صفحات سورية

المجلس الوطني وتحديات الثورة السورية


محمد رشيد

مخاطر كثيرة و كبيرة تحيط بالثورة السورية، لكنها تتقدم صعودا الى قمة المجد والنصر، وتقدم أغلى شباب سوريا قرابين “للحرية والكرامة”، بل حتى أطفال سوريا أصبحوا الوقود الحيوي لهذا الكفاح الجماعي، ولا يمر يوم دون ان يسقط طفل او اكثر شهداء برصاص غادر يتعمد استهدافهم لحرق قلوب أمهاتهم وآبائهم، ولكن أيضاً يقتلون الأطفال بعد خطفهم وتعذيبهم بوحشية تكاد تتفوق على وحشية هتلر.

لكن الثورة السورية التي لا تخاف “العدو” المباشر، ممثلا بـ”الرئيس” وآلته الوحشية، وحلفائه في الداخل والخارج، مهددة بتبديد تضحياتها، وعدم بلورة أهدافها بشكل واضح، لغياب التفاعل الحيوي، والعمل الدؤوب، والتصعيد المتسلسل، وفق أجندة واضحة من المجلس الوطني السوري، أجندة لا تقتصر على برامج السفر ومواعيد المقابلات السياسية او الإعلامية وتوجيه النداءات، بل خطة متكاملة من الألف الى الياء، وان يسمي المجلس الاشياء بأسمائها الواضحة، فلا وقت للدم السوري المراق لمجاملات داخلية او عربية او دولية، وعلى اهمية البقاء جبهة متحدة، الا ان بقاء المجلس متحدا مع الشعب ونبضه، اهم بكثير من إرضاء هذا المعارض او ذاك، او هذه العاصمة او تلك.

هل هذا كثير؟ لا أظن ذلك، فالثورة لم تعد في الاسبوع الاول من عمرها، ولا حتى في الشهور الستة الاولى، ولابد لقيادات المعارضة ان تقبل بصدر رحب توجيه اللوم اليها، لأنها وحدها المسؤولة عن هذا البطء على امتداد الشهور الماضية، ولا فرق ان كان السبب قلة خبرة او عدم اتفاق في الرؤية، او كان صراعا داخليا وحساسيات شخصية، او ان كان بسبب الجامعة العربية، وعلى المجلس ان يكون شفافا مع الشعب، وان يكاشف الشعب بكل شيء، فلم تعد أية علاقة مع أية عاصمة تستحق ان يخسر المجلس ثقة الشعب، ويخسر ثقة هيئات الثورة وقادة الداخل، الذين يتألمون جراء ذلك بصمت، ويدفعون المزيد كل يوم للتغطية على عيوب الخارج، هكذا هو الحال دوما، بين ثورة في الوطن و قيادة في الخارج، هكذا كان الحال بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والشعب الفلسطيني الثائر بوجه الاحتلال .

ولكي لا يعتقد اي احد، ان هذا كلام انشائي وتنظير من برج عاجي، فان ما اقوله يبدو لطيفا ورحيما بالقياس الى مئات التعليقات التي أتابعها يوميا على صفحات ومواقع الثورة، وبقدر ما أرقني الانعدام المبكر لنسق المواقف، سافرت مرات، والتقيت بعض الأخوة في قيادة المجلس في اكثر من عاصمة، وسالت عن كل هذا، ورأيت بوضوح لا لبس فيه بطء اتخاذ المواقف جراء تسويات ومساومات لا صلة لها احيانا بما يفكر فيه الشعب المقاوم للنظام.

مثلا، رفعت الثورة شعار التدخل الدولي، أشهرا قبل ان يتحرك المجلس نحو “التعريب” المشلول، بل ان بعضهم، والى يومنا هذا “يتلعثم” حين تسأله عن مفهوم “التدويل”، أهو إنساني، عسكري، منطقة آمنة، فرق مراقبة، حرية الحركة والعمل للصحافة العربية والاجنبية ام ماذا؟ وأحد الأخوة في قيادة المجلس قال لي وهو سعيد إن “التدويل ” تراجع عدة خطوات لصالح ” التعريب”، في حين، و مما ارى وأقرأ واتابع، الشعب السوري لا يثق أبدا بالجامعة العربية، ولا بأمين عام الجامعة، وقد أعلنت الثورة ذلك منذ شهور طويلة، فهم وبحكم معرفتهم بالنظام ودمويته، يطالبون منذ وقت مبكر من عمر الثورة بالتدخل الدولي بالمعنى الحرفي والواسع، بما في ذلك التدخل العسكري، وسأقبل بحكم الناس على ما اقول، اما ما يساق من حجج ومقارنات مع التجربتين العراقية والليبية، فما هي الا تبريرات فضفاضة، لان بديل التدخل الدولي القوي، هو استمرار مجازر النظام بنسق متصاعد، مما يجعل ثمن سقوط النظام باهظا جداً، ولا احد يريد نصرا بطعم الهزيمة.

واذا وضعنا جانبا الاجتهادات السياسية، يمكن ملاحظة ان المجلس يفتقد حتى الان الى الاستجابة السريعة للازمات ، و التقاط تطورات الاحداث ، كمنطلقات متجددة للتصعيد و الضغط و المبادرة ، و ذلك ناتج عن عدم نضوج العمل المؤسساتي ، حتى في ابسط صوره ، و الاعتماد على رد الفعل بدلا من الفعل المؤثر، في حين يمكن البدء فورا بخطوات صغيرة ، مثلا ، ان الأوان لان يصدر المجلس ملخصا يوميا للأحداث في مؤتمر صحفي مباشر ، و مثال اخر ، ان يعلن المجلس عن ممثلين ” سفراء ” على الاقل في العواصم العربية و الدولية ، مثال ثالث ، ان يشكل المجلس وحدة ” استخبارية”، لتجميع و تحليل المعلومات في كل ما يتعلق بتحركات النظام و رجاله ، و رصد ارصدتهم في الخارج ، و المجلس لديه اليوم الكثير من الخبرات في صفوف الجيش الحر ، كذلك مؤسسة العمل الشعبي في الخارج لوضع سفراء النظام وسفاراته تحت ضغط شديد، و انشاء وحدة متخصصة للعناية بأسر الشهداء و الجرحى و الأسرى وتكوين صندوق خاص لذلك.

القائمة تطول ، و لدى الثوار عشرات بل مئات الأفكار المبدعة سيفاجئ المجلس بها ، شريطة ان يشعر الثوار بان الجهد ” الايجابي ” المبادر من المجلس قد بدأ ، و ان هنالك فريق متخصص في تلقي هذه المبادرات و دراستها ، و اتخاذ اجراءات بشأنها.

صحيح ان قيادات الداخل اعطت المجلس تفويضا مشروطا في البداية ، لكن وعي هذه القيادات المجاهدة على خط النيران كفيل بان يشكل شبكة أمان للمجلس الوطني في العمل الايجابي الفعال ، و نسبة من الأخطاء مقبولة في كل الثورات ، و لكن ما هو غير مقبول ، ان لا نفعل شيئا كي لا نخطئ و نغضب ، لان ذلك سيكون ” ام ” كل الأخطاء.

كلمة أخيرة ، هناك جرح يجب ان يفتح ليلتئم بطريقة صحيحة ، و على المجلس الوطني ان يحرص عليه اكثر من حرصه على ” بؤبؤ ” العين ، فلقد ان الأوان لمعالجة ملف العلاقة بين المجلس و الجيش الحر بطريقة ” ثورية ” و بعيدا عن ” التأتأة ” ، و هؤلاء الضباط و الجنود وضعوا أرواحهم على اكفهم ، لانهم رفضوا قتل ابناء شعبهم ، و لا ادري اين الخلل ، و لا من هو المسؤول عنه ، ان وجد ، لكني اعتقد انه آن الأوان لإعلان الجيش السوري الحر ذراعا عسكريا و امنيا للمجلس الوطني ، و ان يصدر المجلس و باتفاق واضح مع قيادة الجيش بيانا مشتركا بذلك ، و تحديد مهامه طبقا للحاجة و تطور الاحداث ، و يستحسن الحفاظ على هويته الدفاعية قدر ما امكن ذلك ، و ان يعتبر المجلس ” قائد ” الجيش و نائبه اعضاء طبيعيين في المكتب التنفيذي للمجلس بحكم مهامهم ، و لا ارى اي تعارض بين هذه الخطوة و سلمية الثورة ، و لنتذكر جميعا ان هؤلاء الأبطال خرجوا عن الطاعة العسكرية حين وجدوا ان الأوامر الصادرة اليهم بقتل ” سلمية ” الثورة ، هي اوامر فاقدة للشرعية .

تلك مجموعة ملاحظات و افكار و معلومات أضعها علنا بتصرف الجميع، و لا ادعي اني

اعرف ” شعاب مكة اكثر من اهلها، لكني أخشى إن لم ينهض المجلس الوطني السوري- الآن- أن يكون الغد متأخرا، وسيضطر الشعب الى ايجاد بدائله، ونكون جميعا قد خسرنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى