه الشراكة (وثيقة موقعة بين «المجلس الوطني» الكردي و «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة»).

إلا أن هذا الاقتتال المؤسف بين «قوات حماية الشعب» (الكردية) وفصائل من «الجيش الحر» يمكن تفسيره بأسباب عدة: أولها، صعود الصراع أو التنابذ الهوياتي في المشهد السوري، على حساب الصراع من أجل إحداث التغيير الديموقراطي، وهو أمر بذل النظام من أجله كل طاقاته، سيما في محاولاته وصم الثورة بالطائفية وتالياً بالإرهاب، ونزع السياسة من الصراع السوري، بما هو صراع من أجل المصالح والحقوق السياسية وتحويله إلى صراع على الوجود، أو تحويله إلى قضية انسانية وقضية لاجئين. والسبب الثاني، هو سيادة العسكرة والعنف المطلق في الصراع الجاري، على حساب أشكال الصراع الأخرى، وهذا أيضاً يأخذنا إلى ضمور السياسة والكيانات السياسية وأشكال الصراع المرتبطة بها، مع العلم أن العسكرة والعنف في الصراع ضد النظام سرعان ما استشرت عدواهما في صفوف الثورة، لا سيما كياناتها السياسية، إذ شهدنا اندلاع اقتتالات، بين فترة وأخرى، بين عديد من فصائل المعارضة العسكرية، كما شهدنا محاولات بعض الفصائل فرض سيطرتها بالقوة في مناطق تواجدها على مجتمع السوريين. السبب الثالث يعود الى أن الأجندات الخاصة بكل طرف تلعب دورها في الاختلاف بين الفصائل، لكن ما ينبغي الانتباه إليه الآن أن الدور المؤثّر والمقرّر هنا، في الصراع بين «قوات حماية الشعب» و «الجيش الحر»، إنما ينجم عن الارتباط بالأجندات الخارجية، الدولية أو الاقليمية، لأن الأطراف الداخلية أساساً إنما تستمد قوتها (العسكرية) من الداعمين الخارجيين، بحيث تغدو مرتهنة لهم ولأجنداتهم، وهذا يفسر أكثر من غيره النزعة نحو الاقتتال والاستئصال بدلاً من نزعة الحوار. رابعاً، يفترض أن نأخذ في الاعتبار هنا أن «قوات سورية الديموقراطية» التي يشكل «حزب الاتحاد الديموقراطي» ـ الكردي عمودها الفقري، والتي أضحت بمثابة قوة في حد ذاتها، باتت قوة مهيمنة في وجه الأكراد أيضاً، المتمثلين في «المجلس الوطني الكردي» مع حاضنتهم الشعبية، ما يزيد تعقيد الحل السوري والمشهد الداخلي. هذا كله يضع هذه القوات أمام خيارين: إما الاستمرار بنهجها الاقتتالي، وبالتالي تعدد الأطراف المواجهة لها عسكرياً، وضمنه المواجهة الداخلية (الكردية ـ الكردية) التي بدت ملامحها من خلال اعتقالاتها المتكررة لرموز العمل السياسي الكردي، أو مراجعة هذا النهج، ووقف هذا النزيف المجاني والانضواء في مشروع وطني ديموقراطي جمعي.

في المقابل، ومن دون رتوش تجميلية للوضع فإن استمرار الاقتتال الحاصل مع «الجيش الحر»، بدعم تركي، سيقود أيضاً الحاضنة الكردية إلى الوقوف مطولاً لدراسة خياراتها وتوجيه دعمها الذي ستغلبه كرديتها على أي شيء آخر، وهو الأمر الذي يجب أن يتفهمه «الجيش الحر» (والمعارضة السورية)، لإعادة حساباته في هذه الحرب المتعددة الوجوه والحسابات.

لا حل لهذا الصراع، أو الاشتباك والتشابك، إلا بسحب الأجندات الخارجية من الأجندات الداخلية (الوطنية)، أو التمييز بينها، وتغليب الأجندات أو المصالح الوطنية على الخارجية، مهما كان دور هذه الدولة أو تلك. هذا يتطلب، أيضاً، تمييز حزب «الاتحاد الديموقراطي» أجندته او مصالحه عن مصالح «حزب العمال الكردي» التركي لأن هذا التداخل يضر بوضع أكراد سورية، وعملية التغيير الديموقراطي في سورية، ولا يفيد «حزب العمال الكردي» في شيء. أخيراً هذا يفترض بحزب «الاتحاد الديموقراطي» أن يغلّب سوريته على اجنداته فوق الوطنية، أو القومية، من دون أن يعني ذلك عدم مشروعيتها، أو حرمانه من حقه في التفكير بحلمه القومي، فهذا شأن آخر. وبكلام آخر مفروض من القوى الكردية، وضمنها «الاتحاد الديموقراطي»، التوافق على استراتيجية موحدة لتعزيز مكانتها في إطار الوطن السوري، وفي إطار عملية التغيير الديموقراطي في سورية، لأن ذلك أفيد لهم وللثورة، ولسورية المستقبل التي نطمح لها جميعاً، سورية متعددة وديموقراطية، يتساوى فيها كل المواطنين، كأفراد أحرار ومستقلين ومتساوين، مع صيانة حق كل مكونات الشعب السوري في التعبير عن ذاتها القومية، وضمن ذلك الشعب الكردي.

وبالطبع فإن هذه الرؤية في حاجة إلى معارضة سورية موحدة، ذات خطاب واحد، تشتغل على التوجهات نفسها، ما يعزز الثقة بين السوريين، عرباً وكرداً، أي أن المسؤولية عن كل ذلك مشتركة، فما يقع على عاتق المعارضة السورية يقع أيضاً على عاتق القوى الكردية.

* كاتبة سورية

الحياة

 

 

 

 

الحسكة وجرابلس.. الأكراد وداعش/ بشير البكر

يزداد الموقف في مدينة الحسكة تعقيداً وتدهوراً، وجاءت مواجهات الأيام الأخيرة بين النظام السوري ومليشيات “الاتحاد الديمقراطي” لتنقل الوضع إلى مرحلةٍ جديدة، فبعد أن عاش الطرفان عدة سنوات من العسل وجدا نفسيهما في مواجهةٍ عسكريةٍ، انتهت الجولة الأولى منها لصالح الطرف الكردي الذي قدّمت له الولايات المتحدة حمايةً مباشرةً، لم يسبق لها أن كرستها لجهة داخل سورية منذ بداية الثورة.

خسر النظام الجولة، وأذعن إلى اتفاق مذلٍّ رعاه الروس، وقبل بمقتضاه سحب قواته وشبيحته من المدينة، مع إبقاء عناصر شرطةٍ تحرس موظفيه في مركز المحافظة الذين بات وجودهم مثار سخريةٍ لا تقلّ كاريكاتيرية عن سيادة بشار الأسد على قصره الرئاسي الذي يديره ويحرسه الإيرانيون والروس.

خسارة النظام مدينة الحسكة تبدو لبعضهم غير مفهومة، في ظل تفاهم النظام مع حزب صالح مسلم الذي اعتبر المعارضة المسؤولة عن مجزرة الكيماوي في الغوطة قبل ثلاث سنوات، ومردّ غموض الوضع أن الطرفين على تعايش في القامشلي، فلماذا يتحاربان في الحسكة؟ ويغيب عن طارحي هذا السؤال تفصيل هام، هو أن مليشيات “الاتحاد الديمقراطي” هي الحاكمة في القامشلي، ولم يبق للنظام غير علم يرفرف على بعض الدوائر، ومن يتحكّم بالدخول والخروج من المنطقة هي أجهزة “الاتحاد الديمقراطي”.

ليست سيطرة المليشيات الكردية على الحسكة تفصيلاً، والمؤشر على ذلك هو الموقف الأميركي من المواجهات، ولو لم تتدخل واشنطن وتمنع النظام من استخدام سلاح الطيران، منذ مطلع الأسبوع الحالي، لكان النظام كسب المواجهة في المدينة، ففي الأسبوع الأول، حقق تقدماً وألحق خسائر كبيرة بالمليشيات الكردية. والمثير للاستغراب هنا هو الموقفان الروسي والإيراني. رعى الروسي اتفاق وقف النار الذي تنازل بموجبه النظام عن المدينة، أما الحليف الإيراني فقد التزم الصمت، واكتفى برمي بالوناتٍ من نوع أن المعركة الأساسية بالنسبة له تدور رحاها في حلب، ولن يشغل نفسه بمعركة الحسكة التي يمكن استرداها إذا حسم معركة حلب لصالحه.

مهما يكن من أمر، يسجل على النظام السوري الحالي، ومعه إيران وروسيا، التنازل عن جزء من أراضي سورية لصالح المليشيات الكردية التي تعمل وفق مخطط تطهير عرقي لأهالي محافظة الحسكة منذ حوالي عامين. وقد بدأ هذا التنازل بالتدريج، حين سلم النظام منطقة رميلان وحقول النفط عام 2012 إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، وفي حسابه أنه يتفاهم مع هذا الطرف، من أجل قمع الثورة ضده في واحدةٍ من أكبر محافظات سورية وأغناها.

تنازل النظام عن الحسكة للأكراد هو منتهى الاستهتار بأهالي المنطقة، وبمثابة هدية من لا يملك إلى من لا يستحق. ولكن، في جميع الأحوال، ستكون السيطرة على الحسكة بداية لنزاع مديد، إذا لم يراجع الاتحاد الديمقراطي نفسه، ويتخلّ عن نزعة السيطرة على أرض الآخرين بالقوة، ودروس التاريخ شاهد على أن الذي حمى هذه المنطقة تاريخيا هو معرفة كل طرف حجمه وموقعه، ولم يكن الفضل في ذلك لا للنظام ولا لغيره. وما يحصل اليوم هو اختلال موازين يقوم على استثمار طرفٍ كرديٍّ ظرفاً دولياً يلعب لصالحه، لكن وقائع التاريخ والجغرافية هي التي ستقول كلمتها في نهاية المطاف، وستكون هناك فاتورة يجب دفعها على الجميع، وهذا ما تعكسه، إلى حد كبير، معركة جرابلس ومنطقة غرب الفرات.

يرفض حزب الاتحاد الديمقراطي الانسحاب من منطقة غرب الفرات، بذريعة محاربة “داعش”، لكن هذه النكتة لا تنطلي على أحد، مثل عملية بسط السلطة على أراضي العرب في الحسكة، ولو كان حزب الاتحاد الديمقراطي من داخل المشروع الديمقراطي السوري لاختلف سلوكه مع بقية الأكراد الذين يعارضونه قبل العرب الذين يمارس ضدهم سياسة التطهير العرقي.

العربي الجديد

 

 

 

أكراد سوريّة بين دولنا وثوراتنا/ حازم صاغية

لا تكون الدول القوميّة في منطقتنا ذاتَها كما تكون حين تضطهد الأكراد. ولا يشعر الأكراد بالانسجام مع كرديّتهم كما يفعلون حين ينتفضون على تلك الدول. لهذا خيّم شيء من اللامعقول على فترات الهدنة التي كانت تنشأ بين الطرفين. هكذا، ومثلاً لا حصراً، بدا غريباً وضع العراق في السنتين اللتين أعقبتا انقلاب 14 تمّوز (يوليو) 1958، أو في السنة التي أعقبت اتّفاقيّة 11 آذار (مارس) 1970. فذاك البلد، كما نعرفه، من مواصفاته العميقة العدوان على الأكراد، قبل أن يغدو المسرح المفتوح للتذابح السنّيّ – الشيعيّ.

أمّا في سوريّة، فذهب الأمر أبعد في الغرابة، إذ حلّ تعاون مداور، وأحياناً صريح، بين الأكراد والسلطة الأسديّة التي استكثرت لعقود منحهم الجنسيّة. وهو تعاون لم يتوقّف إلاّ مؤخّراً، معلناً في توقّفه أنّ القاعدة قاعدة والاستثناء استثناء.

والحال أنّه كان شذوذاً من الطرفين يعاكس تمام المعاكسة تصوّرنا المؤمثل عن ثورة ينضوي فيها الشعب، كلّ الشعب، وعن نظام يقمع الشعب، كلّ الشعب.

بيد أنّ الأكراد السوريّين مارسوا الشذوذ، بما انطوى عليه من سينيكيّة وانتهازيّة، لعلمهم أنّ ذاك التصوّر مؤمثل لا يتّسع له الواقع. فهم كانوا أسبق من سواهم إلماماً بأنّ انفراط الدولة في سوريّة سينتج انفراطاً للمجتمع، لا لأنّ هذه الدولة مصدر لاجتماع سويّ، بل لأنّها مصدر لاجتماع مُصادَر وممنوع. وهم استنتجوا أنّ عليهم، ما دامت الأمور هكذا، أن يقتنصوا فرصتهم ويغادروا بيت الطاعة. ويغلب الظنّ، تبعاً لهذا التصوّر، أنّهم استخدموا السينيكيّة والانتهازيّة كما تُستخدم التكتيكات في خدمة استراتيجيّة ما، فيما الهدف الاستراتيجيّ بلوغ ما يتراوح بين الفيدراليّة والاستقلال.

وما من شكّ في أنّ النظام الأسديّ، البارع في الشرّ، برع في اغتياله مشعل تمّو، رئيس «حزب المستقبل الكرديّ»، بعد أشهر على اندلاع الثورة. ذاك أنّ اغتياله أضعف المراهنين على ثورة سوريّة ينضوي فيها السوريّون جميعاً. إلاّ أنّ المشكّكين بإمكانيّة كهذه، قبل مصرع تمّو وبعده، سريعاً ما وجدوا بحراً من البراهين تبدأ بانتفاضة حماة في 1982 التي لم يهبّ باقي السوريّين لإنجادها، ولا تنتهي بانتفاضة القامشلي في 2004 حين تُرك الأكراد وحدهم. وضدّاً على المتفائلين، المتناقصي العدد، بطاقة توحيديّة تمتلكها الثورة، يستطيع الأكراد أن يستشهدوا بأحوال حلب، حيث ترافق الغزو والحصار الأسديّان مع انقشاع المدينة على هيئة مدينتين متضاربتين.

وللمدقّق في اليأس الكرديّ من إفضاء الأمور إلى حلّ وطنيّ يتجاوز الطوائف والإثنيّات والمناطق، يحضر الدور التركيّ الموصوف بدعم الثورة. ذاك أنّ مطالبة الأكراد بالانخراط في ثورة مدعومة من تركيّا تشبه مطالبة العرب بالانخراط في ثورة مدعومة من إسرائيل. ونفورٌ كهذا إنّما تعزّزه وقائع لا تخطئها العين: فأنقرة، كما بات معروفاً، غيّرت وتغيّر مواقفها من كلّ اللاعبين، بمن فيهم الأسد و «داعش»، فيما هي ثابتة على موقفها من الأكراد.

كذلك لم تستطع قوى الثورة، من خلال ممثّليها المختلفين، أن تقول كلاماً حاسماً ونهائيّاً حول الجمهوريّة التي يراد بناؤها، وأنّها ستكون «سوريّة» فحسب، من دون أيّة زائدة «عربيّة». ولا قيل، في المقابل، الكلام الحاسم والنهائيّ في حقّ الأكراد بتقرير مصيرهم. ثمّ إنّ القائل المفترض غير موجود أصلاً بفعل تعدّد القوى والمراكز، سيّما أنّ أقواها على الأرض إسلاميّة وسلفيّة يصعب أن يجمعها بالأكراد قاسم مشترك أو تصوّر موحّد للعالم وللمستقبل.

صحيح أنّ أكبر ثورات العالم، بما فيها الفرنسيّة والروسيّة، تقاطعت مع حروب أهليّة وحروب وتدخّلات خارجيّة. لكنّ المؤلم في سوريّة أنّ تلك الحروب والتدخّلات ابتلعت الثورة على نحو يترك الأكراد أمام خيار مُرّ: هل يكونون «العاشق الوحيد» الذي يراهن على ثورة جامعة في المثال، مفتّتة في الواقع، أم يفكّرون بنجاتهم بعدما تعذّرت نجاة باقي السوريّين؟

وقد يقال إنّ أكراد سوريّة لا يملكون المواصفات التي يملكها أكراد العراق وتركيّا، وهذا صحيح تبدّت صحّته مؤخّراً في الانسحاب إلى شرق الفرات، وفي اتّضاح أنّ الحليف الأميركيّ لا يضحّي بالوزن التركيّ كرمى للوزن الكرديّ. وهذا ما سوف يطيل المسافة التي سيضطرّ الأكراد إلى عبورها وسط صحراء من الألم. لكنّها الخطى التي كُتبت على الأكراد والتي سيضطرّون إلى مشيها، مرّة بعد مرّة، إلى أن يصلوا.

الحياة

 

 

 

 

هل يُقال صالح مسلم؟/ ميشيل كيلو

قال ممثل الولايات المتحدة الأميركية لدى المعارضة السورية، مايكل راتني، في لقاء رسمي مع الهيئة السياسية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة: إننا نتعامل مع وحدات الحماية الشعبية “الكردية” (YPG)، ونعترف بهم، ولا نتعامل مع حزب الاتحاد الديمقراطي “الكردي” (PYD)، ولا نعترف به، ولا نوافق على مشروعه السياسي، ونعتقد أن القضية الكردية يجب أن تناقش وتحل في الإطار السوري، المكان الوحيد لترجمة حقوق الكرد إلى واقع سياسي.

لهذا الكلام معنى لا يحتمل تفسيرين: تتعاون واشنطن عسكرياً مع “قوات حماية الشعب” ضد “داعش”، وترفض مشروع “البايادا” السياسي، ولا تتعاون معه، وترى أن مصيره يجب أن يبت اليوم أو غداً في الحوار مع بقية السوريين، وليس بالقوة وسياسات فرض الأمر الواقع. بقول آخر: علاقات واشنطن مع جماعة صالح مسلم (زعيم الحزب) عسكرية وليست سياسية. لذلك، ليست أميركا مسؤولة عن مشاريعه السياسية التي لا تتمتع بغطاء سياسي أميركي، لتعارضها مع التزامها المسجل في قرار مجلس الأمن 2254 بالمحافظة على وحدة الدولة السورية، وسيادتها واستقلالها.

على أي أساسٍ بنى صالح مسلم مشروعه السياسي، إذا كانت أميركا لا توافق عليه، وكان دور من أرسلتهم من جندها للقتال إلى جانب “قوات حماية الشعب” يخلو من العائد السياسي المرغوب، ويقتصر على العمل العسكري الصرف ضد “داعش” دون غيره، كما يظهر من معارك جرابلس وما بعدها، حيث لا يدافع طيران أميركا أو روسيا عن “قوات سورية الديمقراطية” ضد القصف الجوي والمدفعي التركي؟ ما ذنب الكرد، لكي يورّطهم صالح مسلم في أوهام عالية الكلفة، أدت إلى موت آلاف الشباب، ذكوراً وإناثاً، بسبب تحميل أوهامه ما لا يحتمله الواقع سياسياً، وخطئه القاتل في قراءة موقف دولةٍ عظمى، توهم أنها، باستخدامها قواته مرتزقة في الحرب ضد “داعش”، توافق على خططه السياسية، من دون أن يستشيرها، أو ينسق معها أو حتى يعلمها بها، فلا عجب إن انتهى الأمر إلى التضحية بالكرد، لخدمة واشنطن عسكرياً، وليس لخدمة قضيتهم سياسياً؟ لم يسأل صالح مسلم واشنطن عن رأيها حول مشروعه السياسي، ولو فعل لأفهمته أن علاقتها معه لا تتجاوز استخدام قواته في الحرب ضد الإرهاب. أما ما عدا ذلك من خططٍ سياسية خاصة بحزب المجتمع الديمقراطي، فهو لا يعنيها ولا ينال موافقتها، لكونه شأناً سورياً عاماً ليس خاصاً به، أو حكرا على حزبه. لذلك، لن يتحقق شيء منه إلا في إطار تقرير مصير النظام السوري، وطبيعته التي سيتوافق السوريون جميعهم عليها، بما في ذلك الكرد.

هل هناك دليل على صحة كلام السفير راتني؟ نعم، إنه الأمر الأميركي الذي صدر إلى”قوات

“لا بد أن يدفع صالح مسلم ثمن سياسة تفتقر إلى أدنى حد من الخبرة والدراية، أدت إلى موت آلاف” سورية الديمقراطية” بالانسحاب من منطقة منبج غربي الفرات، لكونها خطاً أحمر، يعني بقاؤها وراءه موافقة أميركا على مشروع صالح مسلم السياسي. طلبت واشنطن خروج “قوات سورية الديمقراطية”، أو “مجلس منبج العسكري”، الاسم الثالث أو الرابع لـ “قوات حماية الشعب” التابعة لحزب “البايادا” من المنطقة، كأنما تأمره بنسيان مشروعه السياسي، القائم على احتلال منطقةٍ سماها روج آفا، أو غرب كردستان، بحجة أنها أرض غير سورية من حقه إقامة دولة أو كيان أو كانتون أو حكم ذاتي عليها، يكون، بغض النظر عن اسمه، جزءاً من مشروع إقليمي، هدفه إقامة كردستان الكبرى. توهم صالح مسلم أن هذا الجزء تم “تحريره” وانتهى الأمر، ولا عودة عن احتلاله تحت أي ظرف.

واليوم، والعودة عن أوهام صالح مسلم مطلب أميركي، إن لم يستجب وحزبه، هدّدته واشنطن بحجب دعمها الجوي عنه، يجد الرجل نفسه أمام مأزقٍ يبدو أنه يريد الخروج منه بزج الكرد في مزيد من المجازر، حده الأول رفض الموقف الأميركي من مشروعه السياسي، وبدء حربٍ جديدةٍ لتحقيقه، في ظل أوضاع إقليمية ودولية وداخلية، تجعل منه وهماً قاتلاً، سيدمر حقوق الكرد ووجودهم في وطنهم، وحدّه الثاني الانصياع للواقع. وبالتالي، تخلي صالح مسلم عن أوهامه حول قدرته على انتزاع أراضٍ ليست له من السوريين، وما يترتب على فشله من ضرورة إخراجه من السياسة، كرجل ألحقت أوهامه خسائر فادحة بمواطنيه، تحتم أن ينبذه الكرد بسببها. ويطرح الموقف الأميركي ثلاثة أسئلة:

أولاً، لماذا ضحّى صالح مسلم بآلاف الكرد، إن كان يعلم أن مشروعه السياسي صفري العائد، وأن رعاته الأميركيين لا يوافقون عليه؟ ولماذا ضحّى بهم أيضاً إن كان لا يعلم؟ هل توهم أن دعم قواته أميركياً ضد “داعش” يعني بالضرورة دعم أوهامه السياسية؟ إن كان يعتقد ذلك، فهذا سبب إضافي يحتم إخراجه من العمل السياسي، واتهامه بالاستهانة بأرواح الكرد، بدل المحافظة عليها.

ثانياً، ألم يكن في مصلحة الكرد توفير صالح مسلم وجماعته دماء عشرات آلاف السوريين، بالموافقة على برنامج المجلس الوطني الكردي الذي يريد حلا للمسألة القومية الكردية، في إطار البديل الديمقراطي؟ ألم يكن من مصلحة الكرد أيضا موافقته على مقاتلة النظام إلى جانب المعارضة “المعتدلة”، انطلاقاً من تفاهم وطني عام على شكل النظام الديمقراطي البديل للأسدية، ومن تحديد دور أطرافه في تحقيقه، كمشروع يقدّم كل ما هو ضروري من ضمانات لتلبية حقوق الكرد القومية، في إطار وحدة دولة ومجتمع سورية التي لا تستبعد بالضرورة الخيار الفيدرالي؟

ثالثاً، هل يجوز أن يظل لصالح مسلم دور قيادي في حزب المجتمع الديمقراطي، إذا كان قد قاده إلى كارثةٍ سياسيةٍ، لم تحقق شيئا للكرد، غير التضحية ببناتهم وأبنائهم، وإيقاظ أحقادٍ لا تخدم أحداً بين حزبه وقطاعاتٍ واسعة من السوريين، تضم كرداً وعرباً وتركماناً وآشوريين وسريان… إلخ؟

لا بد أن يدفع صالح مسلم ثمن سياسة تفتقر إلى أدنى حد من الخبرة والدراية، أدت إلى موت آلاف الكرد والعرب والتركمان… إلخ. ولا مفر من أن يضع الكرد نهايةً لعبثه بوجودهم، ولمواصلة إلقائهم إلى نار حماقاته التي أحرقت آلافاً منهم.

العربي الجديد

 

 

 

 

موقع معارك الحسكة من مستقبل سورية/ عبدالباسط سيدا

هل يمكننا اعتبار الأعمال القتالية الأخيرة التي شهدتها مدينة الحسكة بين قوات «حزب العمال الكردستاني»، بغض النظر عن التسميات المحلية، وقوات «الدفاع الوطني» ومعها قوات النظام، بداية تفارق قطعية بين الطرفين المتحالفين منذ بداية الثورة السورية، أم أنها تندرج في إطار ضبط العلاقة بينهما، وترسيم حدودها بما يراعي المتغيرات المحلية والإقليمة وتفاعلاتها الدولية؟

فمنذ انفتاح الأجهزة الأميركية على هذا الحزب أمنياً وعسكرياً، وخوض المعارك المشتركة في الحسكة وكوباني وتل أبيض ومنبج وغيرها، عبر التنسيق بين القوات المقاتلة على الأرض وطيران التحالف الدولي، والأسئلة تُطرح حول مستقبل علاقات هذا الحزب مع أطراف حلفه العتيد: إيران، النظام السوري، روسيا، وذلك بعدما ظهرت قرائن قوية تؤكد وجود حالة تنافس بين الجانبين الروسي والأميركي على استمالة هذا الحزب، واحتوائه، بغية استغلاله في العمليات القتالية في الداخل السوري، وكورقة للضغط على تركيا من مواقع متباينة.

وعلى رغم كل الحديث عن مشروع الحزب المعني الساعي إلى الربط بين كوباني وعفرين لوضع الأساس لإقليم كردي يمتد على طول الحدود السورية الشمالية مع تركيا، فالمعطيات الجغرافية والسكانية تؤكد ما يشبه استحالة هذا، وكذلك إمكانات هذا الحزب وتوجهاته، ناهيك عن حساسية الموضوع البالغة بالنسبة إلى الاستراتيجية التركية.

لكن يبدو أن الأطراف جميعها كانت، وما زالت، تضخّم هذا المشروع المزعوم خدمة لأهداف تخص مشاريع كل طرف.

فتركيا كانت تدرك منذ البداية، أن سورية بما تمثّله من موقع جيوسياسي، تشكل نقطة تقاطع بين اللاعبين الكبيرين الأميركي والروسي، وفي الخلفية الإسرائيلي. لكنها لم تكن قادرة على تجاهل ما يحدث في سورية، لأنها الأكثر تداخلاً وتفاعلاً مع الموضوع السوري الذي ستنعكس تبعاته على داخلها ودورها الإقليمي. فهي بصرف النظر عن علاقاتها الاستراتيجية بإيران، لا يمكنها تجاهل الأخطار الآنية والمستقبلية للهيمنة الإيرانية في العراق وسورية ولبنان، وهي هيمنة تخلط بين المذهبي والسياسي، الأمر الذي تتحسّب له تركيا أيضاً انطلاقاً من حساسية مجتمعها لأسباب مذهبية.

أما إيران، فيبدو أنها سعت الى تطبيع علاقاتها مع «الشيطان الأكبر»، بعدما طورتها مع «الشيطان الأصغر»، وذلك بتفاهمات مسكوت عنها مع إسرائيل، بهدف التمكّن من الاحتفاط بنتائج استثماراتها الكبيرة في سورية تحديداً، والمنطقة عموماً. لكنها كانت تدرك في الوقت ذاته، أن المعادلات الدولية الجديدة في الإقليم لن تسمح لها بالاستفراد، فكان لا بد من الاستقواء بأحد القطبين على الأقل، ومغازلة الآخر.

أما بالنسبة الى روسيا، فكانت أكثر اطلاعاً من غيرها على المشروع الأميركي الذي يقوم على أساس إعادة هيكلة الكيانات السياسية في المنطقة وفق المعطيات الراهنة، وبناء على استشفاف المستقبل. ويبدو أن الروس استنتجوا من خلال الاجتماعات الطويلة التي عقدوها مع المسؤولين الأميركيين، أن الترتيب المقبل سيسمح بتشاركهم معهم، حتى لو في حدوده الدنيا. لكن الأمور في عالم السياسة، بخاصة بين الكبار، لا تبنى على الالتزامات المبدئية، بل على المصالح والحسابات المتحوّلة باستمرار.

ولعل تنافس القطبين على حزب العمال الكردستاني في صيغته السورية يندرج ضمن هذا الإطار.

فهل حان وقت توزيع مناطق النفوذ السورية بين اللاعبين الدوليين والإقليميين، ولو في صورة أولية تمهيدية، هذا مع ملاحظة احتدام المعارك في منطقة حلب والشمال السوري في صورة عامة، وبروز بوادر بإمكان انتقالها إلى الشمال الشرقي؟

وماذا عن الجنوب والوسط؟ هل تقرر مصيرهما في هذه الصورة أو تلك، مثلما تبدو عليه الأمور في سورية المفيدة؟

هل تحوّل الكرد في المنطقة، بخاصة في كردستان العراق ومنطقة الجزيرة، إلى عنصر من عناصر التوازن في المعادلات الإقليمية بالنسبة إلى الاستراتيجية الأميركية؟

وما هو التفسير الذي يمكن أن يقدم حول التفاهم الروسي – التركي – الإيراني في شأن التمسّك بوحدة سورية، والإيحاء التركي، بالتناغم مع التوجهات الروسية والإيرانية، بإمكان القبول ببشار الأسد في المرحلة الانتقالية؟

هذا مع إدارك الجميع أن المطالبة بالحفاظ على وحدة سورية، مع بقاء الأسد، هي مطالبة تناطح المستحيل، وهي عبثية، لكنها ربما كانت قنبلة دخانية تمويهية، تتيح لأصحابها حرية الحركة في اتجاهات ومسارات أخرى، ربما بدأت ملامحها تتضح شيئاً فشيئاً، بخاصة في ظل شبه غياب لدور عربي فاعل.

ويبقى اللاعب الأميركي، وهو الأهم، والأكثر فاعلية والمقرر في نهاية المطاف. لكن يبدو أن الآخرين يحاولون في الوقت المتبقي تحصيل أكبر عدد من النقاط ضمن حدود المتاح، ليتم صرفها عنده دوراً يتطلعون إليه في مجريات المنطقة.

أما بالنسبة إلى العمال الكردستاني في صيغته السورية، فالواضح أن نهجه البراغماتي البحت، واستعداده للتنقّل السريع من جبهة إلى أخرى، والتناغم مع مختلف الألوان المذهبية والأيديولوجية، وإخفاقه في بناء جسور الثقة بينه وبين المجتمع الكردي، وعلاقته الإشكالية بالنظام، وانعكاساتها السلبية على علاقاته العربية والمعارضة السورية عموماً، لن تمكّنه من أداء دور ريادي مستقبلي، يعطيه مكانة اللاعب الإقليمي الفاعل، بل سيظل في موقع الأداة التي يمكن أن تُستخدم في هذه الصورة أو تلك، تبعاً للحاجات الناجمة عن متغيّرات الأوضاع.

اللوحة السورية باتت على غاية التعقيد، والمأساة السورية جسّدتها صورة عمران الذي آثر الصمت، وهو ما أضفى على جلاله الطفولي هيبة تُلزم أصحاب الضمائر التي لم تمت بعد بالتمعّن، واتخاذ الموقف المسؤول أخلاقياً على الأقل.

* كاتب وسياسي سوري

الحياة

 

 

 

الأكراد والأوهام المُرّة/ دلال البزري

قبل مئة سنة، في العام 1916: الشريف حسين يقود عرب الشام ومصر والجزيرة في معركتهم ضد التتريك الذي اعتمدته سلطة حزب “الإتحاد والترقي”؛ هذا الأخير كان قد أسقط آخر السلاطنة العثمانيين في بداية الحرب العالمية الأولى، وصار قائدا لـ”الرجل” المُصاب بـ”مرض” مزمن. بريطانيا كانت قد وعدت الشريف حسين بمدّه بالمال والسلاح والدعم السياسي. في العام نفسه، في المرسلات القائمة بينه وبين هنري مكماهون، ممثل الملك البريطاني في مصر، تم الإتفاق على القيام بثورة ضد الأتراك. الهدف البريطاني واضح في ذهن مكماهون ودولته: ضرب الأتراك المتحالفين مع أعدائه الألمان، على يد “رجالاته” العرب..في تلك الحرب التي اشتعلت عام 1914.

كما ان نهاية هذا الدعم للثورة العربية باتت معروفة: إتفاقية سايكس بيكو التي قسّمت بلدان المشرق بين النفوذين البريطاني والفرنسي (1916)، فضلاَ عن وعد بلفور الذي تضمّن تأسيس دولة يهودية في فلسطين (1917). ورغم معركة ميسلون البطولية، التي حاولت بقوة اليأس ان تتحرر من هذا المصير، إلا ان الفشل كان بالمرصاد بالنسبة للشريف حسين وصَحبه، وقد توزع أبناؤه بين الأردن والعراق، في دويلات عربية هي أقل بكثير من طموحاتهم القومية. ويلاحظ المؤرخون، بهذا الصدد، ان بريطانيا كانت تمدّ الثوار القوميين العرب بالمال والسلاح، ولكن على قدر لا يجعل العرب قوة فعلية، ولكن بما يكفي لدحر الأتراك. ما يضمن، لها ولشريكتها الفرنسية، أن تدخل في النهاية الى مصر وبلاد الشام وفلسطين على ظهر سلاحها الأقوى…

الآن، في العام 2016، القصة تتكرر، ولكن مع لاعبين أكثر، وبتعقيدات فائقة. البريطانيون والفرنسيون تراجعوا إلى الصفوف الخلفية، وصاروا يمشون وراء القوة الأعظم منهم، أي الولايات المتحدة. وهذه الأخيرة، هي أيضا صديقة الأكراد، الرسميين؛ أي “حزب العمال الكردستاني”، وتفرعاته، مثل “قوات سوريا الديموقراطية”. هي صديقتهم إلى حدّ انها، بطيرانها، منعت طائرات بشار الأسد من مواصلة قصف معقلهم، الحسكة؛ ولكنها لم تمنعها من قصف حلب وإدلب…

وحتى تنقشع جميع الغيوم، من حقنا الإفتراض بأن هذه الصداقة الأميركية، مثل كل الصداقات مع الاقوياء، لها حساباتها الخاصة: ضد الأتراك والإيرانيين والروس وبشار… وكلٌ بجرعة موزونة مدروسة. الروس أيضا أصدقاء للأكراد؛ هم القوة العسكرية الثانية بعد الأميركيين. وبدورهم، قد تكون لهم أهداف مشابهة. بعد صداقة اسرائيل، المفهومة جدا، تأتي صداقة بشار الأسد لهم، الذي يستعملهم ضد الثوار، ضارباً وحدة الصف بين كل المتضررين من حكمه. وحتى الآن نجح، قبل انعطافته الاخيرة.

فبشار ما بعد معركة الحسكة، التي تجسّد تلك الانعطافة، صار عدو الأكراد، ومشتبك معهم بمواجهات يومية. هو طليعة المنقلبين على الأكراد، وقد يتبعه الآخرون في طريق إعادة خلط الأوراق بين أصحاب الحصص في أنقاض سوريا. الأتراك بصورة فجّة وصدامية، كما هي شخصيتهم القاعدية، يواجهون الأكراد السوريين والأتراك، في جنوب تركيا كما في شمال سوريا. حربهم على ما يسمونه “إرهاباً” تأخذ منعطفاً جديداً الآن، بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة، وصعود التشدّد القومي التركي الصرف. إيران تشبه نفسها، وتخوض معركة نصف صامتة مع أكرادها، أشعلتها مؤخراً بعض الإشتباكات على حدودها الغربية. والإثنتان، تركيا وإيران، ويعيش على أراضيهما حوالي 16 مليون كردي، تخشيان قيام كيان كردي مستقل على أطرافها، ينضم إلى الكيان العراقي الجنيني، وينتظر النصر للكيان السوري الكردي، ومن بعده التركي، لينطلق الأكراد في تأسيس دولتهم التاريخية. العراق وزعماء إقليم كردستان العراقي معادون لهذا المشروع، فيما الحكومة العراقية الرسمية تأخذ على أكراد العراق توسعيتهم ونزوعهم نحو المزيد من الإستقلال.

هذه أبسط لوحة عن الشأن الكردي الراهن، منزوعة من التفاصيل الكفيلة بإضاعتك. ولكن المهم فيها، ان القيادة الأكثر ديناميكية للأكراد السوريين، أي “حزب العمال الكردستاني”، تقود شعبها نحو مجهول مهول. فهل تترسخ هذه التقاربات الجديدة بين بشار وأردوغان؟ وهل تكون الانعطافة الاسدية ضدهم مقدمة لثمار خلط الأوراق الاقليمية الجديدة؟ هل تصمد أمامه الصداقات والعداوات؟ هل فعلا الأميركيين صادقين أكثر من الروس؟ متى يكون إنسحاب الأميركيين، في حال قرروا ان مصالحهم مع تركيا وايران وروسيا تستوجب عداوة مع الأكراد، لا صداقة؟

قبل أن يكون المرء كردياً سورياً، هو سوري ضائع. وقبل ان يكون سورياً، هو انسان. وهذا الإنسان يحتاج إلى حرية ممارسة ألوان من الحريات. بعد الأساسية منها، هناك حرية الكردي بحقه أن يكون كردياً، كما للعربي أن يكون عربياً. ومن المؤكد ان هذه الحريات لا يمنحها أميركيون أو روس أو صينيين. وركوب هذه الأوهام هو تكرار لأغلاط  سابقة؛ تلبي ثأراً، ولكنها لا تبني أوطانا جديدة حرة.

لا أملك تصوراً دقيقاً لما سوف يسلكه الأكراد السوريين في التالي من الأيام. ولكنني، أجد نفسي كلما فكرت بمسألة الأكراد، أقول بأن هذا الشعب يستحق دولته الخاصة. مجموعه أكراد تركيا 15 مليون، وأكراد إيران من 6 إلى 7 مليون،  وأكراد العراق خمسة مليون،  وسوريا مليونين. فضلاً عن شُتات كردي موزّع بين تركمنستان وأذربيجان وأرمينيا وجورجيا وأفغانستان ولبنان (655000). لهم لغتهم وتقاليدهم وثقافتهم وهويتهم السياسية الخاصة… لهم الحق بدولة على المدى البعيد. أما الآن، فهل تكون حكمتهم أقوى، ويكون المعارضون السوريون من غير الاكراد على جبهة واحدة معهم ضد الظلم والإستبداد وجرائم الحرب؟ أم تتمسّك القيادة الرسمية لهذه المعارضة بـ”ثوابتها”، وتنْكر على الأكراد حقهم بحكم ذاتي، أو فيدرالية، أو لامركزية إدارية؟ فترميهم في أحضان التحالف مع القوى العظمى، التي أذاقت أجدادهم مرارة المراهنة على مساعدتها وصداقتها؟

المدن

 

 

 

 

الرقم الكردي الصعب/ امين قمورية

التاريخ النضالي لاكراد سوريا حافل. وانخراطهم في الحياة العامة نشيط. منهم من قاد المعارك ضد الاحتلال الفرنسي كابرهيم هنانو، ومنهم من قاد العمل الوطني والنقابي كخالد بكداش، ومنهم من تسلم اعلى المناصب في الدولة كفوزي السلو وحسني الزعيم. ناصروا التغيير ودفعوا مثل غيرهم من مناصري التغيير افدح الاثمان. التزموا الوطنية ولم تظهر لديهم مشكلة قومية الابعدما انهكهم تعاقب الانظمة الشمولية المشبعة بالتعصب القومي والرافضة للتنوع والاختلاف.

الانهيار السوري المستمر شكل فرصتهم المنتظرة. لم ينخرطوا في الانتفاضة كما كانت تشتهي المعارضة، ولم يناصروا النظام كما فعلت اقليات اخرى. انتظروا لحظة اهتزاز الكيان وتفككه ليطلقوا مسيرة فرض امر واقع في مناطق وجودهم. تصرفوا وكـأن ما يجري في المنطقة سيغير خريطتها ووجهها ويقيم فيها نظاماً جديداً متشابكاً في المصالح. لذا فإن ثمة فرصة تاريخية لتصحيح خطأ حرمهم حقوقهم القومية، فإذا كان سايكس – بيكو شتتهم بين دول عدة ولد بعضها من رحم هذا الاتفاق، فان اعادة رسم الخرائط مجدداً قد يعيد احياء حلمهم الذي لم ينطفئ باقامة دولة مستقلة… فهل فعلا حانت الساعة ؟ وهل ولى زمن الهزائم والانكسارات؟ افادوا من تفكك العراق وتلاشي القبضة السورية، وعبروا الى طموحاتهم من ثغرة الفراق مابين انقرة وطهران. لكن الخوف من صحوة الاكراد وظهور خريطتهم التي من شأن قيامها تغيير كل الخرائط في الشرق الاوسط، اعاد الوصل ما بين الرباعي الذي كان في السابق يختلف على اي شيء إلا على تبديد الحلم الاستقلالي للاكراد.

دخول القوات الكردية الى منبج اعاد خلط الاوراق وغيّر كل المعطيات. هذه المدينة ستكون جسرًا يربط بين القطاعات الثلاثة للمشروع الكردي الحلم، الجزيرة وعين العرب وعفرين. هنا حضرت المخاوف التركية من اقتراب تحقيق الحلم الكردي بإقليم مستقل في المحادثات بين الرئيس التركي ونظيره الروسي في بطرسبرج، وهنا ايضا تبدلت اللغة ما بين طهران وانقرة. وهنا استنفرت دمشق وشغلت محركات البازار السياسي. فهل معركة الحسكة في التوقيت والشكل وفي ظل الرد الاميركي الخجول، مدخل لاتفاق دولي على تحجيم دورهم ميدانيا على الاقل او انذارهم بالتريث وعدم الجموح؟ اوهل بات الأكراد الذين انعش احلامهم الاستقلالية والدعم الغربي على موعد مع خذلان جديد ؟

واضح أن رحلة الاكراد لاتزال طويلة وعنيفة. لكن لا يمكن النظر إلى مصير أكراد سوريا خارج مصير سوريا، فسوريا لن تعود كما كانت وهؤلاء لايمكن ارجاعهم الى ما كانوا قبل خمس سنوات. لقد بات الاكراد الرقم الاصعب في المعادلة، فإما ان ينالوا مرادهم وتاليا يشرعوا اسقاط حدود خرائط الاقليم المرسومة قبل مئة عام، واما ستظل لعنة التاريخ والجغرافيا تلاحقهم. وكلتا الحالتين ترتّب اثمانا باهظة.

النهار

 

 

 

 

وأخيراً منطقة حظر طيران في سوريا!…/ موناليزا فريحة

في تصعيد جديد في الحرب السورية، هددت وزارة الدفاع الاميركية النظام السوري بأنها ستسقط المقاتلات السورية التي تهدد قواتها الخاصة العاملة في شمال سوريا وحلفاءها من الوحدات الكردية العاملة في اطار التحالف الدولي لمحاربة “داعش”.

وجاء التحذير الاميركي بعد حادثين وقعا قرب الحسكة عندما قصفت مقاتلتان سوريتان الخميس أربعة مواقع كردية يعرف أنها تضم قوات أميركية خاصة. ومع أن أحداً لم يصب بأذى، شكل الحادث تحدياً لواشنطن التي حرصت دائماً على أن قواتها المنتشرة في سوريا وقوات المعارضة التي تدربها مكلفة حصراً محاربة “داعش” لا جيش النظام. والحادث الثاني سجل الجمعة عندما عادت مقاتلات النظام الى المنطقة قبل أن تطاردها مقاتلات أميركية وتبعدها.

هذان الحادثان دفعا واشنطن الى توجيه تحذير مباشر وواضح من أنها سترد عسكرياً وبقوة على أي مقاتلة تهدد العمليات المشتركة. وصرّح مسؤول عسكري أميركي لشبكة “سي ان ان” الاميركية للتلفزيون: “إذا حاول السوريون ذلك مجدداً، سيكونون معرضين لخطر كبير بخسارة مقاتلة”.

يرقى مثل هذا التحذير عملياً الى مستوى فرض منطقة حظر طيران فوق مناطق تنشط فيها القوات التي تحارب “داعش”. وبعدما قاومت واشنطن الفكرة طويلاً، حاولت الاثنين الماضي التملص من التزام كهذا بقولها إن منطقة يحظر فيها الطيران السوري ليست منطقة حظر للطيران!

منذ أكثر من أربع سنوات يرفض “البنتاغون” ومعه ضباط أميركيون إقامة منطقة حظر طيران لحماية المدنيين السوريين على الأرض من غارات النظام السوري وحلفائه بحجة أنها غير عملية. ولكن عندما هددت هذه الغارات قوات اميركية سارعت واشنطن الى ارسال مقاتلات من تركيا لحمايتها وسيرت دوريات فوق المنطقة فارضة حظراً للطيران يصر “البنتاغون” على أنه ليس منطقة حظر طيران.

لا شك في أن التزام واشنطن إقامة منطقة حظر طيران صار أكثر تعقيداً مع الانخراط العسكري الروسي في الحرب السورية ونظام الدفاع الصاروخي “اس 400″ الذي أعلن الروس نشره في سوريا. هذا إضافة الى ان فرض حظر فوق مناطق تنشط فيها القوات الكردية سيثير حفيظة تركيا التي ضغطت طويلاً من أجل إقامة منطقة حظر على حدودها. لكنّ أميركا، التي تركت خطوطها الحمر تنتهك مرة تلو الأخرى ما دام الضحايا من السوريين والخسائر سورية أيضاً، باتت في وضع حرج بعدما بلغ التهديد قواتها التي تحمل تفويضاً واضحاً بالبقاء بعيدة عن خط النار، فهل تتمسك بـ”حظر الطيران” هذه المرة أم تذعن للروس مجدداً وتُدخل الأسد في الاتفاق الروسي – الأميركي للتنسيق في سوريا؟

النهار

 

 

 

واشنطن وموسكو والوضع الكردي/ راجح الخوري

هذه المرة تحرك الأميركيون بسرعة وفهم الروس بسرعة، إذ ليس مسموحاً قلب الحسابات العميقة بين واشنطن وموسكو. وهكذا بعدما أرسل “البنتاغون” مقاتلاته الى سماء الحسكة السورية، سارعت روسيا الى إفهام الأسد ان من غير المسموح أن تلقي مقاتلاته ولو قنبلة واحدة على مواقع “وحدات حماية الشعب” الكردية، التي كانت قد قصفتها يوم الأربعاء الماضي، رغم أنها أساس “قوات الدفاع الوطني” والتي طردت “داعش” من منبج وتخطط للوصول الى الرقة.

ما قيل عن خلاف بين النظام السوري والأكراد حول من يسيطر على منبج، التي تقع في معظمها تحت سيطرة “وحدات حماية الشعب”، على خلفية الحديث عن الخوف من قيام شكل من أشكال الحكم الذاتي في المناطق الكردية، لا يشكل اكتشافاً، فالذي ألقى قنبلة الفيديرالية ليس الأكراد الذين يناضلون منذ زمن بعيد للحصول على الحد الأدنى من حق تقرير المصير ولو في حدود الحكم الذاتي، على ما يجري في شمال العراق منذ اتفاق الجزائر عام ١٩٧٤، بل الروس عندما أعلن نائب وزير الخارجية سيرغي ريباكوف في اول آذار الماضي، ان روسيا تأمل في أن يتوصل المتفاوضون السوريون في جنيف الى إنشاء جمهورية فيديرالية.

كان ذلك قبل اسابيع على الإجتماع التأسيسي الذي عقده الأكراد لمناقشة شكل ونظام الإدارة في “روج آفا” شمال سوريا، في إطار “وثيقة النظام الإتحادي الفيديرالي”، لكن منذ دخل الأميركيون جدياً في اول تشرين الأول عام ٢٠١٤ على خط دعم المقاتلين الأكراد في كوباني، الذين أكدوا حضوراً مميزاً في القتال ضد “داعش”، بدا ان هناك التقاء ضمنياً بين موسكو وواشنطن على شكل من أشكال الحكم الذاتي للكرد كي لا نقول على قيام دولة كردية، يمكن ان تمتد مع الأيام من أقصى الشمال الشرقي لسوريا الى أقصى شمال العراق وصولاً الى المناطق الكردية في شمال غرب ايران، وكل ذلك في محاذاة الجنوب التركي، حيث ينغمس اردوغان في قتال مرير مع الأكراد.

المصالحة الروسية – التركية جرت على خلفية رهانات اردوغان، وبينها إستمالة بوتين وفرملة حساباته حول فيديرالية الكرد، وعندما تبتلع أنقرة كل أعلاناتها لتقبل بالاسد في المرحلة الإنتقالية وربما أكثر لاحقاً، فعلى خلفية حساباتها الكردية التي كانت ايضاً محور الزيارة السرية لوزير خارجيتها الى طهران، التي لديها بدورها أوجاع كثيرة للرأس من الهاجس الكردي، واحد في سوريا والثاني في العراق حيث تحجب بسالة “البشمركة” تجاوزرات “الحشد الشعبي”، والثالث داخل اراضيها حيث نشبت إشتباكات مع الأكراد.

المضحك ان النظام السوري يحاول استرضاء اردوغان بتصوير قصفه أكراد منبج وكأنه ضد “حزب العمال الكردستاني”، والمضحك أكثر هو محاولة موسكو وقف النار سريعاً في منبج للإتفاق على الخطوة الجديدة من واشنطن!

النهار

 

 

 

الأكراد أخطر من «داعش» ؟/ غسان شربل

بين أنقرة وطهران وبغداد ودمشق مصالح كثيرة وحساسيات قديمة. بينها سموم التاريخ ولعنة الجغرافيا. تلتقي هذه الدول وتفترق. تندرج في أحلاف متصارعة ثم تتصافح وتتحدث عن صفحة جديدة. البند الثابت بين العواصم الأربع هو الخوف من تمسك الأكراد بحلمهم القديم على رغم الويلات التي أُنزِلت بهم. واليوم تتصرّف هذه الدول استناداً إلى قناعة تتردّد في إشهارها، ومفادها أن الأكراد أخطر من «داعش».

يعرف المتمرّسون في شؤون المنطقة وشجونها أن تنظيم «داعش» محكوم بالهزيمة. وأن وجوده أكبر من قدرة المنطقة والعالم على الاحتمال. وأن الإرهاب يحفر قبره بيديه حين يصير له عنوان معروف يمكن الانقضاض عليه. لهذا تتصرف الدول الأربع على أساس أن «داعش» خطر كبير عابر، في حين أن الأكراد خطر هائل ومقيم.

ليس الخوف من «داعش» هو ما أرغم رجب طيب أردوغان على السير فوق ركام غروره. إنه الخوف من الأكراد. أكراد الداخل وأكراد سورية. هكذا يمكن فهم رحلته إلى سان بطرسبورغ، ورحلته المقبلة إلى طهران، وإعلان أنقرة قبولها بدورٍ للرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية.

سلوك أردوغان الجديد شجّع النظام السوري على كشف أوراقه. هو أيضاً يعتقد بأن الأكراد أخطر من «داعش». الاشتباكات الأخيرة في الحسكة كانت عملياً أشبه بتبادل الرسائل مع تركيا. الموقف المتشدد من تطلعات الأكراد قد يكون الجسر الذي يمكن ترميمه بين أنقرة ودمشق، على رغم الودّ المفقود بين الرئيسين.

إيران مهتمة بدورها بإعادة تحجيم الأكراد. لا تستطيع قبول أن يطالب كردي إيراني بوضعٍ شبيه بالذي حصل عليه الكردي العراقي ويتطلع إليه الكردي السوري. لدى انتصار الثورة استقبل الخميني وفداً كردياً زائراً. طرح الوفد على زعيم الثورة مسألة حقوق الأكراد فرد بأن المشكلة لن تكون موجودة لأن الثورة إسلامية. لم تحل الثورة مشكلة أكراد إيران، والدليل أن بعضهم استأنف الكفاح المسلح.

لدى إيران مصلحة فعلية في إجهاض حلم الأكراد السوريين. سورية الفيديرالية لا يمكن أن تطمئن إيران. فوز الأكراد بحقوقهم يطرح موضوع المكوّنات الأخرى، وبينها الأكثرية السنّية. كبح التطلّعات الكردية يشكل جسراً جديداً بين أنقرة وطهران، يضاف إلى المصالح الاقتصادية والرغبة في عدم التقاء القوى الإقليمية السنّية على موقف يضبط شهيات إيران في العراق وسورية. إيران أيضاً تتصرف على أساس أن الأكراد أخطر من «داعش».

النقاشات الجارية في بغداد حول دور البيشمركة و «الحشد الشعبي» في معركة تحرير الموصل من «داعش»، تؤكد هي الأخرى التفريق بين خطر كبير طارئ وخطر كبير مقيم. يتصرف بعض القوى المؤثّرة في قرار بغداد حالياً وكأنها نادمة على ما اضطرت الى التسليم به للأكراد، رغبة منها في إزاحة نظام صدام حسين. وأغلب الظن أن طهران هي التي أجازت لحلفائها يومها قبول المطالب الكردية قبل الغزو الأميركي، لاعتقادها بأن إطاحة صدام تشكل مكسباً استراتيجياً، وهو ما تبيّن في النهاية.

شكّل تنظيم «داعش» بعد إطلالته المدوّية خطراً كبيراً أقلق المنطقة والعالم. لكن وحشية «داعش» شكّلت في الوقت ذاته فرصة اقتنصتها دول وقوى لتنفيذ أجنداتها، سواء في العراق أو سورية. فتحتَ لافتة محاربة «داعش» تضاعفت التدخلات الخارجية في العراق وسورية. أدت الضربات المتعدّدة الجنسية إلى إرغام «داعش» على الانحسار، وإن استمر قادراً على ارتكاب مجزرة هنا أو هناك. لكن رقصة المواقف وإعادة التموضع بدت مرتبطة بالخطر الكردي الدائم أكثر منها بالخطر «الداعشي» العابر.

واضح أن المخاض الدموي طويل وعنيف. إن التعامل مع الأكراد انطلاقاً من اعتبارهم ألغاماً مزروعة في خرائط الدول التي يقيمون فيها، يُنذر بمزيد من الحروب والتمزّقات. لا تمكن إعادة أكراد سورية إلى ما كانوا عليه قبل خمسة أعوام. ولا تمكن مطاردة أكراد تركيا إلى الأبد. ولا يمكن حل مشكلة أكراد إيران من طريق زعزعة استقرار إقليم كردستان العراق. إن رفض الاعتراف بحق الاختلاف مصيبة لا تقتصر نتائجها الكارثية على الأكراد وحدهم.

الحياة

 

 

 

حسكة الفيديرالية!/ راجح الخوري

الإتفاق على وقف النار في الحسكة تم برعاية روسية وعلى “أرض” روسية قاعدة حميميم. إستُدعي النظام الى هناك فريقاً في مواجهة ممثلي “وحدات حماية الشعب” الكردية، أهم من ذلك ان الروس لم يعلنوا الإتفاق، لكنهم تعمّدوا ان يأتي الإعلان من المكتب الإعلامي للإدارة الذاتية الكردية، ثم من التلفزيون الرسمي السوري.

الإتفاق في الحسكة وضع “حسكة الفيديرالية” في بلعوم النظام السوري الذي مُني بهزيمة واضحة، ورضخ لشروط “حزب الإتحاد الديموقراطي” العشرة، وأهمها الإنسحاب من المدينة وتسليم مناطقه الى إدارة “الأسايش” وهي قوات الأمن الداخلي الكردية في المدينة، وقف التحريض على هذه القوات وعلى “وحدات حماية الشعب” الكردية ووقف التجنيد الإجباري والإستفزازات المتكررة !

الإتفاق الذي رعاه الروس في حميميم يشكل انتصاراً للأكراد، لكنه لم يكن بعيداً إطلاقاً من الأميركيين الذين هددوا الأسد صراحة يوم الثلثاء، بأن يبقى بعيداً من مناطق حلفائهم الأكراد، وأرسلوا مقاتلاتهم لمنع طيرانه من قصف مواقع الأكراد كما حصل يومي الخميس والجمعة من الأسبوع الماضي.

لكن هذا الإتفاق يشكل أيضاً خطوة متقدمة وواضحة في سياق ما يريده الروس وما أعلنوا عنه صراحة منذ بداية آذار الماضي، عندما شجّعت الخارجية الروسية على الفيديرالية كحل ممكن في جنيف، وهو ما أوحى به ايضاً فلاديمير بوتين بوضوح في ١٥ آذار بالتلويح بسحب قواته للضغط على الأسد!

خلافاً لكل ملامح التناقض بين موسكو وواشنطن حيال تطورات الوضع في سوريا، وعلى رغم إنهماك إدارة أوباما في الإنتخابات، ليس من المغالاة القول إن تجربة الحسكة التي تلتقي وراءها حسابات أميركية وروسية على ما يبدو، ستكون محور المحادثات المقبلة بين سيرغي لافروف وجون كيري، الذي يقول إن المعضلة السورية إستمرت فترة طويلة ويتعيّن على داعمي النظام روسيا وايران وداعمي المعارضة أميركا وشركائها الإتفاق الى حل النزاع!

ولكن على أي أساس؟

الحديث عن قيام دولة كردية في شمال سوريا عبر تقدم الأكراد مثلاً من منبج والحسكة غرب نهر الفرات الى عفرين ومرتفعات ليلون، سيشكّل خطوة كبيرة تؤدي مستقبلاً الى تمزيق خرائط المنطقة، لهذا تبدو الفيديرالية كأنها المخرج الأكثر واقعية وقبولاً عند الروس الذين كانوا أول من دعا اليها صراحة، وعند الأميركيين الذين يدعمون الأكراد بقوة منذ معارك كوباني، وعند الإيرانيين الذين يدعمون الأسد الى النهاية سواء في سوريا كاملة وهذا بات مستحيلاً تقريباً أم في سوريا مُفدرلة!

ولكن ماذا سيفعل أردوغان الذي دخلت حسكة الحسكة بلعومه مثل الأسد وأكثر، إنه يقصف منبج ويقرع طبول تحرير جرابلس من الاكراد ومن “داعش” التي تعامى عنها زمناً، وسيبكي ديكتاتورية الأسد كما يبكي العراقيون اليوم ديكتاتورية صدام حسين!

النهار

 

 

 

«ستراتفور»: كيف يؤثر الصراع بين النظام السوري والأكراد على معارك حلب؟

محمد خالد

أوضح تقرير لموقع «ستراتفور» أن ما يجري في الركن الشمالي الشرقي من سوريا، من معارك مستمرة بين الميليشيات الكردية والقوات الموالية للحكومة في دمشق يقدم مثالا واضحا عن كيف يمكن لجيوب معزولة عن النزاع أن تشكل حربا أهلية مصغرة في سورية.

وقال إنه برغم محاولات قيادة الجيش السوري المتكررة لترتيب وقف لإطلاق النار، فقد تواصلت المعارك المحتدمة بين القوات الموالية للحكومة السورية والميليشيات الكردية في محافظة الحسكة في الزاوية الشمالية الشرقية من سوريا، ما يضع حكومة دمشق في موقف صعب.

ويسعى أكراد شمال سوريا لتقديم أنفسهم كطرف ثالث بعيدا عن النظام السوري من جهة وقوي المعارضة وتنظيم الدولة من جهة أخري، إلا أن هجمات النظام السوري عليهم لقيامهم بالسيطرة علي أغلب مناطق الشمال أجج الصراع بين الطرفين بصورة كبيرة.

ويقول خبراء سوريون إن «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي، الذي يعد جزءا من حزب العمال الكردستاني التركي، على وشك السيطرة على شمال سوريا كله، من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، بما في ذلك مناطق الغالبية العربية والتركمانية والآشورية.

ويلفت التقرير إلى أن الاشتباكات الجارية في الحسكة بين النظام السوري والقوات الكردية أظهرت تفوق الأكراد وسعيهم لطرد الجيش السوري من آخر منطقة يقبع فيها هناك، مشيرا إلى أن حزب العمال الكردستاني في تركيا هو الأصل، وفرعه السوري هو حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو ذاته وحدات حماية الشعب الكردية التي تشكل قوام قوات سوريا الديمقراطية التي تدربها وتحميها الولايات المتحدة.

يقول التقرير إن الصراع بين القوات الموالية للنظام وبين الأكراد يعوق تعاون الطرفين في معارك حصار المقاومة السورية في حلب، حيث كانت قواتهما تطبق علي حلب قبل أن يفتح الثوار الطريق ويرفعوا الحصار.

ومنذ انسحاب القوات الحكومية السورية من المناطق الكردية عام 2012 و2013، وهي تعاني من هذا السلام الهش بين الطرفين الذي تحول مؤخرا من الموالاة إلي العداوة الكاملة بين الطرفين المتعاونين ضد ثوار حلب، واللذين يواجهان معا فصائل المقاومة السورية وتنظيم الدولة.

لعبة محصلتها صفر

ويشير التقرير إلى نمو قوة «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي بصورة كبيرة في الآونة الاخيرة في شمال سوريا، وأنه كان يتعاون مع قوات «الأسد» ضد تنظيم الدولة، ولكنه عندما كان يستعيد منطقة استولي عليها «تنظيم الدولة» سابقا من دمشق يحتفظ بها لنفسه.

وأنه بهذه الطريقة فقدت الحكومة السورية، على سبيل المثال، محافظة الرقة، وغرب الحسكة، لصالح المعارضة وتنظيم الدولة الإسلامية، ثم جاءت سيطرة الحزب الكردي عليها ومطالبته بالأجزاء الشمالية من المحافظة، لتثير الخلافات بينه وبين دمشق، وتكرر الأمر نفسه في باقي محافظة الحسكة.

ويشير التقرير إلى أن ما يزيد الأزمة بين الطرفين اشتعالا هو عدم قدرة دمشق على ضبط الميليشيات والمرتزقة التابعين لها من عناصر أخري من قوات الدفاع الشعبي ما يؤدي لاندلع اشتباكات بين الطرفين برغم سعي قيادة الجيش السوري وقيادة الحزب الكردي والقيادة لترتيب وقف لإطلاق النار.

وقد حاولت دمشق حل المشكلة بعزل وإبعاد قادة يسببون مشاكل في المواقع الأمامية مع الأكراد، ولكن المشكلة بالنسبة لها أن الاكراد «ليسوا مهتمين بإبرام سلام مع قوات الأسد»، ويغتنمون الفرصة لمحاولة الاستيلاء على المواقع المتبقية في يد الموالين له في الحسكة.

تدخل تركيا

ويشير التقرير إلى أن التقارب التركي الروسي زاد خطر حدوث هجوم تركي في المستقبل على الشمال السوري ضد الأكراد، ولهذا فمن مصلحة الجماعة الكردية تأمين مناطق خلفية قبل مواجهتها لهجمات أنقرة.

ترغب القوات الموالية للنظام أيضا في الحفاظ على مطار «القاشملي» الاستراتيجي في محافظة الحسكة، الذي يسيطر عليه الموالون لها كي يكون نقطة دفاع عن حامية الحرس الجمهوري في الجنوب الغربي في دير الزور التي يحاصرها الثوار.

ويشير التقرير إلى أن ما يجعل الأمور أسوأ بالنسبة لدمشق، هو أن القوات الموالية لها في الشمال تعتمد بشكل كبير على القوات الكردية في المعركة الدائرة في حلب، حيث يحاصرون الشمال الغربي من المدينة المحاصرة، ويقطعون طريق عفرين المباشر بين المعارضة ومدينة عزاز في محافظة حلب شمالا وفي المدينة وحولها.

وقال إن هذا يضع الحكومة السورية في مأزق، فعلى الرغم من أنها لا يمكن ببساطة أن تتخلي عن مواقعها في الحسكة دون قتال، فإن الإصرار على البقاء يعني تصاعد المعركة مع الأكراد، وتحولها لصراع أوسع نطاقا، من شأنه أن يقوض قوة دمشق قبل معركة حاسمة في حلب.

وقد حاولت دمشق إرسال رسالة واضحة للأكراد بالتخلي عن السيطرة على المنطقة عبر القصف العنيف لمواقعهم في 17 أغسطس/آب الجاري لإثبات أن الأكراد سيدفعون ثمنا باهظا إذا لم يقبلوا وقف إطلاق النار.

وينوه التقرير لجانب واحد مضيء في هذه المعارك الدائرة بين الأكراد و«نظام الأسد»، مشيرا إلى أن التأثير المحتمل سيكون على الاتصالات الأولية التي تتردد بين سوريا وتركيا، فالتوسع الإقليمي للحزب الكردي علي طول حدود سوريا، يثير انزعاج تركيا بشكل متزايد.

كما أن استيلاء «القوات الديمقراطية السورية» التي يهيمن عليها الأكراد مؤخرا على مدينه «منبج» من الدولة الإسلامية، وتقدمها نحو الباب وجرابلس، يثير المخاوف التركية، إلا أن اندلاع قتال بين الأكراد والموالين يخدم مصالح تركيا، لأنه يخفف الضغط عن المقاومة السورية التي تدعهما تركيا، ولكنها لا تريد أن ترى مكاسب إقليمية للأكراد في حالة هزيمتهم للموالين لـ«بشار» في الحسكة.

وشنت وحدات حماية الشعب الكردية هجوما ضخما، الاثنين 22 أغسطس/آب 2016، لانتزاع آخر مناطق تسيطر عليها الحكومة في مدينة الحسكة شمال شرق سوريا، بعد توجيه نداء للفصائل المؤيدة للحكومة للاستسلام.

المصدر | الخليج الجديد

 

 

 

التضحية بأكراد سورية/ الياس حرفوش

هل كانت معركة تحرير منبج من تنظيم «داعش» هي الفخ الذي وقعت فيه التنظيمات الكردية المقاتلة في سورية، والذي دفع القوى التي كان صعباً أن تأتلف على شيء في مواقفها من الأزمة السورية، الى الائتلاف ضد الأكراد؟

منبج فتحت الطريق الى معركة جرابلس. ومثلما كانت معركة منبج كردية بامتياز، بغطاء أميركي، وبقوات كردية في معظمها، من «سورية الديموقراطية»، كانت معركة جرابلس معركة عربية بامتياز، وبغطاء أميركي أيضاً، وبقوات من المعارضة السورية، في مقدمها «الجيش السوري الحر»، الذي حظي علناً هذه المرة بدعم تركي، وعلى لسان رجب طيب أردوغان نفسه. حصل هذا كله بعدما رفعت الولايات المتحدة الغطاء عن حزب «الاتحاد الديموقراطي» و»وحدات حماية الشعب»، ودفعتهما الى الانسحاب الى ما وراء شرق نهر الفرات، في تجاوب كامل مع الرغبات والمخاوف التركية من الكيان الكردي على حدودها الجنوبية، الذي تخشى أنقرة أن يكون صالحاً لنقل العدوى الى ما وراء الحدود.

ليست المرة الأولى التي يطلع فيها الأكراد «من المولد من دون حمّص»، كما يقول المثل العربي، الذي لا بد أن له ترجمة كردية. كانوا في طليعة من حارب «داعش»، بدءاً من كوباني، التي يفضل العرب أن يسمّوها «عين العرب». كان ذلك في وقت كان «داعش» من فبركة النظام السوري وإنتاجه، ولم يكن كثر مهتمين باقتلاعه من المواقع التي كان يتحصّن فيها ولا يزال، وفي مقدمها بالطبع «العاصمتان»، الرقة والموصل. كانت إدارة أوباما تعتبر الأكراد الحصن المنيع في وجه هذا التنظيم، وكان يمكن أن يُسمح لهم بالاستمرار في القيام بهذه الوظيفة المفيدة للجميع، لولا شعور دول الإقليم ومعها كلّ من الولايات المتحدة وروسيا، بأن الزرع الكردي في الشمال السوري لا بد أن ينتهي الى موسم حصاد، على صورة حكم ذاتي في أبسط الأحوال، أو استقلال كامل، في أكثر الأحوال مبالغة. وهذا ما أيقظ أردوغان، الذي لم تقلقه من قبل معركة كوباني، ولا أقلقته مواجهات الحسكة بين الأكراد والجيش السوري والتقدم الكردي في تلك المنطقة، غير أنه بعد انتصار الأكراد على «داعش» في منبج وتقدّمهم في اتجاه جرابلس، وجد أردوغان نفسه مضطراً الى الدخول مباشرة في المعركة مع التنظيم الإرهابي، فقد اعتبر أن هذه المواجهة هي الثمن الذي لا بد من دفعه لتحجيم الأحلام الكردية داخل سورية، وبالتبعية داخل تركيا كذلك.

من كان يتوقع أنه في غفلة عن الأكراد، يمكن أن يأتلف كلّ من الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا ونظام الأسد، وسط صمت عربي، بحجة مواجهة «داعش»، كأن الأكراد هم الذين كانوا يعيقون هذه المعركة، مع أن الإشادات كانت تنهال عليهم في السابق لأنهم حرروا مدناً من التنظيم وعملوا على إعادة أهلها إليها، بل إنهم في معارك سنجار التي وقع فيها الإيزيديون، أطفالاً ونساء ورجالاً، ضحايا التنظيم الإرهابي، كانوا هم الذين فتحوا بيوتهم لمن تمكنوا من النجاة من تلك الجرائم والأهوال.

فتح الأكراد طريق المصالحة بين أنقرة وموسكو، كما سهّلوا قبول رجب طيب أردوغان بإقامة لبشار الأسد، قد تطول أو تقصر، في قصر المهاجرين. وفتحوا طريق التفاهم الروسي – الأميركي على تسوية في سورية، ستكون على حساب أحلامهم، كيفما حصلت. وهذا كلّه لأن إعادة رسم الخرائط في المنطقة قد تشمل تفكيكاً لمكوناتها الداخلية، وكيانات ذاتية على قواعد طائفية أو مذهبية، لكن من المستبعد أن يتيح هذا التفكيك احتمال كيان كردي على أية صورة. فهذا البعبع ما زال يخيف دول الإقليم. وباستثناء الظروف الخاصة للتجربة الكردية في شمال العراق، يصعب تصوّر ما يماثلها في الظروف الحاضرة، في كل من سورية وإيران، ولا بالتأكيد في تركيا. على هذه النقطة يلتقي الجميع على التضحية بالأكراد، بل والتآمر عليهم إذا اقتضى الأمر.

الياس حرفوش

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى