صفحات العالم

المحرّم السوري

 


الياس الزغبي

لافت ومثير هذا الصمت السياسي اللبناني عن التطوّرات الدمويّة والدراماتيكيّة في سوريّا.

بل، مُبك ومُضحك، في آن.

اذا كانت 14 آذار معذورة في حذرها وترقّبها، لئلاّ تُرمى بالشماتة وتُتّهم بالتواطؤ والتدخّل والتشفّي، على خلفيّة صراعها المرير مع نظام الأسد، فانّ صمت 8 آذار يصمّ الآذان ويضجّ في حالة الصدمة والارتباك، وفي ازدحام الأسئلة والتلهّف حول مصير النظام الحاضن.

ويزيد في صدمتهم انكشاف دور مجموعات من “حزب الله” وايران في قمع الانتفاضة السوريّة في درعا ومحيطها، وهتافات المعارضين السوريّين ضدّ هما.

وكأنّ مئات القتلى والجرحى لا تكفي كي تهتزّ ضمائر هؤلاء، بل يبذلون جهودهم الاعلاميّة والترويجيّة لحصر أعداد الضحايا وتصويرهم مجرمين وارهابيّين وشذّاذا ومندسّين.

عشرات آلاف المتظاهرين في دمشق وحمص وحماه وحلب ودرعا وجوارها والقامشلي، وحتّى في اللاذقيّة وطرطوس، تحوّلت، في وسائل اعلام “الممانعين”، الى عشرات الأنفار الخارجين على “قانون الطوارىء” الذي توارثوه أبا عن جدّ على مدى نصف قرن، ولا بدّ من شنّ حملة تأديب عليهم لاعادة من يبقى منهم حيّا الى بيت طاعة النظام المعصوم.

والمسألة ليست فقط سياسيّة ، فقد يبرّر الارتباط السياسي انحياز هؤلاء الى النظام وخوفهم عليه، لكنّ المشكلة هي أخلاقيّة قبل أيّ شيء آخر: يتباكون على “دوّار اللؤلؤة” في المنامة ويخرّبون من أجله قلب بيروت ويدمّرون أملاك الدولة والناس ويؤزّمون علاقة لبنان بالبحرين ويهدّدون رزق آلاف اللبنانيّين، ويغرقون في صمت القبور المكلّسة أمام هول القمع الدموي وجموح آلة القتل لدى الجار الحليف.

غريبة ومؤذية ازدواجيّتهم، وسطوة مصالحهم، وأولويّة وظيفتهم الاقليميّة على مصلحة وطنهم ودولتهم، اذا بقيت هناك بقيّة من وطنيّة وانتماء الى لبنان وأهله ووجوده.

ليس المطلوب، بالتأكيد، الاصطفاف ضدّ النظام السوري، واستباحة ساحات لبنان لدعم المنتفضين عليه، ولا العكس.

بل المطلوب اعتماد معيار انساني واحد، ومعاينة الحقائق بالعينين الاثنتين.

ومن الحكمة أن يتبصّر “حزب الله ” تحديداً بنتيجة تدخّله في الأحداث السوريّة لمصلحة نظاميه الحاضنين في دمشق وطهران. فمنذ الآن بدأت نقمة الشعب السوري ضدّ دور وحداته ووحدات “الحرس الثوري الايراني” في مساندة عمليّات القمع في درعا وسائر المدن والأرياف السوريّة، عملاً بالمعاهدة الاستراتيجبّة الثلاثيّة منذ لقاء دمشق بين نجاد والأسد ونصرالله، فماذا سيكون موقف هذا الحزب ومصيره حين تنتصر ارادة السوريّين على النظام؟ وماذا سيفعل أصحاب الأوداج المنتفخة الذين يخرجون على الناس بالويل والثبور ، وبالوعيد والتهديد، من متاريس الشاشات؟

تبصّر آخر مطلوب من الملتحقين الجدد بالنظام السوري، المتهافتين عليه تارة على السجّاد الأحمر والطائرة الرئاسيّة ولقب الزعيم المشرقي، وثانية تحت راية الحجّ المبرور والسعي المشكور، وثالثة تحت عباءة الوصاية والخضوع لاشارة تأجيل الحكومة أو تشكيلها. هذا التعقّل بات ملحّاً، لئلاّ يدفع المسيحيّون المغرّر بهم ثمن الالتحاق بـ”الممانعة” المتحوّلة وترك الثابت الأصيل.

 

المتحوّل يترنّح تحت أزمته، والثابت يترسّخ في أرض لبنان والمشرق.

ألم تصفع رسالة الراعي الجديد للكنيسة أسماع هؤلاء وعيونهم المذهولة، وهم على بعد أمتار منه، مهجوسون بمصير مرجعيّتهم المتهاوية، ومصدومون بعهد البطريرك الجديد في التزام المسار التاريخي لبكركي، واشارته الحاسمة الى نجاح سلفه في رفع الوصاية والاحتلال؟

من نظر الى وجوه هؤلاء وامتقاعها أمام الكلام البطريركي الرسولي، أحسّ بالشفقة.

اللهمّ لا شماتة، ولا كيد أو تشفّي.

بل دعاء من القلب والضمير، كي يهدي الله الخراف الضالّة ، فتعرف صوت راعيها الصحيح، وليس صوت الأجير الكبير أو الصغير، الماضيين الى حتفهما.

بل نصيحة بالتحرّر من المحرّم السوري، قبل فوات الأوان.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى