صفحات الناس

مقالات تناولت ظاهرة “عبادة البوط العسكري” كوثر البشراوي نموذجا

 

 

 

حادثة البشراوي/ ماجد كيالي

لا أعرف ما هو المعنى أو المنطق من قيام اعلامية مثل كوثر البشراوي، كانت حظيت بمكانة جيدة في الأقنية الفضائية، باحتضان بوط عسكري، وتقبيله بشغف، على الفضائية السورية التابعة للنظام، كأنه بمثابة عشيق، أو طفل صغير يتوق لبعض الحنان.

كان بإمكان البشراوي ان تعبّر عن موقفها المناصر لنظام الأسد، وتوضّح أحاسيسها إزاءه، بطريقة أخرى، ربما بحمل صورة جندي، بدل الحذاء، واحتضانها وتقبيلها، كيفما وقدر ما تشاء، فهي في ذلك، وبغض النظر عن موقفنا، كان يمكن ان تضفي نوعا من محاولة «أنسنة» على تلك اللحظة، أو «أنسنة» الموقف الذي تتبناه.

مع ذلك فإن الموقف البشع والمشين، الخالي من الأخلاق، والمجرد من أي حس انساني، ونحن هنا لا نتحدث عن الجانب السياسي أو العقلاني، يبدو أنه على ما يظهر يستدعي تعبيرات فجة وبشعة للإفصاح عنه، في ما يمكن تسميته المطابقة بين الشكل والمضمون. ولعل هذا ما قاربه زياد ماجد في مقالته: «أخلاق رستم غزالي وميشال سماحة» (موقع NOW 28/04/2015)، إذ الاثنين اشتغلا، كآلة، أو كبوط عسكري، الأول جنرال كان يعذب ويقتل وبدوره قتل بطريقة جد مهينة، والثاني حمل شنطة متفجرات مثل أي عميل تافه.

قصة البوط العسكري باتت تحتل مكانة لها في التراجيديا السورية، ذلك ان نظام الأسد قام بواسطة انقلاب عسكري (1970)، وتحكم في البلد بواسطة الجيش وأجهزة المخابرات، طوال أكثر من أربعة عقود، علماً أن هذين لم يشتغلا في سوريا بقدر اشتغالهما في قتل السوريين، وتدمير عمرانهم، بكل صنوف الأسلحة. فوق ذلك فإن الطبقة العسكرية/الأمنية ظلت تتمتع بميزات خاصة تفوق بكثير مختلف الفئات، من علماء وأكاديميين ومفكرين وكتاب واطباء ومهندسين ومدرسين، فضلا عن أنها ظلت تتعيش على حساب المواطنين السوريين الغلابة، من دون أن يكون لها أي دور، لا في حماية الوطن، ولا في حماية المواطنين.

بيد أنه يجدر بنا التذكير هنا أن البشراوي ليست نسيج وحدها، في محبة البوط العسكري، والوقوع في هواه، إذ شهدنا في الفترة الماضية مظاهر احتفائية به، وصلت إلى حد إقامة تمثال، أو اكثر له، بل إن بعض الفتيات، من جمهور «المنحبكجية»، بتن يضعنه على رؤوسهن، باعتباره بمثابة تاج لهن. وقد وصل الأمر حد قيام مؤسسة تابعة للنظام، قيل أنها معنية بمساعدة جرحى وقتلى الجيش النظامي، بنشر إعلانات طرقية جديدة للتعريف بها عنوانها « لنداوي جراحكن» مع صورة للبوط العسكريٍ! وبحسب جريدة «زمان الوصل» (26/12/2014) فقد أطلق واحد من رموز النظام، هو فارس الشهابي (رئيس غرفة صناعة حلب)، عبارة مليئة بالإهانات بحق الدين المسيحي ومسيحيي سوريا، عندما قرن تهنئتهم بعيد الميلاد بـ»البوط العسكري»، قائلا في منشور وضعه على صدر صفحته: «ميلاد مجيد.. لن يحمي المسيحية في سوريا إلا البوط العسكري السوري مسلحا بوعي الشعب»، الأمر الذي أدى الى التحريض عليه، ومراجعته، ما دفعه لاستبدال كلمة البوط بكلمة الجيش.

وفي عيد ميلاد حزب البعث الحاكم للعام الماضي قام أمين أحد أفرع هذا الحزب (ربما في جبلة) برفع الستارة عن نصب ضخم لبوط عسكري، وسط حشد من «المنحبكجية». وقتها كتب يوسف بزي هنا (27/4/2014) في مقالته «أيديولوجيا البوط العسكري»: «كل جندي هو مجرد حذاء في قدم الضابط، وحياته لا تساوي حبة بطاطا، أو سعر رصاصة. الضابط نفسه سرعان ما يتحول إلى حذاء في قدم ضابط أعلى رتبة منه. وهذا الأخير بدوره هو حذاء في قدم ضابط من المخابرات، الذي يكون أيضاً حذاء في قدم ضابط آخر.. إلى آخر السلسلة.» وحقا فهذا ما فعله النظام بمحمود الزعبي رئيس الوزراء الأسبق، وبغازي كنعان ورستم غزالة، على سبيل المثال.

وأثناء اعدادي هذه المادة هالني انني اكتشفت عشرات صفحات «الفيسبوك» للمنحبكجية تحوي عبارة «البوط العسكري»، أو تزيد عليها بكلمات أخرى كمثل أخبار البوط العسكري، والبوط العسكري السوري، والبوط العسكري السوري صانع الانتصار، والبوط العسكري دعس هنا، والبوط العسكري شرف وكرامة، والبوط العسكري داعس على راسكن، والبوط العسكري الالكتروني، ولك الله محيي البوط العسكري؛ وهكذا.

فوق ذلك فإن البوط العسكري الذي احتضنته البشراوي، والذي يجري نصب التماثيل له، كان بمثابة اداة لإرهاب السوريين، طوال أكثر من أربعة عقود، ولامتهان كراماتهم، فلابس البوط فوق البشر العاديين، وينبغي أن يحسب له ألف حساب، كما كان أداة تعذيب واذلال للسجناء، الذين وصلت السادية بسجانيهم حد جعلهم يعلقون الأحذية على رقابهم، أو يلعقونها لتنظيفها. وإبان الثورة، مثلاً، كان البوط أداة للدعس وقتل روح الثورة والحرية والكرامة عند الناس، فهذا ما حصل في الحادثة المشهورة في بلدة «بانياس» (أواسط 2011)، حيث قام جنود وضباط النظام بالدعس على أجساد الأهالي، الذين اجبروا على الاستلقاء على بطونهم على الارض، وهي الحادثة التي اطلقت الصرخة المشهورة: «أنا انسان ماني حيوان».

عموما حادثة البشراوي تنم عن اسفاف ثقافي أو عن روح ميتة، وهذا لا يمكن أن يصدر إلا عن شخصية مضطربة أو مريضة، أو ربما مجردة من الحد الأدنى من الحس الإنساني والأخلاقي، الذي يليق أو يتطابق مع نظام بشع تأسس على الاستبداد والفساد، وحوّل سوريا إلى مزرعة عائلية، وبات يتصرف وفق شعار: «الأسد أو نحرق البلد».

المستقبل

 

 

 

 

الداء والدواء.. في تقبيل الحذاء/ سعدية مفرح

منذ دقّ الرئيس السوفييتي الأسبق، خورتشوف، منصة منظمة الأمم المتحدة في العام 1960 بكعب حذائه، احتجاجا على أصواتٍ طالبت، عبر المنصة نفسها، باستقلال أوروبا الشرقية عن الهيمنة السوفيتية، صار استخدام الحذاء مألوفا، إلى حد ما، في التعبير عن وجهات النظر السياسية، بطريقة أو بأخرى. واختلفت طرق ذلك اختلافات بينة، فقد استخدمه مواطن عراقي، اشتهر باسم أبو تحسين، بضرب صورة الطاغية صدام حسين، بعد لحظات من سقوط نظامه المدوي في بغداد عام 2003، تعبيرا عن فرح شعبي عارم بسقوط النظام الديكتاتوري، في حين استخدمه، بعد خمس سنوات، مواطنه الصحفي، منتظر الزيدي، لإهانة الرئيس الأميركي الذي أسقط صدام، وهو جورج دبليو بوش، عندما قذفه بالحذاء الذي يسمونه في العراق “القندرة”، في مؤتمر صحفي في بغداد.

ويبدو أن التعبير بالرفض باستخدام الحذاء ساد ثقافة عامة، تحقيرا للهدف المستخدم ضده هذا الحذاء، إلى أن جاء الربيع العربي، وأعقبه الخريف العسكري، فظهرت استخدامات أخرى للحذاء العسكري تحديدا، حيث أصبح يستخدم للتأييد والتبجيل والتكريم، وربما المازوخية والجلد الذاتي، في نظر مستخدمه ضد نفسه!

بعد عزل الرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي، بانقلاب عسكري دامٍ، انتشرت في وسائل الاعلام صور مصريين، يحمل كل منهم الحذاء العسكري الذي يسمى في مصر “البيادة” فوق رأسه، في مشاهد مهينة ومقززة. وبلغ التقزز مداه، عندما استخدم أطفال في مثل تلك الصور، فبدت رؤوسهم الصغيرة مائلة تحت وطأة ثقل تلك الأحذية التي ربما لا يعرفون لماذا أمرهم أهاليهم بحملها على هذا النحو، والمشي بها أمام عدسات الكاميرات.

صور أخرى مشابهة ظهرت في سورية لمواطنات مسنات، تحمل كل منهن الحذاء العسكري الذي يسمى هناك “البوط” فوق رؤوسهن، وأضافت إحداهن ما رأته عنصراً جمالياً للتخفيف من بشاعة المنظر، فملأت الحذاء بالزهور، وحملته فوق رأسها. وفي لبنان، ظهرت صورة الحذاء العسكري الذي يسمونه “السبّاط”، بدلاً من الصورة الشخصية لبعض مستخدمي مواقع التواصل، مختومة بكلمة “ليحكم”، في إشارة منهم إلى مساندة الجيش، ليتمكن من الحكم.

لا أدري لماذا اختار هؤلاء الحذاء تحديدا، من بين قطع الزي العسكري الأخرى، لرفعه فوق رؤوسهم، إلا إن كان الهدف حقا إظهار التذلل والعبودية والانسحاق النهائي تحت الوطأة العسكرية في أبشع صورها الديكتاتورية الحاكمة، وليس التأييد وحسب. فلو كان التأييد هو الهدف، لاختاروا، مثلاً، القبعة العسكرية ليضعونها فوق رؤوسهم، حيث موقعها الطبيعي فوق الرأس. أما أن يختاروا ما هو للقدم ليكون فوق الرأس، مع رمزية هذا الفعل في الثقافة العربية، فهذا يبعث على الأسى.

أغلب رافعي الأحذية فوق الرؤوس بسطاء مغيبون، وهذا ليس عذرا لهم، لكنه يبدو كذلك إذا ما ظهر ما يناقضه. وأشير، هنا، إلى الإعلامية كوثر البشراوي التي تقدم نفسها، ويقدمها كثيرون، نموذجاً للإعلامية المثقفة، منذ اشتهرت بتقديم البرامج الثقافية، لكن هذه الصورة الأنيقة لم تمنعها من الظهور على الشاشة، قبل أيام، تحتضن حذاء عسكرياً سورياً، ثم تقبله بطريقة مثيرة للاشمئزاز، بغض النظر عن الهدف منها، والرسالة التي تحملها.

لست أناقش هنا آراء البشراوي، ولا تذكيرها بأن كثيراً من هذه الأحذية التي سبق أن داست على رؤوس الأطفال بأمر الحاكم الديكتاتور، فهي تعرف ذلك، وتتجاهله بل وتتجاهل سورية كلها في سبيل بقاء الديكتاتور، وفقا لتغريدة منسوبة لها تقول؛ “إذا رحل الأسد، لا سمح الله، سأحذف سورية عن خريطتي”، لكني فقط أستغرب لماذا تلجأ، وهي الإعلامية، التي تملك من وسائل التعبير ما لا يملكه كثيرون، إلى هذه المازوخية الشاذة التي تبدو كأنها الداء والدواء؟

عموماً، لا يليق بالطغاة إلا أن يؤيدهم من هم على هذه الشاكلة، و”من يهن الله فما له من مكرم”.

العربي الجديد

 

 

 

 

عبادة البوط العسكري مجدداً/ وليد بركسية

المبالغة والتهويل في إعلام النظام السوري وصلا إلى حدهما الأعلى بتقبيل البوط العسكري مباشرة على الشاشة، ما شكّل العنوان العريض لحلقة الأحد الماضي من برنامج “استوديو الحدث” على قناة “الإخبارية السورية”.

بحفاوة بالغة استضافت الحلقة، في استوديوهات دمشق، الإعلامية والكاتبة التونسية كوثر البشراوي للحديث عن تطورات المنطقة بعد سيطرة المعارضة على مدينة جسر الشغور بمحافظة إدلب مؤخراً، لتكون الحلقة الأخيرة ضمن سلسلة التراجع التي أصابت “الجيش السوري” في شمال البلاد، منذ مطلع نيسان الجاري.

حادثة تقبيل “البوط العسكري” وتقديسه هي النقطة الأبرز في الحلقة الروتينية من البرنامج السياسي اليومي على الشاشة الرسمية، والتي كانت تتويجاً لساعة تلفزيونية من التطنيب والمديح والهجاء على طريقة الممانعة الكلاسيكية. وخلال الحلقة حاولت البشراوي التفوق على كافة منافسيها من محللين وإعلاميين في محور المقاومة، عبر الاندماج في الشخصية الإعلامية التي تتقمصها على الشاشة أمام الجمهور.

وأوضحت البشراوي أنها حصلت على “البوط العسكري المقدس” من أحد الجنود أثناء زيارتها إلى منطقتي صيدنايا ومعلولا في ريف دمشق قبل مدة، وتابعت أثناء تقبيلها واحتضانها “البوط” بحميمية: “هذا كل ما اشتهيته من سوريا، هذا البوط العسكري هو من سيفرض السلام، هذه أغلى هدية في حياتي”!

رمزية “البوط العسكري” تصاعدت  تدريجياً منذ سنوات في الفضاء الالكتروني العربي وفي إعلام الممانعة تحديداً. لكنها بلغت ذروتها بعد أحداث الربيع العربي، حتى أن النظام السوري أقام مجسمات وتماثيل ضخمة “للبوط العسكري” في كل من اللاذقية وطرطوس. وتكرس “البوط العسكري” شيئاً فشيئاً كعبادة جديدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهو ما بات ملاحظاً اليوم على الشاشات من حين إلى آخر بكل الأذى البصري الذي يحمله المشهد للمشاهد المسكين.

البشراوي تصرّ طوال فترة الحلقة على أنها ليست في الاستوديو لبث الطمأنينة في نفوس الجمهور مثلما طلب منها، بل هي هنا “لرفع معنوياتها من معجزة الصمود السوري في وجه العزو الكوني”. ومن هذا المنطلق النبيل استشرست في الهجوم على الأعداء الجدد من “عثمانيين ووهابيين” على حساب المديح والتطنيب التقليديين لزعماء المقاومة وقواتهم العسكرية.

البشراوي تسيّدت الشاشة فغابت المذيعة السورية سناء محمود عن المشهد طوال الحلقة تقريباً، وتقبلت المذيعة المحلية كمية كبيرة من اللوم والدروس الإعلامية والاستهزاء من ضيفتها “الكبيرة”، فيما كان الصمت والارتباك هو رد محمود الخجول أمام سخرية البشراوي الطاغية واستهزائها من نوعية الأسئلة في الحلقة، حتى لو كانت الأسئلة موجهة إلى ضيف آخر عبر الهاتف أو عبر الأقمار الصناعية من بيروت! وحتى عندما اعتذرت البشراوي عن “وقاحتها”، كان اعتذارها صورياً.

المشهد الأكثر غرابة وسوريالية من تقبيل “البوط العسكري”، قدمته البشراوي بمعاتبة الإعلام السوري الرسمي على “مبالغته” في تغطية أحداث جسر الشغور الأخيرة، فما حدث لا يستحق كل هذه الضجة بل هو أمر تكرر كثيراً في السنوات الماضية، وستعود المدينة إلى قبضة الجيش السوري في أي لحظة كما جرت العادة، على حد تعبيرها. لكن المثير للسخرية هو أن هذا الإعلام الذي يدور حوله الحديث هو الإعلام الرسمي ذاته المنفصل عن الواقع والمقصر دائماً في نقل أخباره الميدانية (ولو من وجهة نظر النظام فقط).

الخصائص السابقة تقليدية، فالضيف المقاوم على الشاشة السورية يبالغ دائماً في إظهار حماسته لكسب مزيد من ود ورضى “البلاط الحاكم”. لا تختلف البشراوي في ذلك عن محللين وإعلاميين آخرين، معظمهم من اللبنانيين الممانعين، وإن كانت البشراوي في لقائها الأخير فاقت حدود المنطق بتقديم خطاب هجومي لا يخلو من عنصرية أفصحت عنها مراراً من دون مواربة بحق “أعراب الربع الخالي”، وذلك “رد طبيعي” على طبيعتهم “النازية الجديدة”. وبهذا لم تختلف البشراوي كثيراً في الجوهر عن أعدائها المفترضين من ناحية الخطاب.

ردود الأفعال في مواقع التواصل الاجتماعي ركزت بشكل واضح على المفارقة بين صورة البشراوي في السنوات السابقة وصورتها الحالية، فالإعلامية التي اشتهرت بحواراتها الثقافية كمذيعة عبر قنوات “MBC” و”الجزيرة” في السابق، تحولت بشكل دراماتيكي إلى صورتها الحالية على قنوات الممانعة، حتى شكلياً باتت السبحة والخاتم الكبير مع الزي الأسود رمزية جديدة تضاف لأدوات الشخصية التي تتقمصها بصرياً على الشاشة.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى