صفحات العالم

المراقبون العرب والأزمة السورية


غازي دحمان

أثارت تصريحات أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي، حول التزام السلطات السورية سحب المظاهر العسكرية من البلاد، استياء وغضب الشارع السوري الثائر، ذلك أن هذا التصريح يأتي انعكاسا للبشائر الأولى لتقارير بعثة المراقبين العرب التي لم يشاهدها الشارع السوري إلا للمحات تشبه مرور نجوم السينما بحشود المعجبين، الأمر الذي دفع أهالي حماة إلى البحث عن (وفد الأشباح) الذي مر ولم يره أحد، فكيف تسنى لهؤلاء التأكد من واقعة سحب المظاهر المسلحة من المدن والبلدات، في حين أكد رئيس اللجنة محمد مصطفى الدابي أن فريقه لم ير دبابات وإنما بعض المدرعات.

 وفي الواقع تثير بعثة المراقبين العرب إلى سوريا جدلاً واسعاً بين الناشطين السوريين والمدنيين حول مدى إلمامها بما يجري على الأرض، فقد وصل المراقبون متأخرين جداً، قليلي العدد، وبصدقية محط اختبار، ليجدوا في استقبالهم سلطة موتورة تنظر إلى مهمتهم على أنها عملية “ملغومة” ومفبركة.

وذلك  بالنظر إلى النوايا التي رصدتها السلطات السورية على هامش البحث في إطلاق مهمة الفريق وطريقة وآلية العمل التي سيعتمدها والتي سعت إلى تعديلها بالملاحظات التي قدّمتها على شكل البروتوكول وتوقيته تارة وحول مضمونه تارة أخرى قبل التوقيع عليه.

كما ويخشى الناشطون السوريون غرق المراقبين في التفاصيل التي تحيطهم بها السلطة بما يحولهم إلى شهود زور يواكبون استمرار المواجهة الدامية. فعددهم المعلن حتى الآن يقل عن مائتي مراقب علما أن المراقبين الذين قاموا بمهمة مماثلة في كوسوفو عام 1998 كان عددهم ألفين في بلد أصغر من سوريا بنحو عشر مرات.

 وتأتي مهمة بعثة المراقبين العرب في ظل استقطاب هائل بين الأنظمة العربية وليس بين الشعوب العربية وهناك مناخ واضح المعالم في هذا الاتجاه ما يعني أن عمل البعثة والخلاصات التي ستصل إليها قد يتحول إلى مجال للسجال وتصفية الحسابات بين الأنظمة العربية المختلفة في رؤيتها للحدث السوري، مما قد يهدد بتحول الجامعة العربية إلى عامل مفجر للأزمة السورية أكثر منه عاملاً مساعداً على إيجاد مخرج لها.

 وإذا كان أحد لا يستطيع الزعم بمعرفة المعايير التي تحكم اختيار المراقبين العرب لتلك المهمة الإنسانية الحساسة والصعبة، ولا كيفية اختيار العناصر التي تتحمل تلك المسؤولية التاريخية، فإن من الواضح أن السمة الغالبة على تركيبة بعثة المراقبين هي الطابع الحكومي الرسمي (ممثلون عن دولهم) وليسوا خبراء مستقلين الأمر الذي يجعل من مهتهم ذات طبيعة بروتوكولية محضة وتدخل ضمن إطار العلاقات العامة.

 غير أنه وبعيداً عن كل الملاحظات التي يسوقها نشطاء ومراقبون حول البعثة وآليات عملها إلا أن ثمة وقائع جديدة استجدت على واقع عمل البعثة، يمكن وصفها بالانحرافات الخطيرة في طبيعة عملها، ما سيؤثر حكماً على نتائج واستخلاصات فريقها، ذلك أنه عندما قرر المجلس الوزاري العربي إرسال مراقبين إلى سوريا، فعل ذلك في إطار مبادرة سياسية شاملة من أهم أهدافها وعلى رأس أولوياتها تهدئة الوضع الأمني المتردي وتهيئة المناخ العام في البلاد من أجل حوار لحل الأزمة، مع حفظ الحق في التظاهر السلمي لمعارضي الحكم.

 لكن المفاوضات التي أجرتها الجامعة مع السلطات السورية والتي أفضت إلى توقيع دمشق على بروتوكل المراقبين، جعلت المبادرة السياسية تنحرف عن هدف التهدئة والحوار إلى تفاصيل تقنية تتعلق بطبيعة عمل المراقبين.

ومن هذه الانحرافات تحويل عمل المراقبين إلى لجنة تحقيق في هذا العمل العنفي أو ذاك. أي إدخال المراقبين في نفق قضايا تتناول أحداثاً بعينها، وكذلك تحول المراقبون إلى شهود يستند إليهم كل من الطرفين من أجل تأكيد روايته، وتكمن خطورة هذه الانحرفات من إمكانية تمييع عمل البعثة وإغراقها بتفاصيل تجاوزها الحدث السوري، ولا تشكل سوى محاولة لإعادة فحص رواية الثوار عن حجم المأساة التي تعرضوا لها على مدار الشهور العشرة الماضية من عمر ثورتهم، وهنا لا تقتصر الخطورة فقط على إمكانية تجيير النظام تحقيقات البعثة لصالحه، لكنها تكمن بالتأكيد في تقنيات عمل اللجنة وأدواتها غير المؤهلة لمثل هذا العمل، الأمر الذي سيعني تمييع عمل البعثة وضمان الخروج بنتائج غامضة وملتبسة.

 لا شك أن المهمة الأساسية للمراقبين العرب هي مراقبة الوضع على الأرض ومراقبة مدى تقيد (الأطراف) بوقف العنف (مع أن ثمة خلطاً مقصوداً في ذلك بين الضحية كطرف والجلاد كطرف أخر) وسحب الجيش من الشوارع وضمان حق التظاهر للمعارضة، ووفق نص المبادرة العربية وروحها، وقف القتل وسحب القوات العسكرية الحكومية من الشوارع ليتسنى للمتظاهرين التعبير عن رأيهم من دون أن يتعرضوا لإطلاق النار.

 وأن يطلق سراح جميع المعتقلين بسبب الحركة الاحتجاجية. وأن يُستعاد الحوار السياسي مع المعارضة السياسية، استناداً إلى تجربة الشهور العشرة الماضية التي أودت بالآلاف، مع أن النظام كان واضحاً منذ البداية في أنه معنيٌ اضطراراً بـ«بروتوكول المراقبين» وليس بـ«المبادرة العربية».

 ومن المعلوم أن المبادرة العربية هي كتلة متكاملة ولا يجوز حصرها بالمراقبين العرب، وأن المبادئ الأساسية من المبادرة لم تتحقق، فلم يتم وقف العنف، الذي يجري بعضه أثناء الحضور السريع للبعثة، وبالنسبة إلى الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين منذ 15 مارس/آذار، لم يفرج سوى عن عدد قليل منهم على الرغم من أن العدد بالآلاف، حسب المنظمات الحقوقية وهيئة الثورة السورية، أما الرقم الذي ذكره أمين عام الجامعة العربية (3500) فهو لا يشمل سوى أولئك الذين اعتقلتهم السلطات (بشكل عشوائي) في الأيام التي سبقت وصول البعثة وهم في أغلبهم من المتظاهرين العاديين وليسوا تشطاء.

 ومع انطلاق أعمال بعثة المراقبين العرب في نقاط التوتر الساخنة وخاصة في حمص، فإن تقارير دبلوماسية أشارت إلى أن عمل هذا الفريق يكاد يكون بمثابة السحابة التي تغطي حقيقة التفاوض الدائر في غير عاصمة معنية بالملف السوري، حيث تكثر الطروحات سعياً للتوصل إلى الحلول المنشودة، وتتقاطع هذه التقارير مع بعض الرؤى التحليلية التي ترى أن أداء بعثة المراقبين العرب يأتي في إطار مسار التهدئة العام الذي قد يكون الملف السوري سائراً عليه سواء عربياً أو دولياً، في ظل المخاوف من خروج الأمور في سوريا عن دائرة السيطرة، على هذا الأساس من الممكن اعتبار أداء المراقبين، ولاحقاً تقريرهم، يأتي في إطار مساع دولية لاحتواء الموقف في سوريا.

ويتضارب ذلك الكشف وتلك الرؤى التحليلية مع تسريبات تفيد بأن ثمة رأي في بعض الدوائر الغربية يعتقد أنه بإمكان عمل البعثة أن يؤدي إلى تحقيق خرق في الحلقة الضيقة للنظام وبالتالي وبناءً على ذلك توقع انهياره بأقل الخسائر، وهو ما دفع ببعض التحليلات إلى تفسير مشاركة بعض الدول في عداد المراقبين العرب على أنها تأتي في سياق تسهيل عملية التواصل المباشر مع أي من مكونات هذه الحلقة الضيقة.

 تخشى المعارضة السورية ألا يرى المراقبون حقيقة ما يحدث على أرض الواقع وأن يكون تقريرهم  ضعيفاً. ويعتقدون أن النظام لم ولن يسمح للمراقبين بالتحرك بحرية أو التواصل مع شهود عيان مستقلين في شأن القمع، ويرون أن الخطر يكمن في أن يصور المراقبون الأزمة في سوريا على أنها صراع بين جماعتين مسلحتين، ولا شك أن بشائر عمل اللجنة وتصريحات أمين عام الجامعة العربية تسير في هذا الاتجاه.

 فالواضح أن اللجنة باتت ترى الأمر في سوريا بعيون النظام ووفق ما يشتهي، والواضح أن الجامعة العربية تعمل بظروف صعبة ومعقدة فرضتها عليها مواقف أعضائها تجاه الأزمة السورية، وأنها تسعى للخلاص من هذه الأزمة بأي ثمن، مما يعني أن البعثة لم تتحول إلى مجرد أشباح لا يراها السوريون وحسب بل تاهت في زواريب وأزقة الأزمة السورية دون أن يكون لديها خريطة طريق واضحة للخروج من هذا المأزق، الأمر الذي يرشحها بجدارة إلى أحد عوامل الأزمة وليس الحل.

الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى