بمثابة تحية إلى نساء سوريةصفحات مميزةغالية قباني

المرأة السورية: 6 نقاط حول المشاركة السياسية: غالية قباني

 

غالية قباني598468_10151160537862656_1581761619_n

“الطريقة الأكثر شيوعا لتخلي البشر عن قوتهم هي في الإعتقاد أنهم لا يملكونها في الأساس”.
(أليس ووكر الروائية والناشطة النسائية الأميركية/ الإفريقية)

بعد سنتين تقريبا على بدء الثورة وحراكها في الداخل والخارج، آن الأوان أن تنهض النساء باتجاه مزيد من المشاركة في صنع القرار السياسي كي لا يتشكل مستقبل سوريا السياسي بصورة عرجاء بالإعتماد على جنس واحد. إن غياب النساء عن قيادة المشهد السياسي للمعارضة السورية هو لقناعتهن أحيانا بأن النشاط السياسي وقيادته شأن ذكوري بحت، سببه ثقافة مجتمعية طويلة مضمونها أن مكان المرأة بيتها ومطبخها، بينما انشغل الرجال بطبخ السياسات التي تحدد مصير البلاد بعيدا عن مشاركتهن، بما فيها المشاركة بالرأي المكتوب.
بحسب حصاد الربيع العربي، لا تزال السياسة العربية لعبة ذكورية بامتياز رغم الإنتفاضات التي أرادت اسقاط النظام القائم بكل رموزه. فالمشهد السياسي المستجد يستبعد الشباب والنساء بحجة غياب الخبرة في العمل السياسي، لكن ما يحدث هو تكريس لغياب الخبرة، حتى يدور الحراك السياسي في الحلقة المفرغة إياها، وتبقى المقاعد محجوزة للرجال فقط ومن متوسطي الأعمار. وهكذا لا تقود معطيات الحراك الشعبي في الربيع العربي إلى شروط سياسية جديدة إلا بحدود، حيث يعود القادة من الرجال إلى عقلية الحكم التقليدي والمعارضة التقليدية مع تزيين القيادة بوجه شاب ووجه آخر لإمرأة، في سياق إثبات مشروعية وراثتهم للحراك الثوري. إنه سلوك من التجاهل أسميه “البقعة المعتمة”، تلك الزاوية التي ترد في شروط قيادة السيارة ويطلب من السائق التلفت الى الخلف أثناء القيادة، لأن بعض التفاصيل لن تعكسها مرآة السيارة.
النساء السوريات لا زلن في تلك البقعة، رغم أنهن كن حاضرات بقوة في تظاهرات أحياء دمشق وحمص وحلب وحماه وكل المدن والقرى السورية. وقبل أن يقفز البعض إلى نتائج مفادها أن النتيجة سببها حضور الإسلاميين بقوة في مؤسسات المعارضة، نقول أن تجاهل حضور النساء في الحراك يعمّ الجميع بمن فيهم العلمانيون، إذ تستدعى النساء على الأغلب لملئ خانة “المرأة”، في حدّها الأدنى، وللتأكيد على ان الخانة غير شاغرة من المرأة في حال التقى رموز المعارضة مع مسؤولين من العالم الغربي.
وقد ساهم التجاهل المتعمد أو المقصود لإشراك المرأة السورية في قيادة مؤسسات المعارضة إلى تردد النساء في إقتحام المشهد السياسي لاعتقادهن بأنهن لا يملكن الإمكانيات الثقافية والنفسية للتصدي لموضوع التمثيل السياسي، على الرغم من أن كثيرا منهن كن ناشطات على أرض الواقع أو في المهجر في مجالات التظاهر والإغاثة والاعلام والتواصل مع بعض الجهات الدولية لشرح قضية شعبهن. كما أن إستهداف المرأة التي تشتغل في الشأن العام بالإشاعات والأقاويل شدّ بعضهن بعيدا عن هذا الدور للأسف.
إذن هناك عدة نقاط يجب أخذها بعين الإعتبار عند الحديث عن مشاركة المرأة السورية في النشاط السياسي عموما، سواء ما خص المعارضة الحالية أو الحراك السياسي الذي سينشأ بعد سقوط النظام. والتركيز عليها الآن قد يساعد في تجاوز العقبات نحو مزيد من المشاركة:
-تعميم عثرات المرأة: إن كل خطأ في الأداء ترتكبه ناشطة سياسية بسبب ضعف تجربتها وثقافتها السياسية، يعمم على بنات جنسها فيقال أن النساء لا يصلحن للعمل السياسي والمثال “فلانة”، بينما تبقى عيوب الرجل شخصية لا تنعكس على أداء زملائه الرجال عموما. وهذا أمر مفهوم في ظل حضور الرجل الطويل في قيادة العمل السياسي، سواء في الحكم أم في المعارضة، الأمر الذي أدى الى تمييز القيادات عن بعضهم البعض كل بحسب أدائه.
-عدم الصلاحية للعمل السياسي: إقتنعت النساء طويلا أن السياسة مهنة ذكورية بإمتياز وبأنهن جاهلات فيها. لننظر إلى تقاليد الفرجة التلفزيونية عند عموم الشعب السوري، لا النخبة، حيث يتبين أن نشرات الأخبار والبرامج السياسية يشاهدها الرجال في العموم أما المرأة فنصيبها المسلسلات والبرامج الترفيهية التي تنسيها همومها اليومية قليلا. من هنا يقع على عاتق “المرأة السورية الجديدة” الأكثر وعيا من بنات جنسها، إقناع بقية النساء أنه في سوريا الجديدة لا يجب ان تتنازل المرأة عن مهمة تمثيلها سياسيا وتشريعيا إلى الرجال، وتتركهم يخططون للمجتمع ويسنون قوانينه ويقودونه بمفردهم بما فيها القوانين التي تخصها. ولا يعني هذا أن تعمل كل النساء في السياسة، لكن يجب توعيتهن بأن الترشح حق لهن ولبنات جنسهن، وأن الإنتخاب أداة للمشاركة في صنع القرارات السياسية. وهذا يتطلب كثيرا من الوعي في ما يحصل حولهن من في المجتمع، عليهن أن يتصرفن كشريكات من حقهن أن يسألن كيف تسيّر الأمور في المجتمع والدولة، لا كتابعات للقادة تمشي مياه السياسة من تحتهن وهن في حالة إستسلام لها.
-غياب الخبرة العملية: يُستخدم ضعف الأداء الناتج عن غياب تراكم الخبرات في العمل السياسي حجة ضد المرأة ليستمر إستبعادها من قيادة المشهد السياسي، ولتبقى اللعبة بين الرجال فقط. وهنا يجب التأكيد على حاجة النساء اللواتي يملكن الاستعداد للعمل السياسي، إلى تنشيط أدائهن من خلال ورشات العمل المتخصصة لمحو أميتهن السياسية، سواء بمبادرة من النخب النسائية أو بمساندة من الرجال الذين يساندون مشاركة المرأة في العمل السياسي. كذلك دعم حضورهن في بعض المواقع القيادية السياسية ولو الوسطى، بقصد إكتساب الخبرة، فمن دون مشاركة عملية في الحياة السياسية لن تتعلم المرأة من اخطاء أدائها أو حسناته.
-ممارسة العمل السياسي حق: الإشراك الرمزي للمرأة في بعض التجمعات السياسية للمعارضة السورية يتم، كما أشرنا سابقا، من منطلق أنها تملئ خانة فارغة، أي تمثيلها لبقية النساء، والصحيح أن مشاركة المرأة السياسية يأتي من حقها كمواطنة في أخذ فرصتها في المشاركة في إدارة مجتمعها، وليس لتمثيل النساء الأخريات فقط. ونذكر هنا أن من مبادئ الإتفاقيات الدولية لحقوق الانسان “أن يكون للجميع حق الترشح والإنتخاب”. أنه من أساسيات شروط “المواطنة”.
-المرأة تضيف مقاربة جديدة للمشهد السياسي: إن مشاركة المرأة في القيادة السياسية كعنصر جديد وافد على المشهد السياسي سيرفد السياسة بمقاربات تجدده، تماما مثل المقاربات التي تحملها مشاركة الشباب وبقية مكونات الشعب السوري المستبعدة، بعد أن كان المشهد محصورا بميراث من المفاهيم السياسية أنتجتها عقلية الرجال خصوصا من متوسطي الأعمار.
-تشكيل جماعة ضغط سياسي: في النهاية تجدر الإشارة إلى الحراك النسائي الثوري الذي بدأ يتكون بصورة جدية في الشهور الأخيرة مثل المؤسسات البحثية وورش العمل والمجالس النسائية، وكلها تناقش شؤون الجندر من المساواة وتوحيد صوت المرأة في قضايا المشاركة السياسية والتشريعية في الفترة القادمة من تاريخ سوريا، هو جهد إيجابي مطلوب لخلق دور جديد للمرأة السورية بعيدا عن الدور التعس الذي وضعها فيه النظام البائد والذي تعامل مع منظمتها (الوحيدة) رسميا، مثلما تعامل مع المؤسسات الشعبية الاخرى بتبعيتها لحزب البعث، من دون ان ينعكس ادعاؤه بالعلمانية على ارتفاع نسبة تمثيل المرأة حتى ضمن قيادات مؤسسات النظام نفسه. وفي هذه النقطة تحديدا، يجب ملاحظة أن هذا التيار يخص النساء من كل التيارات السياسية أو من غير المسيّسات حتى، لأن العمل هو نحو مزيد من مشاركة المرأة في صنع القرار السياسي العام، ومن جهة اخرى مواجهة صناع القرار بخصوص القوانين والتشريعات التي تطبق على المرأة مثل قوانين الاحوال الشخصية، او البنود التي تخص المرأة في الدستور الجديد، أو تحديد نسبة مشاركتهن في القيادات الإدارية، إلخ من هموم تخص عدم مساوتهن بالرجال في المجتمع.

* كاتبة وصحفية سورية

اللوحة للفنانة سلافة حجازي، وهي تشارك بلوحاتها في محور: بمثابة تحية إلى نساء سورية.

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى