صفحات الحوار

الكاتب السوري ضاهر عيطة: أخاف أن يتهمني الأطفال بالكذب

 

 

قد يكون من الصعب على الإنسان أن يجمع بين مختلف صنوف الأدب والفنون في الوقت نفسه، إلا أن الإبداع لا حدود له، حين تتوفر مقومات النجاح في شخص يروم التميز وحب المغامرة في ميدان الكتابة، وكذا الانفتاح على العديد من التجارب الأخرى حتى تكتمل الصورة لديه، وضاهر عيطة من الأسماء العربية التي نحتت مسيرة طويلة في مجال الكتابة والإخراج. فاز عيطة مؤخرا بجائزة أفضل نص مسرحي موجه للأطفال في مسابقة التأليف المسرحي التي تقيمها الهيئة العربية للمسرح في الشارقة. “العرب” التقت الكاتب وتحدثت إليه حول العديد من المسائل الأدبية ومختلف المواضيع الثقافية الشائكة اليوم.

روز جبران

الأطفال الرهان الحقيقي في زمن الدمار

يرى الروائي والكاتب والمخرج المسرحي السوري، صاحب رواية “لحظة العشق الأخيرة” ومسرحية “رقص من النجوم” و”حراس البيئة” وغيرها من الأعمال الإبداعية، أن الحديث عن نفسه من الأمور الصعبة لأنه يحتاج إلى مساحة أكبر للإجابة عن سؤال لا يمكن اختصار إجابته، لأن الإنسان يلزمه تقديم مغاير في كل مرة يريد الحديث عن نفسه، وهو يؤكد أنه مازال إلى الآن رغم كل هذه التجارب والمسيرة لا يعرف نفسه جيدا.

ويشير عيطة إلى أن المجالات الإبداعية التي يتنقل فيها، على كثرتها، لم يجمعها بل هي التي جمعته، وهي التي تحاول لملمته وتحريره، كما يؤكد أن كل المجالات تنتمي إلى الفن والرواية والاستغراق في الخيال للبحث عن واقع مختلف من خلال كل الأجناس الفنية التي يمارسها، فهو مبدع يبحث عن ذاته في التجريب، وحب المغامرة، حتى يطفئ ظمأ أناه التي تشكل قادحا بالنسبة إليه، كي يظل موجودا في الساحة الإبداعية العربية، وفي الحياة.

أبواب المستقبل

دائما ما تشكل الحياة قلقا بالنسبة إلى المبدع، لأنه يراها بنظرة مختلفة، كما يشير عيطة، فهو يحتاج إلى عمر أطول حتى يقرأ ويكتب وينتج ويجرّب، وهذا الأمر يجعل ضيفنا يتنقل على صعيد القراءات، شاعرا بقصر العمر وهو، على حدّ تعبير عيطة، “مأساة الناس جميعا”.

وعن فوزه بجائزة أفضل نص مسرحي موجه للأطفال في مسابقة التأليف المسرحي التي أقامتها الهيئة العربية للمسرح في الشارقة، يقول ضيفنا “كنت سابقا كلما قرعت باب الطفولة أترقب سعادة ما، وشغفا ما، وراحة ما، وخلاصا ما. لكن الأمر انقلب الآن إلى عكسه تماما، في ظل هذه المآسي التي تعيشها البشرية، ربما يتهمني الأطفال يوما بأني كذبت عليهم لأني صورت لهم الأرض جميلة وتستحق العيش فيها، وأن المرح والسعادة عنصران نزرع بهما الأحلام، وهذا ما يحزّ في نفسي، أرجو ألّا يلعنني الأطفال يوما، عندما كتبتُ مسرحية «براءة بحار» كنت أسير خلف الأطفال، وهم من كانوا يشدّونني ويهدونني إلى الطريق الصواب، لذلك تهت معهم وجعلتهم يكتبونني، يكتبون نشوتي فيهم وثقتي بهم، أما الآن فماذا أكتب عنهم غير عُرينا بعد سقوط أوراق التوت”.

لا وجود لرهان وتحد حقيقيين في الكتابة للكبار لذا فرهان الكاتب على عالم الأطفال أفضل من رهانه على عالم الكبار

ويضيف عيطة قوله “فوزي بالجائزة جاء في لحظة كان فيها قسم كبير من هؤلاء الأطفال الذين تخيلتهم في نصي المسرحي قد أصبحوا أشلاء ممزقة، بكيت كثيرا يومها وخجلت منهم كثيرا، نلت جائزة على مطية أحلامهم، أما هم فقد غادروا أحلامهم وأحضان أمهاتهم، وأنا أتشدق بجائزة حصلت عليها من بريق حلمهم، هكذا هي المعادلة عندي”.

وعن اختيار عيطة لميدان الكتابة الموجهة إلى الأطفال على الرغم من صعوبته، الأمر الذي جعل العديد من الكتّاب يتحاشون ولوج هذا العالم، يقول “أنا أجد مع الأطفال أمانا وصدقا لا أجده مع الكبار، وأنا أعتقد أنه لا وجود لرهان وتحدّ حقيقيين مع الكبار، إنما كل الرهان على عالم الأطفال، وأنا لا أقول هذا كي أبرر ممارستي لتجربة أدب الطفل، لأن الحقيقة هي أننا عندما نكتب للكبار يكون الطفل هو متلقينا المستقبلي دون أن نعي ذلك، فالدخول إلى عالمهم من هذا المنظور يحررنا من واقع مرير، ويتيح لنا قدرا كبيرا من الحرية ومن اللعب، نشعر معهم وكأن أجنحة صارت لنا. كل هذا كنت أشعر به عندما أكتب للأطفال، أما الآن فربما صار الأمر مختلفا تماما، وأصبح الاقتراب من عالمهم مؤلما جدا ومحرجا”.

اعتقل ضاهر عيطة في دمشق عام 2012، وقضى أربعين يوما في السجن، عن هذه التجربة القاسية، يقول “صراحة أنا لا يمكنني أبدا أن أسميها تجربة، لأنني أعتقد أن ملامسة الجحيم هي الجحيم بعينه. فتجربتي مع ظلمة السجن وبرودة الزنزانة لم تقدّم لي شيئا سوى أنها عززت قناعتي بأننا فعلا محكومون من قبل سفاحين ومجرمين وقتلة ومتخلفين على كافة الأصعدة”.

يسعى الكثيرون اليوم إلى إنقاذ العديد من المجتمعات، من الوقوع في فخ التطرف، وانتشار الكراهية، وذلك بتعميم ثقافة المحبة، لبناء إنسان معافى وسليم من أفكار ظلامية، ولتأسيس مجتمع طبيعي، وبدوره يرى عيطة المستقبل في ظل الظروف المؤلمة الراهنة، أنه عندما تفتح أبواب المستقبل لا أحد يتطلع إلى الماضي سوى المرضى بالماضي فقط”.

ما يحدث على الساحة العربية هو في العموم حدث روائي كبير وهائل، ويستدعي الرواية أكثر من الأجناس الأخرى لتحاكيه

الرواية والمسرح

لضاهر عيطة رواية وحيدة هي “لحظة العشق الخيرة”، وهي التي كتبها سنة 2010، أي قبل عام من اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، عن واقع الرواية اليوم وعن حمى الجوائز الأدبية المتصاعدة، يقول عيطة “جميع شخصيات الرواية كانت تبحث عن خلاص من حالة اختناق تعيشها، فحتى الشوارع في الرواية كانت مختنقة، وكأن المشهد يوحي بموعد قريب لانفجار، ربما هذا كان ترجمة لما كنت أحس به من شعور خانق يعاني منه الناس، إلا أن الرواية لم تنل حظها من الاهتمام، رغم أنها ليست -كما يشاع- التجربة الروائية الوحيدة، لأن هناك ثلاثة أعمال أخرى أشتغل عليها في انتظار الاكتمال، لعلها ترى يوما النور”.

وفيما يخص سيطرة جنس الرواية على المشهد الثقافي العربي اليوم، يرى عيطة أن ما يحدث على الساحة العربية هو في العموم حدث روائي كبير وهائل، ويظن أنه يستدعي الرواية أكثر من الأجناس الأخرى لتحاكيه أو لتقول كلمتها فيه، إلا أنه لا ينفي وجود جميع أنواع الفنون لتعايشه، فالفن التشكيلي مثلا يشهد نشاطا واضحا جدا من حيث الإنتاج، وكذلك الشعر والموسيقى والنحت، لأن كل جنس وكل نوع من هذه الفنون، حسب عيطة، يعبّر عن الواقع ويحاكيه بطريقته.

أما عن مسألة الجوائز الأدبية، فيشير محدثنا إلى أن هناك جوائز لكل أنواع الفنون وليست فقط للرواية، وأن الإعلام هو من بات يتحكم في قيمة وثقل الأنواع الفنية، وهو من يؤسس إلى عقلية القارئ والمشاهد والمتذوق وتلك هي المشكلة.

أما عن المسرح فيقول عيطة “حاليا لا يوجد مسرح سوري بالمعنى الفني، المسرح الأوسع والأشمل والأشد إيلاما هو ما يحدث على خشبة الأرض السورية كلها، وحتى قبل الثورة لم يكن هناك مسرح سوري، بل كانت هناك محاولات مسرحية مرتبطة بأشخاص”.

روز جبران

العرب

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى