صفحات مميزةفاروق حجّي مصطفى

الكُرد جزءٌ من الانتفاضة السوريّة ولكنْ…


فاروق حجّي مصطفى

لم تغب أعلام الكُرد القوميّة وبعضُ مفردات لغتهم الأمّ عن الحراك الشعبيّ السوريّ منذ أن بدأ في 15 آذار 2011. وفي الوقت الذي كانت فيه بعضُ القوى، قبل الحراك المذكور، قد فَقَدت الأملَ في تغيير النظام، ولا سيّما بعد تحسّن علاقته بالجهات الدوليّة، وبعد تجاوز مشاكله مع تركيا التي لعبتْ دورًا ملحوظًا في تحسين صورته لدى المجتمع الدوليّ منذ العام 2005، أصرّ الكُرد على متابعة النضال.

المفارقة أنه كلما ازداد عنادُ النظام وممانعته للتغيير ازداد تصميمُ الشارع على مراده. وبمعنى آخر، فإنّ حرصَ الشارع على التغيير وإسقاط النظام الحاكم منذ تسعة وأربعين عامًا لا يقلّ ضراوةً عن إصرار النظام على البقاء ورفض الواقع الذي فرضته الانتفاضةُ السوريّة.

التباين في الرؤى

بيد أنّ الرياح لا تجري بما تشتهيه سفُن الكُرد. فعلى الرغم من أنّهم يَعتبرون حركتَهم السياسيّة والشبابيّة جزءًا من النسيج السوريّ وحالته الثوريّة، فإنه يَصْعب أن تَقبل المعارضةُ السوريّةُ هذه الحالةَ الكرديّة إلاّ من منظور انحلال خصوصيّة الكرد الثقافيّة والسياسيّة في جسد المعارضة. والحقّ أنّ هذا الأمر خلق معوّقاتٍ حقيقيّةً، وحال دون اندماج الكرد في «المجلس الوطنيّ السوريّ» المعارض مثلاً. ومن أبرز هذه المعوّقات:

1 ـ أنّ الكُرد لا يريدون الاندماجَ في مجلسٍ يَجْهلون كيف تأسّس، وخصوصًا أنّه يمنحهم حضورًا شكليّاً يضعهم (كما يروْن) في خانة التوظيف السياسيّ لا غير. والحال أنّهم يسعوْن إلى المشاركة الفعّالة في المعارضة، لا أن يكونوا ضيوفًا ومراقبين يقال لهم: «تفضّلوا، لقد اعترفنا بحقوقكم!»

2 ـ يرى الكُرد أنّ المعارضة السوريّة، بعرَبها وكُردها، تحتاج إلى عقدٍ سياسيٍّ يكون وثيقةَ شراكةٍ ترسم رؤيةً واضحةً لمستقبل سوريا. وهذا لا يعني توحيدَ المعارضة بأطيافها، وإنّما توحيدَ خطابها، ليكون «المجلسُ الوطنيّ السوريّ» مظلّةً تنطوي تحتها المعارضة.

3 ـ يرى الكُرد أنّه، بسبب خصوصيّتهم السياسيّة والثقافيّة والقوميّة التي لم تستوعبْها المعارضةُ السوريّة بالكامل، لن يتحسّن وضعُهم إلّا في ظلّ دولة المواطنّة الحقّة. وهذه الصيغة الدولاتيّة تمثّل الأملَ الوحيدَ لكلّ المجتمع السوريّ، لا للحالة الكُرديّة وحدها.

والحقّ أنّ الكُرد يشعرون الآن بأنّهم ما زالوا يعانون التهميشَ والإقصاءَ من قِبل القاع السياسيّ السوريّ، سلطةً أو معارضةً. وتُستثنى من ذلك واقعةٌ واحدة: وهي أنّ السلطة أعادت إليهم الجنسيّة السوريّة بعدما كانت قد سحبتْها منهم في ستينيّات القرن المنصرم. أما المعارضة، فعلى الرغم من ادّعائها «تفهّم القضيّة الكُرديّة» والإقرار بأنّ للكُرد حقوقًا سياسيّةً ستعاد إليهم قانونيّاً ودستوريّاً، فإنها لم تُرنا على أرض الواقع سوى الآتي:

1) قامت «هيئةُ التنسيق الوطنيّ» بكتابة شعار مؤتمرها الأوّل باللغة الكُرديّة إلى جانب العربيّة.

2) ضمّ المجلسُ الوطنيّ السوريّ وهيئةُ التنسيق بعض الشخصيّات والقوى الكُرديّة.

3) شارك الكُرد في التأسيس لـ «إعلان دمشق،» ولولاهم لما وَجد السوريون هذا الإطار نظرًا إلى الحساسيّة المفرطة بين قيادات المعارضة العربيّة.

لم يُطلب، منذ 11 شهرًا، من الكُرد أن يكونوا من مؤسّسي أيّ إطار. كلّ ما تمّ هو دعوتهم إلى الحضور على الدوام! وهذا ما جعلهم يَعتبرون أنّ المعارضة تريد منهم أن يكونوا مجرّد «شهود عيان» لا فرقاء مشاركين. وهذا الوضع دفعهم إلى البحث عن ذاتهم السياسيّة من جديد، وهم الآن يسعوْن إلى بناء رؤية واضحة حول وضعهم الحاليّ ومستقبلهم. ولذلك نراهم ينشطون على صعيد التواصل السياسيّ، أكان هذا النشاط في أربيل (كردستان العراق) أمْ في مكان آخر.

التباس في فهم الحالة الكُرديّة

تجدر الإشارة إلى أنّ بين العرب(1) مَنْ فهم التواصلَ الكُرديّ السوريّ مع الكُرديّ العراقيّ على انّه استنساخٌ لتجربة كُرد العراق في سوريا. ويعزو هؤلاء السببَ إلى:

1) عقد الكُرد السوريين مؤتمراتِهم ولقاءاتِهم في أربيل.

2) القرار الذي اتخذه المجلسُ الوطنيّ الكُرديّ حول تعليق الأحزاب الكُرديّة عضويتها في المعارضة السوريّة (هيئة التنسيق، المجلس الوطنيّ، إعلان دمشق)، وكان مثارَ استغراب بعض قوى المعارضة.

وواقع الحال أنّ عقدَ مؤتمرات الكُرد السوريين في أربيل لا يحمل أيَّ دلالة سياسيّة، سوى أنّ الجوّ العامّ في كُردستان ـ العراق يساعدهم على عقد مثل هذه اللقاءات، وليس ثمة أيُّ توجّهٍ نحو الانعزاليّة ولا أيُّ مخطّطٍ للخروج من الحالة السوريّة. وهو بالتأكيد لا يشير إلى احتمال البحث في انفصال الكُرد عن سوريا، ومن السذاجة طرحُ هذا الموضوع أصلاً لأنّ للانفصال شروطًا جغرافيّةً وإقليميّةً ودوليّةً غير متوفّرة. إنّ ما يريده الكُرد من مؤتمر أربيل(2) هو أن يحدّدوا لأنفسهم مسارًا واقعيّاً وموضوعيّاً داخل حيّز المستقبل السوريّ القادم.

هذا من جهة.

ومن جهة ثانية، فإنّ مطالبة «المجلس الوطنيّ الكُرديّ» الكُردَ الموجودين في المعارضات العربيّة بتجميد عضويّتهم لا تعني العودةَ إلى «القوقعة الكرديّة» كما كان سائدًا، وإنّما الرغبة في التقرّب إلى تطلّعات شارعهم ورغبات مجتمعهم. وهم الآن لا يقفون عند حدود توحيد الكُرد في إطار واحد وحسب، بل يسعوْن أيضًا إلى بناء شراكة سياسيّة مع كلّ القوى العربيّة. والسؤال الآن: هل في وسع المعارضة السوريّة تقديرُ موقف الناشطين الكُرد والتعاملُ معه بجديّة وأخذُ تطلّعاتهم في الاعتبار؟ هنا مربط الفرس.

ولو تأنّت المعارضةُ السوريّة وأخذت العبرةَ من التجربة الكُرديّة نفسها، لكانت الآن في وضع أحسن. إلا أنّ الحساسيّة على المستوى الشخصيّ ربما حالت دون وصولها إلى صيغةٍ تؤهّلها لقيادة المرحلة السوريّة القادمة.

الوضع، ببساطة، هو أنّ الكُرد انسحبوا لأنّ «المجلس الوطنيّ السوريّ» رَفَضَ عقدَ الشراكة معهم، ولأنّه لا يؤْمن بحقوقهم. وقد أراد الكُرد السوريين توحيدَ نهجهم في الصفّ والخطاب، خصوصًا في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ بلدهم؛ ذلك لأننا نمرّ بأزمةٍ سببُها نظامُ الحكم والسياسة وتتوجّه نحو مستقبلٍ لم يعد مرئيّاً جرّاء التدخّلات الإقليميّة والدوليّة في الوضع السوريّ. ولعلّ أهمّ تداعيات التداخل بين الوطنيّ الداخليّ والإقليميّ والدوليّ هو أنّه سيكون علينا، أثناء ترتيب أوضاعنا، أن نأخذ في الاعتبار مصالحَ الجهات الإقليميّة والدوليّة ورؤاها ـ وذلك سيلقي بظلاله على المرحلة المقبلة، الأمرُ الذي يستدعي حسابَ مدى تعويق هذا التداخل لاندماج الكُرديّ السوريّ في العمليّة السياسيّة السوريّة.

ثمّة من يرى أنّ الكُرد سيكونون الأكثر عرضةً للتهميش، لا بسبب الطروحات الكُرديّة القوميّة التي لا ترضى بأقلّ من حقّ تقرير المصير ضمن إطار دولةٍ سوريّةٍ ذاتِ نظامٍ لامركزيّ سياسيّ، وإنّما لأنّ هناك ما يدلّ على ضغط بعض الدول (تركيا مثلاً) على المعارضة السوريّة لكي تهمِّش الكُردَ بهدف عدم تكرار تجربة كُرد العراق في سوريا. لكنّ الكُردَ أيضًا ليسوا سذّجًا ولا يريدون تكرارَ تجربة ايران مع العراق في سوريا. نعم، نحن لا نريد أن يكون لتركيا في سوريا «الجديدة» ما لإيران في العراق «الجديد»!

خارج هذا المشهد يبقى المتظاهرون السوريون. والحق أنّهم لم يتجاهلوا الكردَ: فلقد أصبحتْ كلمة «آزادي» (حريّة)، ذات الدلالة السياسيّة والحقوقيّة والمجتمعيّة، مفردةً حراكيّةً بامتياز، تُردَّد في كل التظاهرات. وتبنّى المتظاهرون شعارًا رفعه الكُرد في أوّل يوم تظاهرات:

«واحد واحد واحد الشعب السوري واحد.»

حلب

* ـ كاتب كرديّ سوريّ.

1 ـ                  المقصود هنا هو عزمي بشارة، الذي أبدى عدمَ ارتياحه، على قناة الجزيرة القطريّة، لذلك التواصل. وهناك عدد من الشخصيّات المعارضة، ولاسيّما فايق المير، الذين وضعوا الكُرد في خانة الانعزاليّة أو أصحاب مشاريع الانفصال.

2 ـ                  إشارة إلى المؤتمر الذي عقده الكُرد السوريين خلال 28 و29 كانون الثاني 2012. وقد أثار لغطًا كبيرًا إلى درجة اتّهامهم بحياكة مؤامرة على المعارضة السوريّة، والقول إنّ النظام سيستغلّ هذا النشاط تحت ستار الحفاظ على الوحدة الوطنيّة. جاء هذا الهجوم على الرّغم من أنّه ليست للكُرد نوايا انفصاليّة، ولم يطالبوا بالفيدراليّة لا في «المؤتمر الوطنيّ الكرديّ» الذي انعقد في الجزيرة قبل ثلاثة أشهر ولا في غيره. لكنّ هذا لا يعني أنْ ليس من حقّهم المطالبة بـ «تقرير المصير» ـ فهذا الحق يجوز للأفراد فكيف إذا كان الأمر يعني شعبًا؟

الآداب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى