صفحات الناس

المؤامرة على سوريا ترفع أسعار البندورة!

مروان أبو خالد

لا يختلف اثنان اليوم حول فكرة أن السياسات النيوليبرالية الاقتصادية التي عبرت عن مصالح بورجوازية “قطاع الطرق”، كانت سبباً أساسياً في اندلاع الانتفاضة السورية، التي تركزت بشكل أساسي في الأرياف الزراعية، لكون أبرز انجازات تلك السياسات في مجال الزراعة تمثلت بتحقيق نمو سالب في العام 2010 بنسبة – 9.6%، فضلاً عن تراجع نسبة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي من 30 إلى 16% العام 2010 حسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء للعام 2012. ولا يزال مسلسل دمار الزراعة مستمراً في ظل السياسات الحكومية نفسها مع تصاعد العمليات العسكرية  في البلاد، حيث أشارت  منظمة “الفاو” إلى تراجع الانتاج الزراعي السوري إلى النصف تقريباً نتيحة للعمليات الحربية، وأن نحو 14% من الفلاحين السوريين لم يتمكنوا من جني ثمار محاصيلهم نظراً للمخاطر الأمنية الكبيرة، وعدم توافر الوقود.

وبعد الإرتفاع الكبير في نسبة أسعار الأغذية ومنها الحبوب والخبز، والتي بلغت بإعتراف الحكومة ذاتها حوالي 120%  في مجمل سورية، تحطم أسعار البندورة اليوم رقماً قياسياً هو الأعلى في تاريخ سورية، حيث تراوح سعر الكيلو في دمشق ما بين 100-125 ليرة، بعدما كان سعر الكيلو متذبذباً خلال العام الفائت، ووصل الى حوالى 70 ليرة في الفترة الماضية قبل الإرتفاع الأخير في الأسعار.

وكالعادة، جاءت تصريحات الاقتصاديين الحكوميين في غاية الابتذال في محاولة يائسة لتلميع صورة الحكومة وإلقاء اللوم على أسباب موضوعية خارجة عن إرادتها. بعضهم رأى أن الأحداث الأمنية في منطقة الزبلطاني بدمشق والتي يتواجد فيها سوق الهال المخصص لبيع المنتجات الزراعية هي من تسببت في الارتفاع الخيالي لأسعار البندورة، إضافة إلى أن المعروض الحالي في الأسواق هو من البندورة المستوردة والتي يشتريها التاجر من الخارج بسعر يترواح بين 35-45 ليرة، حيث قد يرتفع السعر أكثر نظراً لتقلبات أسعار الصرف. بعض آخر أرجع ارتفاع الأسعار إلى نقص المعروض الموسمي من مادة البندورة وارتفاع أسعار النقل الناجم عن الأوضاع المتدهورة في البلاد، ولا سيما في محافظة درعا وريف دمشق التي يتركز فيها معظم إنتاج البندورة.

غير ان آراء المنظرين هؤلاء لا يمكن أن تصمد أمام النقد، فحدوث توترات أمنية في منطقة الزبلطاني لم تكن سوى نتيجة السياسات الحكومية نفسها في اعتماد العنف بإدارة الأزمات الاجتماعية. عليه، تكون الحكومة وحدها من يتحمل، بناءً على هذا المنطق، مسؤولية ارتفاع سعر البندورة وغيرها من السلع الغذائية. ولو سلمنا جدلاً بأن سبب إرتفاع أسعار البندورة مردّه إلى التوترات الأمنية في منطقة الزبلطاني فقط، فلماذا ارتفعت أسعار البندورة إذن في محافظة تعتبر آمنة نسبياً ولم تشهد أحداث عنف كطرطوس والتي تعتبر من المحافظات المنتجة للبندورة. إذ خصصت هذا العام 80760 بيتاً بلاستيكياً لزراعتها، وبرغم ذلك وصل سعر كيلو البندورة المنتج محلياً في المحافظة إلى 80 ليرة خلال الفترة الماضية أي ما يفوق أربعة أضعاف تكلفتها تقريباً. فإلى جيوب من تعود كل هذه الأرباح؟

من ناحية أخرى، ما سبب اعتماد تجار السوق الموالين للحكومة طبعاً، على ترويج البندورة المستوردة في بلد بلغ متوسط إنتاجه السنوي في السنوات الأخيرة من محصول البندورة حوالي 580 ألف طن، وكان مصدّراً للبندورة في سنوات سابقة، كالعام 2003 الذي صدرت فيه سورية ما يقارب 218 ألف طن من البندورة؟ بالطبع، الجواب الوحيد الممكن عن هذا الأسئلة يتمحور حول العمليات العسكرية التي تشن على كل المحافظات، لاسيما محافظتي ريف دمشق ودرعا، حيث تنتج محافظة ريف دمشق 6% من الانتاج السوري للبندورة، بينما تحتل محافظة درعا المرتبة الأولى حيث تنتج 237 ألف طن أي بنسبة 44% من إجمالي الانتاج الوطني حسب احصائيات وزارة الزراعة. هذا يعني أن 50% من انتاج البندورة السورية في محافظتي ريف دمشق ودرعا فقط قد تلف ودُمّر، وأصبح خارج نطاق التسويق، نظراً لما خلفه القصف العنيف من حرق للمحاصيل، وتضرر للأراضي الزراعية، وتهجير للفلاحين. هذا إضافة إلى إحجام المزارعين عن زراعة البندورة، نظراً لارتفاع تكاليف زراعتها بنسبة 100% بسبب الخراب الاقتصادي الكبير وانهيار سعر صرف الليرة السورية وزيادة الانفاق الحكومي العسكري وتكاليفه الباهظة على حساب دعم المواطن، لاسيما في مجال السلع الغذائية اللازمة لبقائه على قيد الحياة.

بناء على ذلك، يمكن القول أن ارتفاع أسعار البندورة ومختلف أنواع المواد الغذائية يدق ناقوس الخطر حول مجاعة حقيقية قد تحصل في البلاد. فالأمن الغذائي للمواطن السوري اليوم على حافة الهاوية في ظل نهج اقتصادي تدميري يعطي الأولوية للانفاق على الأعمال الحربية من جهة، وإطلاق يد التجار وحيتان السوق الموالين للحكومة في احتكار المواد الغذائية والمنتجات الزراعية وبيعها بأسعار تبلغ أضعاف تكلفتها.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى