صفحات الرأي

الكاتب ستيفان هيسيل: تمردوا كل بطريقته!


باريس ـ من الطيب ولد العروسي: صدر للكاتب والمناضل الشهير ستيفان هيسيل St’phane HESSEL، كتيب بعنوان: Indignez vous ‘ نددوا’ أو تمردوا أو احتجوا، وقد صدر هذا الكتاب في 28 صفحة، بمدينة مونبلييه، عن ‘منشورات التنديد’، وهو كتيب بمثابة قنبلة حقيقية، إذ أنه تحدث عن المسكوت عنه في الغرب، كما أنه اعتبر من بين أهم الكتب التي قرئت ووزعت خلال نهاية سنة 2010 وبداية 2011، بحيث بيع منه حتى الآن أكثر من مليون وثلاثمائة ألف نسخة، والكتيب عبارة عن صرخة من مناضل، ولد في برلين عام 1917، وانتقل إلى فرنسا صحبة والديه، حيث واصل دراسته في باريس، وتعرف على أجواء المثقفين فيها، وهو من آب يهودي، وأم ألمانية، وقد عرف الرجل بمواقفه وشجاعته، خاصة وأنه كان من ضمن المحكوم عليهم بالإعدام، خلال الحرب العالمية الثانية، نجا بأعجوبة كبيرة، وكان من ضمن المجموعة التي كونت ‘المجلس الوطني للمقاومة’ بفرنسا بقيادة الجنرال شارل ديغول.

يعتبر الكثير من النقاد بأن ‘المناضل ستيفان هيسيل ضمير فرنسا الحي’، وذلك لأنه ما يزال رغم تقدمه في السن يزعج بمواقفه الجدية والواضحة الكثير من المثقفين والسياسيين الغربيين بشكل عام، والفرنسيين بشكل خاص، وذلك من خلال انتقاداته لهم ، ولتواطئهم مع السلطات ومع القضايا غير العادلة، مما جلب له الكثير من المشاكل، كان آخرها ما جرى بعد صدور كتابه هذا، حيث تقدمت به أمام المحاكم الفرنسية 30 جمعية يهودية، ورفعت ضده دعوى معاداة السامية…

كما عرف هذا الرجل بمواقفه الواضحة والمؤيدة للقضية الفلسطينية. وهو أول رجل سياسي فرنسي، زار غزة بعد الدمار الذي ألحقته إسرائيل بها سنة 2009، وانتقد سياسة الكيان الصهيوني، وراح يدعو السياسيين والمثقفين للوقوف إلى جانب الضحايا وليس للاصطفاف مع المعتدي، إذ قدم قراءة نقدية مميزة وصريحة للسياسة الغربية، وأرجع أغلب الأزمات التي تعرفها المنطقة إلى ‘انحياز هده السياسة بصورة دائمة إلى إسرائيل بشكل واضح ومثير للجدل، بما لا يتماشى مع حقوق أبسط الإنسان’، المتعارف عليها دوليا، وفق نصوص القانون الإنساني العالمي، هذه الحقوق التي كانت إحدى النتائج المهمة التي عبرت عنها بكل وضوح الثورة الفرنسية، والتي ضحى الكثير من العمال والمثقفين والثوار بأرواحهم، في سبيل إرساء المبادئ التي أتت بها وهي ‘الحرية والمساواة والديمقراطية’.

كما يؤكد المؤلف على دور المجلس الوطني للمقاومة إبان الاحتلال النازي لفرنسا، الذي دفع الكثير من أجل هذه المبادئ الإنسانية المهمة، والذي أقر من خلال الاعتراف بدور النقابات والأحزاب السياسية منذ سنة 1945، وسطر مبادئ توصي بل تحث على العيش معا في مجتمع تحكمه آليات وقواعد وقوانين تنطبق على الجميع، ويكون للإنسان فيه مكانة استثنائية، ولا يكون كما ‘نرى اليوم مجتمعا يرفض أولئك الذين لا يملكون أوراق إقامة، أو يوظفون مسألة الهجرة لخدمة أهدافهم السياسية والانتخابية، أو مس المكتسبات الاجتماعية مثل التقاعد، وحق الضمان الاجتماعي الذي بات اليوم في خطر وتراجع مستمر’، كما حث على تأصيل مبادئ المجلس بالاعتراف بحرية الصحافة، وممارسة الديمقراطية، ناهيك عن الحق في ‘التعليم لكل الأطفال الذين يعيشون في فرنسا مهما كانت أصولهم أو جنسياتهم’، وليس ما نراه اليوم، حيث أصبح الركض اللا أخلاقي وراء المال هم الكثير من الناس، حيث الفردية تحل محل الجماعة، ولذا فإننا – حسب الكاتب – ‘نجد الكثير من الأمور التي تدفعنا للتنديد، وتحرضنا على المقاومة، وأن الخير متاح لكل الذين يعيشون في فرنسا مهما كانت أصولهم أو جنسياتهم’، حيث قال: ‘إنني أطلب منكم أن تتمردوا كل بطريقته، لأننا نعيش مراحل صعبة تذكرنا بمراحل أكثر قتامة مرت بنا، وإن كنت أطلب من معلمي وأساتذة التعليم أن يسمحوا لي بلقاء التلاميذ، فذلك لكي أشرح لهم سبب تمرد جيلنا، وعن الخراب الذي عشناه إبان الحرب العالمية الثانية، والذي لم يترك لنا خيارا آخر غير محاربة النازية وأعوانها، وكان لزاما علينا فيما بعد، أن نناضل من أجل القضاء على جذور الاستعمار’، ثم يواصل قائلا: ‘وكنا قد وقفنا وقفة صريحة مع ثورة التحرير الجزائرية، لأنها كانت تحمل في طياتها أسباب الرفض والتمرد والاحتجاج، وبالتالي الثورة على الاستعمار الغاشم، كما لا نستطيع أن ننسى المجازر الرهيبة التي ارتكبها ستالين باسم ثورة الكادحين والعمال، رغم أننا كنا ونحن شباب مع الثورة البلشفية، ثورة العمال من أجل العدالة، إن حياتي الطويلة منحتني مفاتيح التمرد’.

وكان الكاتب قد تأثر في بداية حياته بالفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، ثم تراجع فيما بعد، نظرا لموقف سارتر من القضية الفلسطينية، كما تأثر بهيغل وبكتاب ومفكرين آخرين، إذ يعتبر هذا النص أيضا سيرة ذاتية، لأنه يروي بعضا من ذكرياته وشهاداته، حيث يؤكد أنه التحق بالمدرسة العليا للأساتذة في باريس عام 1939، وزاد اكتشافه لنصوص هيغل التي كانت تحرض على الثورة وعلى الحرية للأغلبية، وأنه يرى بأن ‘التاريخ هو مجموعة من مسارات ومن كوارث يتوالى بعضها البعض’، كما يؤكد بأن ‘اللامبالاة هي أصعب وأتعس موقف إنساني، وأن أسباب التمرد أو التنديد أصبحت كثيرة ومختلفة’، وهو ما جعله يتساءل وبحيرة شديدة بشأن ‘من يحكم أو من يقرر في هذا العالم’، مما يزيد في تأجيج التمرد، ‘ولا يمكن أن يصمت الإنسان على الفقر الذي يزداد في عالمنا اليوم، وأن أولئك الذين لا يربحون أكثر من دولار واحد في اليوم هم كثر وفي كل المعمورة يمثلون الأغلبية الساحقة، بينما هناك أقلية تملك ثروات العالم وهي غير مبالية بالأغلبية التي تعيش تحت خط الفقر’، بالإضافة إلى انتهاك حقوق الإنسان في الكثير من البلدان، علاوة على أن هناك وثائق تؤكد على احترام أبجدية هذه الحقوق. وكان المؤلف من ضمن من ساهموا في صياغة إعلان حقوق الإنسان، والحث على ممارسته واحترامه في الواقع اليومي وتطبيقه على جميع الدول، خاصة تلك التي لا تحترم هذا الإعلان، كما يدعو المؤلف إلى ‘تنظيم الجمعيات غير الحكومية والعمل على ازديادها وانتشارها باعتبارها تناضل بالإمكانيات المتوفرة لديها وتعتبر بداية وعي حقيقي، وبأن الإنسان يجب أن يعتمد على نفسه، وأن يعلن عصيانه ضد الممارسات المتمثلة في التشويه الإعلامي للحقائق، وفي بطالة الشباب، وعدم تطبيق واحترام القوانين الدولية، وتخريب البيئة، وهذا ما يدعو فعلا للقيام بمبادرات عاجلة للاحتجاج والرفض والتنديد’. وفي هذا الصدد يعطي مثلا على ما يحدث في فلسطين، حيث يقول: ‘إن احتجاجي على ما يحدث في فلسطين آمل أن يحرك ضمير الكثير من غيري من المناضلين والمفكرين، لأن ما يحدث فيها من انتهاك فاضح لحقوق أصحابها، وعدم انصياع إسرائيل للقوانين الدولية، علاوة على ما حدث في غزة على مسمع ومرأى من العالم ليدعونا إلى التأمل، وإلى التمرد، لأنه يجب أن نرى الواقع الفلسطيني بعيدا عن ما يقوله الغرب في وسائله الإعلامية، وبعيدا عن شهادات وآراء الجيش الإسرائيلي وقادته، هؤلاء الذين يصنعون الكوارث اليومية وهم غير مبالين بحقوق الشعب الفلسطيني’ ثم يواصل قائلا: ‘لقد أصبح اليوم واضحا أكثر من أي وقت مضى بأن الشعب الفلسطيني لا يواجه العدو الإسرائيلي فحسب، بل يواجه أيضا الغرب بدوله الكبرى، وهذا أمر حقيقي ومحزن في الوقت نفسه، خاصة وأننا في غزة أمام سجن كبير يعيش فيه مليون ونصف مليون فلسطيني، والعالم يتفرج، وكأن ما يحدث فيها من انتهاكات أمر طبيعي’.

ويشير ستيفان هيسيل قائلا: ‘يكفي أن نعرف بأن الحرب الإسرائيلية على غزة قد خلفت أكثر من 1500 قتيل من الأطفال والشيوخ والشباب والنساء، وهدمت بيوت الناس، فهذه التراجيديا التي’ حدثت’ باسم الدفاع عن النفس وضد الإرهاب ما هي في نظر الكاتب إلا مسرحية غريبة تذكرنا بماض مرعب، لأن العنف يولد العنف، ولأن ما يحدث في المنطقة من عنف ليس للفلسطينيين فيه أي دخل، إذ يرى ‘بما أن حماس نجحت في الانتخابات وأرادها الشعب الفلسطيني، فهذا شأنه، وعليه يجب أن تحترم اختياراته، وعلينا أن نحترم هذا الشعب وحقوقه في العيش الكريم، وهذا غير متوفر له’ وأن ‘الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لا تريد سلما حقيقيا، وظروف عيش اللاجئين الفلسطينيين صعبة، وهم موزعون في فضاءات دول مختلفة، ناهيك عن الجدار العازل الذي فرق أسرا وعائلات بكاملها، وكل هذا والغرب يزن الأمور بمقياسين، ويردد وجهة النظر الإسرائيلية، التي تدعي أنها تحارب الإرهاب، فمن ولّد هذا الإرهاب ومن كان وراءه؟ إن لم يكن اللا عدل والقمع والتصرفات العجيبة للجيش الإسرائيلي’، أي أن كل ‘بذور الإرهاب متوفرة، هذا إن سميناه إرهابا، لأن الظلم والقمع يولدان الكثير من ردود الفعل، واللا عنف بالنسبة للكاتب هو الطريق الوحيد الذي يجب أن تسلكه الإنسانية’، بالإضافة إلى تلاقي وتلاقح وتشجيع حوار الحضارات، لأنه يجب أخذ الدروس والعبر من الماضي القريب، حيث كانت النازية تعيث فسادا وعدوانا، ولذا يجب أن لا نسمح بتكرار نفس الكارثة، وخاصة مع أولئك الذين كانوا ضحاياها الأولين. ويؤكد أنه يجب ‘أن يكون هناك حوار بناء وحقيقي، بدل القمع والحقد، لأنه في حالة ما يحدث في فلسطين، علينا أن نكون إسرائيليين حتى لا نحس بآلام الفلسطينيين، وأن لا نصف بما يقوم به هذا الجيش بالعنف’، فما نراه هو نتائج لتجاوزات الغرب، والمظالم التي ألحقها بشعوب العالم الثالث، وهو لا علاقة له بها، وبما ‘أننا أدرنا ظهرنا لما جاء به المجلس الوطني للمقاومة، فنحن سنستمر نعاني سلسلة من العنف الاقتصادي السياسي والاجتماعي، ولا نعرف أين نذهب؟ لأن ما سطره هذا المجلس كان ضد الاستعمار، وضد التمييز العنصري، ولعل سقوط جدار برلين كان له وقع خاص لدى الشعوب، غير أن مجيء جورج بوش إلى سدة الحكم هو وأمثاله كاد أن يؤدي بالعالم إلى الدمار الحقيقي’، وأنه أدى إلى حروب وويلات كثيرة ‘تذكرنا بأيام حالكة الظلام’، وكان أن أحدث توليه السلطة في الولايات المتحدة مجموعة من الكوارث: حرب الخليج، أفغانستان، 11 ايلول/سبتمبر، وكاد أن يتدخل في مناطق أخرى غير مبال بالنتائج المترتبة عن كل هذه التدخلات، وهذه الحماقات.

وفي الختام يدعو الكاتب إلى التمرد، لأن أسبابه أصبحت متوفرة في الواقع اليومي، سواء على المستوى الفرنسي، أو على المستوى العالمي، كما يدين موقف الأمم المتحدة التي تكيل بمكيالين، وهو موقف غير عادل ويدعو إلى الحيرة، وتسيّره موازين قوى لا علاقة لها بتطبيق الحق بشكل عادل، ولا تعبأ بقرارات الأمم المتحدة.

ولذا يرى بأن فرنسا لم تعد تحترم هي الأخرى، ما جاء في البيان الشهير، وبالتالي أصبح النظام بدلا من أن يعالج القضايا بشكل حقيقي، ويجد حلولا لها، أخذ بلاحق المهاجرين ويفاقم في ازدياد حجم البطالة، ويترك الباب واسعا أمام زيادة الحقد والعنصرية، مما بشكل خطرا على المكتسبات الاجتماعية في ميدان الضمان الاجتماعي والعلاج والصحة.

الجدير بالذكر أن هذا الكتاب يحمل في طياته الكثير من الصيحات والجروح، يختتمها الكاتب بالتأكيد على أننا أمام ‘دكتاتورية المال والأسواق الاقتصادية العالمية التي تقف ضد السلام والديمقراطية في العالم’، مما يؤدي إلى تفاقم الفردية ويزيد في تجاهلها لحقوق الآخرين، ولا يترك أي خيار أمام الأغلبية غير التنديد والاحتجاج والثورة، والمطلوب ـ حسب المؤلف- أن نجد وسائل التنديد في ‘مختلف الفضاءات التي نتواجد فيها كل حسب مسؤولياته، وحسب اهتماماته لتنظيم التنديد والاحتجاج، وإذ لم نفعل، فسنزيد في حجم الصراعات وتأجيج الحروب، واللامبالاة، ونفقد حقوقنا رويدا رويدا’. وهكذا عبر المؤلف في كتابه هذا عن تنديده بذكر مجموعة من المشاكل على المستوى الفرنسي وعلى المستوى العالمي والتي انعكست بشكل سلبي على الإنسانية بصورة عامة.

ترجم هذا الكتاب إلى أكثر من 20 لغة، وترك بصماته في التظاهرات والاحتجاجات التي تجتاح أوروبا ودول أخرى كثيرة، إذ أخذت تطلق على نفسها بالحركات التنديدية، مبلورة في مطالبها بعض ما جاء من أفكار وتوجهات في هذا الكتاب.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى