صفحات المستقبل

المثقّفون .. وتاريخ “لحم أكتافهم” .. !!


تأمّلات ..

ما إن تواترت الأنباء عن مشاركة الموسيقار “مالك جندلي” بما وصفت كـ”أكبر مظاهرة” في “واشنطن” ضد “النظام السوري” .. حتى سارع “نشطاء الفيس بوك” في “نبش” صورة قديمة له .. بجانب “الرئيس” وعقيلته .. يظهر فيها “الجندلي” كما لو كان يتودد للـ”رئيس” ليقبل منه أسطوانة “ألبومه الموسيقي” كهديّة .. !!

الصحفيّة “غدي فرنسيس” .. تلك التي أثارت “بلبلة” كبيرة قبل أيّام بابتكارها لوصف “قندهار” في تحقيقها الصحفي عن مدينة “حماة” .. آثرت إلا وأن يكون لها رأياً .. حين كتبت :  ليس مالك جندلي وحده…نص اللذين يتبجحون بالمعارضة اليوم، لحم كتافهم من النظام، وكانوا ينطرو على باب القصر ساعات.

قبلها بأيّام .. لم يحتمل الصحفي -الرائع حقاً- “إيّاد شربجي” الصمت أكثر أمام “الحملات” التي استهدفته بعد مشاركته في “مظاهرة المثقّفين” .. والتي اشتدّت مع توثيقه لتفاصيل “اعتقاله ورفاقه” في سلسلة من المقالات .. فما كان منه إلا أن كتب “مقالاً” على “صفحته” على “الفيسبوك” يجهد  فيه تنصّلاً من أيّ تملّق سابق للنظام ورموزه .. دون أن ينكر لقاءاته السابقة بالسيّدة “أسماء الأسد” .. أو “افتتاحيّاته” التي كان قد أكّد فيها  دعمه –كغيره أنذاك كما يقول- للمواقف السياسية الخارجيّة للسطلة السوريّة ..

وإذا ما وسّعنا المشهد  قليلاً  ليشمل الشهور القليلة الماضية .. ستتكثّف المشاهدات الشبيهة حدّ التكرار المتعب والممل .. إذ قلّما سنقع على أمثلة لمثقّفين ومفكّرين ومشاهير وقفوا ولو بخجل بجانب الحراك الشعبي السوري .. دون أن يُنبش  من خلفهم تاريخ “لحم أكتافهم” .. والذي لا بدّ أن يكون قد عبر “سفر التكوين” من بين أصابع “النظام” .. جبلته من “عدم” فكان .. أو أخرجته سحراً من عباءة سوداء .. لولا “الخفّة” و”الشعوذة” ..  ما خرج .. !!

ولنا من “أصالة” وفضائل “القائد الخالد” عليها .. و”منى واصف” حين لم يجدوا “تثميناً” لها يتخطّى خناق “وسام الشرف”  .. أمثلة شهيرة .. !!

الأدب الشعبي .. مقابل .. الأدب العربي .. !!

يصرّ “النبّاشون” على أنّ هؤلاء “المثقّفين” قد أصابهم “مسّ” من “خرف” .. فنسوا .. وتملّكهم “العقوق” .. فأفلتوا “الطرف” من “جلباب” الأب .. وتجبّروا !!

هذه النظرة .. قد تأسر لوهلة .. خصوصاً وأنّها تمتلك من “الحقيقة” ما ييسّر لها أن تُدعّم غالباً بشرط “المؤثّرات” السمعيّة والبصريّة اللازمة .. حتّى يتعذّر في النهاية أن تقرأ بيانات “أصالة” الثوريّة دون أن يحاصرك صوتها تغنّي “حماك الله يا أسد” .. أو أن تستمع لترانيم الحريّة يعزفها “مالك الجندلي” في “واشنطن” دون أن تستذكر صورته متودّداً للـ”أسد” في سوريا .. !!

إنّه إذا .. حكم ذو طبيعة “أخلاقية” .. يستخدم مفردات من جنس “الخيانة” و”العقوق” في التعبير عن نفسه .. فالجرم هنا .. ليس في “التملّق” .. بل يكمن في “الانسحاب” المفاجئ من موقف “المتملّق” .. إلى موقف “الخصم” و”العدو” .. !! .. ورغم أنّ “الحدث” فيه ما يفترض أن يغري حقاً بأن يتمثّل “بصحوة الضمير” .. وهي “الصورة الدراميّة” المألوفة عادة عند أبطال “التراث الشعبي” .. الشرّير الماكر الذي “يكذب” و”يخدع” ويظهر مالا يبطن ..ثمّ يصحو فيه “ألضمير” فجأة في نهاية الحكاية .. ليكون –أي الضمير- كفيلاً وحده بأن يصرع الجبروت فيه … وقد يودي “بحياته” أحياناً أو يصيبه بخبل أو جنون .. أو .. الأكثر شيوعاً .. أن يهبّ بروحه وماله نصرة للحقّ ببطولة مذهلة .. !! .. أقول رغم ما يغري في هذه القصص أن تمثّل بصورة مألوفة كهذه .. إلا أنّ المرجع الأخلاقي هنا لا يفترض أيّ حكم “سلبي” على “التملّق” لذاته .. بل في الحقيقة هو يرفع من قيمته ويمجّده .. وربّما كان يستند في هذه النقطة تحديداً .. على تراث كامل من “الأدب العربي” يخلّد قصائد “المديح” التي ألقيت في كنف “السلطان” أو “الخليفة” مقابل حفنة من مال .. وهو “التراث” الذي تمسّكت به “الدكتاتوريّات” المعاصره وكرّسته .. فصرعت تركة “القبضاي الشامي” المتمرّد على الظلم والاستبداد … وأحيت أخلاق “المتملّق” و”المنتفع” الذي لا يبتغي رسالة .. إلا ثناء السلطان ..

تراجيديا .. !!

أردت مرّة مع بعض الأصدقاء .. قبل عشر سنوات .. إنشاء “مجلّة ورقيّة” غير ربحيّة .. يتم توزيعها داخل نطاق المؤسسة التعليميّة التي ترعانا .. وما كان لنا إلا أن سعينا وراء “الموافقات الأمنيّة” التي فوجئنا بأنّها تيسّرت فعلاً .. ولم يزعجنا شرط مرور كلّ عدد تحت مقصّ الرقيب قبل نشره .. إلا أنّ الصدمة كانت .. حينما تمّ فرض “اسم المجلّة” علينا ومضمون “المقال الافتتاحي” .. فإمّا أن تسمّوها بمسمّى “أشبال الأسد” .. أو .. لكم أن تنسوا الفكرة من أصلها .. !!

لم يكن الخيار حينها .. بين أن تكون “متملّقاً” .. أو لا تكون .. بل كان بين أن تتملّق “لتكون” .. أو .. أن ترضى بأن لا “تكون” .. !! .. أو .. خيار ثالث .. أن يتلبّسك “القبضاي الشامي” .. وتدخل في غمار ملحمة “تراجيديّة” .. ما كان أحد يصدّق .. أن يثمر من رحمها غير “الألم” .. “ثورة” ..  !!

أيّها “النبّاشون” .. تعالوا لنتذكّر أكثر .. !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى