صفحات الناس

المخيّمات أُمّ الحكايات

 

ماجد كيالي

(إلى شهداء المخيمات وإلى أحمد ومنير وأنس وأيمن وغسان..)

لم يشعر فلسطينيو سوريا يوماً بأنهم متروكون، وأنهم باتوا لوحدهم في مواجهة مصيرهم، وإزاء معاناتهم ومشكلاتهم وآلامهم، وحتى مشاعرهم، كما باتوا يشعرون اليوم، مع أنهم لم يقصّروا يوما في سبيل قضيتهم وشعبهم وحركتهم الوطنية، فقد ضحّوا ودفعوا الثمن الباهظ، في سبيل ذلك، طوال العقود الماضية.

هذا هو قدر الفلسطينيين في سوريا، فهم يواجهون عسف النظام، وعنفه الاجرامي، مثلهم مثل السوريين، وفي الوقت نفسه هم يعانون من الإنكار، أو أقلّه اللامبالاة، من قبل “منظمة التحرير”، أي من قبل ممثلهم الشرعي والوحيد.

ليس القصد من ذلك دعوة المنظمة، وفصائلها، للدخول في حرب مع النظام السوري، فليس هذا المطلوب، ولا هو بمقدور عليه، بخاصة وأن الفلسطينيين شبعوا من هكذا حروب، وإنما القصد أن هذه المنظمة لم تفعل ما توجبها عليها مكانتها، باعتبارها الكيان السياسي الجامع للفلسطينيين، والمعبّر عنهم، والمدافع عن قضاياهم. والواقع فإن المنظمة (ومعها فصائلها) ليس فقط نأت بنفسها عن ما يجري في سوريا، وإنما هي نأت بنفسها عن هذا الجزء من شعبها، وعن مكانتها التمثيلية، ليس من الناحية السياسية، فقط، وإنما حتى من الناحية الأخلاقية، أيضاً.

هكذا، أثارت مواقف الفصائل الفلسطينية غضب فلسطينيي سوريا، الذين باتوا يتساءلون عن مغزى وجودها، وحقيقة دورها، ومعنى تمثيلها لهم، إلى حدّ قيام بعض النشطاء بتنظيم نوع من حملة، على صفحات فيسبوك، استنكرت هذه المواقف. وهذا عبد الله الخطيب (مخيم اليرموك) الذي بادر إلى كتابة بيان شخصي عبّر فيه عن ذلك، بقوله: “يوم الجمعة القادم، جمعة المخيمات أم الحكايات.. حكايات الشهداء أحمد ومنير وأنس وايمن وغسان وبسام وأبو عذاب وبلال.. المخيم حكايات المعتقلين خالد ومحمد وسلمى وحسام وهايل.. المخيم حكايات الجرحى قصي ووليد ورائد ومحمد.. المخيم حكايات الثكالى ام محمد وأم عمر وأم وليد.. المخيم حكايات اليتامى سالي الحلوة وعلاء البريء ولما الامورة وأحمد الشقي.. المخيم حكايات المهجرين والمنفيين. أبو سعيد وأبو راوية ومعتصم ويزن وسمير وثائر وعبد وحسن وباسل وعمار ويوسف.. المخيم حكايات الصامدين حسان وسامر وأحمد نيراز ورضوان وأسامة وحسام وعبد عماد وأبو سلمى وباسل وليد.. المخيم حكايات الناس الطيبين.. أمي وأمك وأم الشهيد وأم الجريح وحكايتنا. وأم المخيم.. المخيم حكاية كل اللاجئين المخيم حكايتنا.. المخيم جوامع كتير وصوت الله اكبر بكل دقيقة.. المخيم جدل ولمّة الشباب والصبايا وشمس ولمّة المراهقين الحلوين.. يوم الجمعة القادم جمعة المخيمات أمّ الحكايات”.

المهم أن هذه الحملة بات لها بروفايلها المتمثّل بصورة شاب/ة من دون ملامح وجه، مع كوفية فلسطينية، وقد استبدل به المشاركون صورهم الشخصية، بحيث امتلأت صفحات فيسبوك به، كما بات لهذه الحملة كتابها، والمعبرون عنها، والمتعاطفون معها.

في هذا الإطار كتب الشاعر أياد حياتلة: “المخيّم هو صوت أبو سعيد الحطّيني والحسون وأبو عرب وريم كيلاني وريم بنّا وميس شلش ولاجئين الراب وكل واحد عم يعمل إشي ليحكي حكايتنا.. المخيّم هو إبن عمّي اللي اتْقنّص، وأخوك اللي استشهد تحت القصف، وأمك اللي تهجّرت، وبيتنا اللي الله أعلم شو مصيرو بهالميمعة.. المخيّم هو إمّيات الشهدا والأسرى والمعتقلين والجرحى، هو ولاد الشهيدات وبناتهن وأبّياتهن كمان.. المخيّم هو كل الفلسطينيين السوريين والسوريين الفلسطينيين، أهلنا وأخواتنا وحبايبنا عالحلوة والمرّة.. المخيّم هو العالم المجهولة اللي عم تشتغل عالسكت ومش ناطرة شكر من حدا.. المخيّم هو عبد الله اللي اخترع هالقصّة كلّها وخلّى العالم تفضفض وتحكي. المخيّم هو أصل الحكاية، وخاتمتها لمّا بنرجع على فلسطين”.

وعند راشد الهندي فإن “المخيم هو الحارة اللي كنت ألعب فيها وأنا صغير واتعرّفت على أعز أصدقائي فيها، اللي كل واحد فينا هلأ صرنا ببلد، ورغم هيك بعدنا أعز صحاب.. المخيم هو سنرجع يوماً لما تسمعها من فيروز ع الصبح، وهو حنظلة وخريطة فلسطين المرسومين ع كل الحيطان، وهو ريحة الخبز الطازا ع الصبح، والسهرة ع سوكة الحارة أو ع الأسطوح.. المخيم هو يوم الأرض، لما كنت أهرب مع شباب المخيم من مدرستنا بالشام لننزل ونشارك بالمظاهرة بالمخيم، وتمرق المسيرة من قدام بيتنا ويشوفني أبوي الله يرحمه هربان من المدرسة، ويصير يبهدل ويخانق، ورغم هيك أشوف بسمة عمبتطل من عيونه ووقتها أعرف ليش اختار نسكن بالمخيم.. المخيم اني أكون من الطيرة، بس جيراني وصحابي من لوبية وصفد وغزة والطنطورة واجزم والجاعونة وطبريا والضفة وغزة لأنو المخيم جامع الكل.. المخيم هو انك ما تحتاج تقرأ غسان كنفاني، ولا تحتاج تعرف كاريكاتير ناجي العلي، ولا تحتاج تسمع شعر محمود درويش، ومع هيك بتكون شايفهم وحافظهم وعارفهم لأنك عايش اللي عمبيحكو فيه.. المخيم هو لما ييجي العيد وتشم ريحة الكعك اللي عم بينخبز من كل نسوان الحارة ع السهرة، وتصبح تزور المقبرة وتشوف أهل المخيم كلها رايحة معك، وبعد ما تزور امواتك، تمرق ع مقبرة الشهدا.. المخيم متل أمه فلسطين، مش ضروري تكون عايش فيه حتى تكون ابن المخيم، هو بضل معك وين ما رحت، لأنو وطن”.

وبالنسبة إلى شكري ريان فإن “المخيم هو المكان اللي لما تقّرر تعيش ولو على أطرافه ومن بعيد بتلاقيه مقصدك كل يوم المسا بعد الشغل، وبتكتشف إنك ما عاد عندك لا وقت ولا رغبة تروح لأي مكان تاني، وحتى مانك قدران ترجع لحارتك، إلا للزيارات وعلى عجل، لأنه في حدا أو شغلة ناطرينك بالمخيم.. المخيم هو لما بتفوت بحارة وما تعرف تطلع منها.. مش لأنها بتضيع، بس لأنه في على الأقل خمس، ست، سبع.. بيوت لرفقاتك هنيك، وأكيد ما راح تمر بدون ما تلمح أخ أو ابن عم أو حدا من عيلة واحد من رفقاتك، وتلاقي هل القريب طالع ويرجع معاك لجوا وهو آخدك من إيدك لتشربو قهوة.. مع إنك بتكون قاصد تزور بيت رفيقك التاني اللي بعده ببيتين! المخيم هو الأثر اللي ما راح تتعب وأنت عم تدور عليه جواتك أو جوات أي حدا عرفته وعرف المخيم.. المخيم هو نفسه، اليرموك، اللي أول ما بيخطر ببالك لما تيجي كلمة مخيم وبأي سياق كان”.

أما رفيدة ابو حشيش فتقول: “انا ما عشت بالمخيم.. بس المخيم هوّي ذاكرتنا ووجدانّا وعشقنا لفلسطين وريحة فلسطين والعمل الثوري وصور الشهدا يلّي معلقة عالحيطان وخارطة فلسطين الموجودة بكل بيت وصورة القدس وريحة الخبز وسوق الخضرة والميرمية والزعتر ونسوان المخيم يلّي كل وحدة قد عشر رجال والتنوّع العجيب بين الناس الفقرا والأغنيا والمشحرين.. ومحلات البالة والماركات والبسطات.. بالمخيم عشت أحلى اللحظات والسهرات والأعراس وما رح أنسى تشييع الشهدا والزلاغيط.. ورحلات الجامعة يلّي كانت تطلع من المخيم وأغاني الثورة والدبكة.. قد ما حكيت ما رح يخلص الحكي والذكريات والحنين.. فعلاّ المخيم كل مخيم اصل الحكايات والروايات أصل كلشي”.

طبعاً، لم تخل هذه الكتابات من التعبير بلغة ساخرة، أو غاضبة، يقول علاء عبود: “احنا الفلسطينية عنا سلطتين وحكومتين و15 فصيل وما حدا قدنا أو متلنا.. بس لما انقتل 1200 منّنا بسوريا ما طلع ولا قيادي أو فصيل حكى عنهم.. ولما تحاصرت مخيماتنا كمان ولا حدا حاول يتضامن معهم”. أما نادية عيلبوني فكتبت: “بغيظني موقف ممثلي السلطة في أي بلد عربي لما يبدوا يتشدقوا برفض السلطة لتوطين الفلسطينيين! قال هدول اللاجئين لازم يبقوا لاجئين بلا حقوق لبينما شو؟ لبينما توافق اسرائيل على عودتهم الى وطنهم؟ أكتر من 65 سنة وبعدهم لاجئين ولا يزالون بحملوا وثائق سفر وما بقدروا يتنقّلوا متل البشر وقال شو؟ لازم ينتظروا إحقاق حق العودة؟ ولكم يا (.. ) إذا كانت سلطتكم مش قادرة تفتح تمها وتقول للنظام السوري يكفّ عن تدمير المخيمات وقتل الفلسطينيين بدكم تقدروا تجيبولنا من اسرائيل حق العودة؟!” وبدوره فقد كتب الفنان سمير خليلي: “المخيمات أصل الحكايات، بس يبدو الحكاية هون مختلفة هالمرة، هون الدم رخيص.. رخيص كتير لدرجة إنو قنبلة دخانية بالضفة.. بتعمل ضجة وفزعة وكاميرات وصفحات عالفيس.. أكتر من شلال دم مفتوح، هون بمخيمات سوريا.. المخيمات أصل الحكايات.. إي بس هالمرة كانت الحكاية سورية واللي ما بحسّ بالسوري ما حيحس بالفلسطيني يللي بسوريا.. واللي ما بيفرق معو عشرات آلاف الشهدا، ما رح يفرق معو إذا زدلو فوقها كم ألف شهيد فلسطيني.. اكتشفنا هون وبهالسنتين إنو الدم مالو جنسية.. بكفي يكون عندك دم. شوية دم بسّ!” وهذا ماعبّرت رنا عوايس بقولها: “تُذبح مخيمات الفلسطينيين في سوريا ولبنان وتُحاصر في مشاهد لا تُذكّر إلا بتل الزعتر وصبرا وشاتيلا ولا يقابلها سوى الصمت الشعبي والرسمي المخزي. كالأب الذي يكتم أنفاس ابنته كي لا تصرخ فيمسّ ذلك بشرف العائلة لأن أخاها هو من ضربها، كالأم التي تخجل أن تتضامن مع ابنتها المذبوحة بيد أخيها لأن الأخ يمون ودم أخته مُباح له، هكذا يتصرف الفلسطينيون مع اخوانهم اللاجئين الضحية الأكبر للإحتلال الصهيوني، الذين تسابقوا للاستشهاد على ثرى وطنهم السليب وانغرسوا في ترابه قنابل وورود. في المخيمات فلسطينيون يموتون ببطولة وكرامة على طريق فلسطين.. وفي فلسطين فلسطينيون مرضى بنرجسية الشعب الاستثنائي سالكين الطريق المعاكس”. وفي الإطار ذاته من الغضب كتب نصري حجاج: “يعني الفلسطينية اللي بسوريا ولبنان مهابيل وأخوات (.. ) وما حدا منهم بيفكّر متل العباقرة اللي برام الله او غزة او في الـ48 وما حدا بيفهم بالسياسة وكلهم عملاء لإسرائيل والامبريالية القطرية وأميركا او غشيت أبصارهم عن الحقائق التي لا يراها غير هؤلاء العباقرة الأمميين والمقاومين اللي شايفين الشي اللي ما حدا شايفه من فلسطينية سوريا ولبنان، انو قديش هالنظام ثوري ومقاوم وحرّر فلسطين أو راح يحرّر فلسطين وإحنا يعني واقفين بطريقو لأننا مش فلسطينية؟! يا أخي شو إحنا مخلوقات فضائية. والله قرفنا وزهقنا وفرفطت أرواحنا. بس بصراحة احنا اللي بنفهم لأنو الدم أقصر طريق للفهم”.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى