صفحات سوريةفلورنس غزلان

المحتمل الآتي في خرائط النظام السوري

 


فلورنس غزلان

مازال الرئيس السوري غارقاً في هوامه، مازال يعتقد” وأكثر من أي وقت مضى أنه محبوب من شعبه”!ــ هذا ماصرح به في خطابه البائس البارحة ــ أحاول فعلاً أن أجد تفسيراً لفهمه مشاعر شعبه ولكيفية قراءته للحب عندهم ..أو كيفية تفسيره لمايصدر عنهم من حب فاق حد التصور!، فأدخل الرئيس في تيه يليق بمقامه وجعله يهيم عشقاً بنفسه المؤلهة من الشعب بشكل لم يعهده من قبل في المسيرات المليونية ، التي تخرج زرافات وجماعات مدعومة أمنياً ومفروضة بالتهديد والوعيد وقطع سبل العيش ، تترك وظائفها ومدارسها ومكاتبها..لترفع له رايات الولاء!!، ينتقي رجال أمنه أصنافاً محددة الأوصاف من كافة المحافظات للقاء الرئيس..فيبدون محبتهم ويعرضون مايسمعونه من الشارع ومطاليبه على أنهم ممثليه وأصحابه…لكنهم الحريصون على بقاء الزعيم ابن الزعيم على رأس السلطة!…لا أدري هل هي خيبة الديكتاتور وضعف بصيرته..أم أنها ضيق أفق وُضع فيه منذ تسلم مفتاح سلطة لم تكن على مقاسه..وإنما قصت أطرافها ..وحيكت ثقوبها …كي يتمكن الوريث من التصدر والتسيد والابقاء على الأسرة حاكمة بعصاة الطائفة من جهة والولاء للمصلحة من جهة أخرى وللحزب الضامن للوجاهة وللنفوذ..وبالتالي الولاء للبقاء..ولعبودية دامت حتى الآن واستقامت منذ ماينيف على أربعين عاماً بفضل استخدام كل الطرق الممنوعة والمحرمة …المهم أنها تحفظ كرسي العائلة ..كرسي المملكة ، التي تحاول أن توحي للطائفة أنها حاميها الوحيد ..ولكل الطوائف الأخرى كي تشتت وتمزق اللحمة الوطنية..

فكيف يمكن إصلاح نظام يقوم على هذه الأسس ” عائلة، طائفة، أمن ، حزب قائد للدولة والمجتمع”؟!

دولة بلا مؤسسات..المؤسسات هي أجهزة الأمن ، دولة بلا وزارات، من يقرر ويصدر القرارات هي أجهزة الأمن،سلطات ثلاث تختلط مهماتها ..القاضي يؤمر من المحقق في أقبية جهاز أمني وماعليه إلا تلفيق التهم ليثبت أن ما أخذ تحت التعذيب هو الحقيقة..إذن الأمن هو من يحكم..يقول سيادة الرئيس في خطابه الأخير…والذي تصورنا أنه سيخاطب فيه فعلا الشعب من خلال الطلبة الجامعيين، فنصدم بأن معظم المتواجدين ليسوا من الطلبة….وفي مدرج محدود العدد…لماذا لم تقف ياسيادة الرئيس في ساحة من ساحات الجامعة وتوجه كلمتك لكل الطلاب؟ أو في ملعب رياضي ..ممن تخاف؟ ألا يقبض رجال أمنك على الهواء؟ ..حتى الآن لم تواجه شعبك وثبت لدى القاصي والداني أنك الرئيس الأكثر عزلة عن شعبه، والأقل معرفة بشعبه ونفسيته وتركيبته الاجتماعية ..والأقل إدراكاً لمطاليب شعبه ، فراح يختزلها ويسخفها ويقلصها لتتناسب وبقاء سلطته..

لو خلصت لديك النية ..بأنك إصلاحي أو تريد فعلا الإصلاح!…لطلبت من قواتك الأمنية والعسكرية قبل توجهك بالخطاب..أن تنسحب من المدن المحاصرة والمحتلة..ألم تقل أنك القيت القبض على العصابات؟ هذه العصابات المتنقلة بسرعة الصاروخ من جنوب سوريا في حوران..إلى شمالها في الرستن وجسر الشغور ومعرة النعمان..ناهيك عن شرقها في دير الزور والبوكمال ووسطها في حمص وحماة ودمشق..وتبين لديك اليوم أنهم مجموعة من ” الجراثيم” !..لابد لنا هنا من تذكر ابن عمك القذافي حين وصف الثائرين بالجرذان ..نعم أيها الطبيب..عندنا الكثير من الجراثيم ونحتاج للكثير من المبيدات كي نخلص البلاد من سطوتها ونعيد لسوريا ألقها الحضاري وعنفوانها وكرامتها، التي هدرتها ووالدك وأعدتها إلى عصور الرق، لو خلصت لديك النية وأنت الحاكم الفرد صاحب الصلاحية المطلقة..لخرجت على الشعب بحزمة مراسيم تضع حداً للموت ..تضع حداً للتفتت والتشتت والمزيد من النزيف للأرواح والاقتصاد، فلماذا تشكيل لجان ولجان ولجنة تمحي كل اللجان؟!! ألا يعني هذا محاولة الالتفاف وكسب الوقت ..؟ ألا يعني هذا المزيد من الوعود ، التي تدخل البلاد في المتاهة ولتعيد لسلطتك قبضتها..؟ أو هكذا يهيأ لك ولعائلتك..الزمن والوقت لا يعمل لصالحك ياسيادة الرئيس، الشعب السوري صبر أربعين عاماً ونيف..وحبل صبره طويل وجلده وتحمله منسوخ عن أيوب نفسه..وكلما طال أمد حصارك..كلما زاد تصميمه وقويت عزيمته وإصراره على التغيير ونقل سوريا من الاستبداد إلى عالم الحرية والديمقراطية ودولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية، الدولة المدنية ، التي كتب شروطها وسطرتها أيدي الشباب السوري، الذي لم تلتقيه ولا تعترف به…أبناء” لجان التنسيقيات المحلية السورية”..

منذ أكثر من عشرة أعوام وأنت تشكل اللجان وتعد المشاريع ثم تدخل في الأدراج ولا ترى النور…لأنك وسلطتك لاتستطيعون الإصلاح..لأن نظامك عصي على التغيير…لأنك تعلم أن عليك الرحيل وتسليم السلطة وزمام الأمور ولو بشكل مؤقت وسلس…لكن هذا لايدخل في مخططك العقلي ولا مخطط الأسرة والطائفة والأمن..تطالب اللاجئين الهاربين من الرمضاء..من الموت..من عسكر وأمن جرف كل أخضر وقضى على كل حياة أثناء زحفه..ومازال يقبض على المدن والقرى التي دخلها..وتريدهم أن يأمنوا جانبك ..أن يصدقوا هذرك ويعودوا..وهل يصَّدق من نكث عهده وعاد عن وعوده من قبل مع أهالي درعا..ومع غيرها؟..فهل يلدغ المؤمن من جحر مرتين؟..لقد نهب جيش شقيقك وأمنه كل بيوت ومحلات درعا وباعتراف من محافظها الحالي، الذي رفعت له الشكاوى من المنكوبين بأموالهم وبيوتهم …فطالبهم بكتابة عرائض وقوائم بالمفقود من بيوتهم ومحلاتهم…فصدقوا وفعلوا…لكنهم لم يحصلوا إلا على الهواء…فأين اختفت كل هذه المسروقات؟ ومن يمتلكها الآن؟ ..وهذا بالضبط ماحصل ويحصل لأهالي جسر الشغور ومعرة النعمان وكل بيت دخلته عصابات الشبيحة والنهب وكأنهم يغزون عدواً..أو عادوا لعادات الغزو المغرقة بالجهل والجاهلية والبربرية.

يحضرني قول جداتنا.(.حكى بدري )…لكنا تمنينا ألا يحكي بدري..وأن يظل مختبئاً في ظل عنف الأخ والصهر..وأجهزته الأمنية…التي ترسم له معالم المؤامرة وتزرقه بصور إعلام ” قناة الدنيا” وتوحي له ..ولكل المخبولين…أن العالم وإعلامه يتآمر، وأن مواطنيه المتظاهرين يتلقون الدعم الخارجي..والدليل أجهزة الموبايل المتطورة!!..تريد أن تقطع عنهم كل سبل الحياة ” ماء، كهرباء، خبز، تلفون أرضي ومتحرك، أنترنت..وتمنع عنهم أي إعلام صادق غريب أم قريب ، عربي أم أجنبي”..فمن سينقل الحقيقة على الأرض ياسيادة الرئيس؟، وبأي طريقة يمكن نقلها والمواطن محاصر؟.ــ لعلمك وعلم أجهزتك ــ…أن هذه الأجهزة المتطورة هي تبرعات من المواطنين أنفسهم ..من المقتدرين منهم لأبناء الثورة كي يتسنى لهم نقل صوت الحرية ..الصارخ من كل شارع وحي على أرض سوريا…ليصل هذا الصوت ولتصل صور الإجرام ، التي ترتكبها أجهزة أمنك وقواتك المدربة والمزودة بأحدث الوسائل وشبيحتك…الذين لم تأت على ذكرهم. بحق أبناء بلدك..أنت المسؤول الأول عن كل ما آل إليه الحال وعن كل قطرة دم أريقت وعن كل جلدة ذاقها مواطن أو طفل على أيدي الجلادين المفبركين والمؤهلين بالحقد والكراهية للمواطن…للحرية..التي لم تذكرها بخطابك الخطير!! ..في اليوم المئة ياسيادة الرئيس..تزيد أجهزتك من مخططات الفتنة والتفتيت بإطلاق المظاهرات المضادة لاحتجاجات الشعب والموالية لك..تريد الايقاع بين أبناء الوطن الواحد..تريد الصدام وتبحث عنه..هذا ماتعنيه المظاهرات المؤيدة ..ولا معنى آخر لاطلاقها..هو طريق السيد علي عبدالله صالح والقذافي ومن شابه أخاه ماظلم.

لكني واثقة من وعي شباب الثورة السورية من وعي لجانها، وأنهم لن ينزلقوا ولن يسقطوا في حفر مخططاتك التفتيتية، بل أثبتوا ويثبتوا وعياً وحساً وطنياً يفوق تصورك …يوم قلت عليهم يوماً لجورنال وول ستريت..أنهم” غير مؤهلين ولايملكون وعياً لبناء ديقراطية” أي أنهم قُصَّر..وهكذا يصرح من اخترتهم من أزلامك..ثم تعود اليوم لتبلع ماقلت ..فتقول أن” شعبك واعٍ وحسه الوطني عالٍ” ..هو كذلك وهو يستحق…لكن وعيه ناتج عما ذاقوه وعرفوه وعايشوه من ظلم وقمع..لا بفضل توعيتك الطلائعية والشبيبية والبعثية..وبيدهم وعلى أيديهم ستنتقل سوريا إلى الحرية ..إلى دولة متحضرة مدنية تساوي بين مواطنيها دون تمييز..دون تفضيل لحزب وطائفة..أو لموالٍ أو معارض..وإن غداً لناظره قريب.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى