صفحات سورية

المخاض السوري والإلهام التونسي


مع الفوز البيّن لحركة “النهضة” في الانتخابات التونسية، تكون قد تحققت أسوأ نبوءات العلمانيين وهواجسهم، ليس في تونس وحسب، بل في مجمل البلدان العربية خاصة تلك التي تشهد ثورات شعبية ضد حكامها، مثلما تكون “صدقت” تحذيرات هؤلاء الحكام المتكررة بأن رحيلهم يعني تلقائيا وصول الإسلاميين إلى السلطة.

ولعل من أكثر البلدان التي تشهد جدلا مبكرا، وسوف يحتدم في المرحلة المقبلة حول هوية البلاد المستقبلية، هي سوريا التي تعيش مخاض تغيير عسيرا تخطه الدماء في الميدان، اضافة إلى الأفكار المتناحرة التي تتعارك في الندوات والمؤتمرات وفضاءات الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

ومن اللافت هنا، وجود تساوق كبير بين ما تشيعه السلطة من مخاوف بشأن القوى البديلة منها وهي في نظرها الإسلام المتطرف، والمخاوف التي باتت تطفو على السطح لدى من يقولون أنهم يمثلون قوى الحداثة والعلمانية ومعظمهم ينحدرون من الأقليات الموجودة في البلاد والتي يقدر أنها تمثل نحو 30 في المئة من السكان.

وإذا كان من المفهوم أن بعض ما يورده هؤلاء العلمانيون من حجج قد تكون مجرد ذرائع لتبرير الإحجام عن الانخراط في الحراك الشعبي القائم والذي ينظرون إليه كحراك سني بالدرجة الأولى، فانه في المقابل ثمة مخاوف جدية لدى بعضهم صغيرة أو كبيرة، تتصل بطبيعة القوى التي قد تصل إلى السلطة على ظهر هذا الحراك، وما إذا كان من الممكن أن تكون إسلامية متطرفة تضيّق على الأقليات أوتحاول فرض أسلوب حياة جديد يناسب تفكيرها.

وإذا كانت حركة “النهضة” التونسية نجحت في تقديم تطمينات، بل وبرامج عمل سياسية واجتماعية مكنتها من كسب ثقة الشعب التونسي والمجتمع الدولي. وإذا كانت ليبيا الخارجة لتوها من معارك السلاح والفقيرة سياسيا، والمتجانسة ثقافيا إلى حد بعيد، لم تنزلق بعد إلى معارك الهوية، فان الصورة تبدو مختلفة في سوريا، حيث سلطة ينظر إليها كسلطة أقلية مذهبية، وحيث المعارضة  التي لا تجد في الغالب ما تفعله للتأثير على الحراك الشعبي في بلادها، لديها متسع من الوقت للخوض في جدل من هذا القبيل، وهو جدل سمته العامة التطرف الذي يصل أحيانا حد التشنج والعنف اللفظي. وكما ان هذه المعارضة لم تتوافق بعد إلا على خطوط عريضة بشأن أسلوب التعامل مع الأزمة الراهنة، فان شقاقها يبدو أوضح عند الحديث عن هوية البلاد المستقبلية السياسية والثقافية، ولتزداد الصورة تعقيدا مع اضافة المكون الكردي الذي يأخذ النقاش بدوره إلى اتجاه آخر، يوحد هذه المرة بعض تلك المكونات في مواجهته على قاعدة قومية.

 ورغم هذه التعقيدات الإضافية في الحالة السورية، فلا شك في أن الجميع فيها يراقب التجربة التونسية، ليس بشأن ما يمكن أن تقدمه حركة “النهضة” والقوى الجديدة لبلادهم  (وهذا اهتمام لاحق) بل ينصب اهتمامها على كيفية صياغة العلاقة الراهنة بين هذه القوى وطريقة تقاسمها لكعكة السلطة والأخطاء التي ارتكبها كل طرف وساهمت في تقليل حصته من هذه الكعكة.

هذا بالنسبة للمعارضة السورية، أما السلطة فهي تأمل في تصيد أخطاء جسيمة لحركة “النهضة” تبرهن معها على مقولات السلطة، (وكل السلطات العربية) بشأن خطورة البديل الإسلامي، خاصة بعد إشارة راشد الغنوشي في مقابلة تلفزيونية بأن حكومته المقبلة سوف تغلق السفارة السورية في تونس، وتعترف بالمجلس الوطني كممثل للشعب السوري.

والملاحظة الأخرى التي تساق في هذه السجالات تركز على ما تعتبره فوارق بين الإسلام المعتدل في تونس والإسلام المتشنج في المشرق العربي الذي عاش تجارب التنظيمات السرية ومارس أحيانا  العنف المسلح في الصراع على السلطة.

عدنان علي – دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى