صفحات الناس

القطاع العام السوري: آلة حرب

 

سلام السعدي

 لطالما نظر السوريون إلى القطاع العام في بلادهم، بشيء من الاستخفاف وعدم الثقة. نظرة تسللت إلى الحكومة، التي راحت تجاهر باستهزائها بمؤسسات القطاع العام، حتى وصفها رئيس مجلس الوزراء السابق محمد ناجي عطري بشركات “حسبنا الله ونعم الوكيل”. هذه المؤسسات باتت اليوم أسوأ حالاً، القليل منها رابح بالحد الأدنى، فيما البقية إما خاسرة أو متوقفة أو تحولت إلى الاستثمار العسكري.

والحال أن القطاع العام الصناعي في سوريا كان غارقاً في الخسائر قبل الثورة بعقود، في مرحلة خلت من منغصات المنافسة، حيث حظي وقتها ببعض الاهتمام والمساندة، كيف بالأحرى والمنافسة اليوم على أشدها. إذ انشغلت الدولة عنه بحرب طويلة وقاسية، دمرت الإنتاج والمنتجين، وتكاد تأتي على جميع المستهلكين / المواطنين.

 لقد زاد انشغال الدولة في حربها على الشعب، عن الفساد الذي يلف إدارة القطاع العام، وعن الصدأ الذي يأكل آلاته. وهو ما أشارت إليه وزارة الصناعة في آخر مذكرة لها منذ نحو شهر. إذ رصدت وجود العديد من المشكلات التي تواجه القطاع الصناعي، أبرزها “قدم الآلات المستخدمة في العملية الإنتاجية، والتي يعود عمر معظمها إلى أكثر من 30 عاماً”. هذا فضلاً عن “الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، والمعوقات الإنتاجية والتسويقية والمالية”. وأشارت المذكرة إلى معوقات أمنية مثل فقدان “السيطرة على بعض الشركات والمعامل، الأمر الذي تبعه انخفاض نسبة دوام العاملين بسبب صعوبة الوصول لأماكن عملهم. وصعوبة نقل المنتجات والمواد الأولية والوقود بسبب عدم سلامة الطرق”.

 وفي التقرير السنوي الصادر عن “اتحاد عمال حماة”، أشار الاتحاد إلى توقف العديد من الشركات عن العمل والإنتاج مع اندلاع الثورة، مثل “شركة الحديد” المتوقفة منذ آذار 2011، و”شركة الإطارات” منذ نيسان 2011. أما السكك الحديد، فقد توقفت منذ أكثر من عامين عن نقل الركاب والبضائع. فيما تعاني شركات أخرى بحسب التقرير من انخفاض نسبة تنفيذ خطتها الإنتاجية إلى اقل من 25 في المئة.

 وبحسب بيانات وزارة الصناعة، يبلغ عدد العاملين لديها نحو 67 ألف عامل، يغلب عليهم ضعف المهارة وانخفاض المستوى التعليمي. إذ لا تزيد نسبة خريجي الجامعات منهم عن 8 في المئة، فيما تبلغ نسبة العاملين في مستوى الإعدادية وما دون نحو 65 في المئة.

 وكان تقرير رسمي حول عمل القطاع العام الصناعي، قد كشف عن انخفاض قيمة الإنتاج المحلي الإجمالي لهذا القطاع بنحو 28 في المئة منذ بداية الثورة العام 2011، وحتى نهاية أيلول 2012. فيما يقدر الباحث الاقتصادي سامي السيد تراجع مساهمته في الناتج المحلي بأكثر من 50 في المئة في العام 2012. ويشرح السيد في حديث لـ “المدن” كيف فقدت شركات القطاع العام الصناعي أهميتها تدريجاً في العقدين المنصرمين، وذلك بسبب إهمالها التام من قبل الدولة وعدم تجديد خطوطها الإنتاجية. حدث ذلك وبحسب السيد، بالتزامن مع الانفتاح الاقتصادي ودخول المنتجات التركية والصينية إلى سوريا وبأسعار منافسة جداً. ويؤكد السيد أن العديد من المؤسسات العامة، متوقفة منذ ما يزيد عن العقد، فيما تستمر الدولة بدفع رواتب العاملين فيها.

على أن النظام السوري وجد أخيراً استثماراً يناسب وضع شركاته المنهكة، فراح يستثمرها في العمليات العسكرية والأمنية، حتى تحول العديد منها إلى أماكن لتجمع الأمن والشبيحة.

  في دمشق، اكتسب مقر الشركة العامة لصناعة الإلكترونيات “سيرونكس” المطل على منطقة العباسيين شهرة كبيرة لدى موظفي الدولة. إذ دأبت الحكومة على استدعاء موظفيها من الفئة الثانية والثالثة يوم الجمعة من كل أسبوع، وحشدهم في مقر الشركة، استعدادا لقمع المظاهرات السلمية التي اعتادت الخروج في ذلك اليوم.

 كما تحول عدد من الشركات والمعامل إلى ثكنات عسكرية باتت هدفاً للجيش الحر، يقصفها ويحاصرها لأشهر محاولاً اقتحامها. هذا هو حال معمل القرميد في ريف ادلب، حيث تدور حوله أشرس المعارك، ومعمل الكابلات في ريف حلب الذي بات تحت سيطرة الجيش الحر، ومعمل السجاد في بلدة السلمية في محافظة حماة الذي يعتبر احد أكبر المقرات الأمنية في البلدة، وكان تفجير انتحاري قد استهدفه مطلع العام الحالي.

 برغم إنهاك وضمور القطاع العام في سوريا، لكنه لا يزال كبيراً إلى حد ما. إلى حد جعل البعض يأمل الاعتماد عليه في مهمة إعادة الاعمار. غير أن الحقيقة الدامغة اليوم، أن القطاع العام، تحت إدارة الحكم السوري، يضطلع حصراً بمهمة التدمير. تدمير ذاته، وتدمير البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى