صفحات العالم

المسألة السورية بين التعريب والتغريب


رغيد الصلح

في غياب حلّ مرتقب للمحنة السورية وما يتردد عن احتمال دخول الصراع مرحلة حرب أهلية، يتردد على ألسنة بعض الأطراف السورية والعربية والدولية مشروع “تدويل” الأزمة . حتى الآن لم تتحدد معالم هذا المقترح، ولكن الأقرب إلى التداول حتى الآن هو سيناريو يشابه ما جرى في ليبيا: تحرك شعبي سلمي/عسكري ضد النظام، تعقبه تغطية سياسية من جامعة الدول العربية فتدخل عسكري أطلسي مباشر ومن ثم إطاحة النظام . السؤال الرئيس الذي يتردد هنا هو: هل هذا السيناريو ممكن؟ هل تتوافر حالياً الأوضاع السورية والعربية والدولية المناسبة لتطبيق هذا السيناريو؟ لقد أجاب مسؤولو جامعة الدول العربية عن هذا السؤال، إذ صرّحوا قبل أيام قليلة لوكالة “الأسوشييتد برس” أن المجتمع الدولي ليس جاهزاً لولوج هذا الطريق، فما الأسباب التي تمنع السير عليه؟

على الصعيد الداخلي السوري توجد عقبات أمام تنفيذ هذا السيناريو في مقدمتها الآتي:

– الانقسام داخل المعارضة السورية حول مسألة التدخل الدولي . إن المحاورات والمناقشات العلنية التي جرت بين أطراف المعارضة السورية تدل على أنه ليس هناك موقف موحد حول هذه المسألة . هناك من يريد التدويل ويصرّ على هذا السيناريو معتقداً أنه الطريق الوحيد للتغيير . ولكن مقابل هذا الرأي، يوجد من يعارض هذا الموقف بقوة ويدعو الى دعم العلاجين العربي والسوري للمعضلة السورية . هذا الانقسام يشكّل عقبة مهمة أمام تدويل المسألة السورية .

– إن النظام في سوريا لم يفقد تماسكه ولا يقف على شفير الانهيار . هناك عدد من الذين كانوا يعملون في مؤسسات النظام، أعلنوا انشقاقهم . ولكن الواضح أن عدد المنشقين عن المؤسسة العسكرية لم يكن كبيراً إلى درجة تهديد وحدة هذه المؤسسة، ورتبهم ومكانتهم داخل النظام لم تكن متقدمة للاستنتاج بأن النظام يفقد تماسكه . ليس بين هؤلاء رموز كبيرة مثل موسى كوسى، أو أبو بكر يونس وعبدالرحمن شلقم الذين كانوا من أعمدة نظام القذافي، ثم انشقوا عنه . إن استمرار تماسك النظام يحدّ من قدرة الأطراف الخارجية على التدخل ضده، أياً كان هذا التدخل .

على الصعيد العربي هناك دول أعلنت ولا تزال تعلن معارضتها للتدخل الدولي ولتدخل دول الحلف الأطلسي ضد سوريا . بعض هذه الدول عارض بالأمس التدخل في ليبيا ويعارضه اليوم، ضد سوريا . والبعض من هذه الدول عارض التدخل في الماضي ويعارضه اليوم لأنه يخشى أن يتحوّل إلى سابقة تؤسس لتدخل لاحق ضد هذه الدول . البعض الآخر يخشى أن يؤدي التدخل إلى قيام نظام جديد في دمشق يصعب التفاهم معه .

على الصعيد الدولي، هناك ثلاثة أطراف رئيسة – على الأقل – أبدت تحفظها على فكرة التدويل وعلى التدخل الدولي المسلح في سوريا، وهي الآتية:

ا- الحلف الاطلسي نفسه، وقد أوضح رئيس اللجنة العسكرية للحلف، الجنرال كنود بارتيلس، موقف الحلف من التدخل العسكري في سوريا . جاء هذا التوضيح تعقيباً على ما ردده مسؤولون روس بأن الحلف تداول في المؤتمر الذي عقده خلال الأسبوع المنصرم في بروكسل، بحضور بعض الدول العربية و”إسرائيل” . ولم ينف بارتيلس نفياً قاطعاً التداول في هذا الأمر فحسب، بل أكد أيضاً أن الأطلسي ليس حتى في وارد التفكير في التدخل العسكري في سوريا .

2- روسيا، وقد أعلن وزير الخارجية الروسية لافروف أن التدخل العسكري في سوريا هو “خط أحمر” . ويربط محللون هذا الموقف المتشدد بالانتخابات الروسية خلال شهر مارس/آذار المقبل . ولقد بينت الاستطلاعات الأولية أن المرشحين الأبرز في هذه الانتخابات هم بوتين، وزيوغانوف زعيم الحزب الشيوعي الروسي، وجيرونوفسكي زعيم القوميين المتشددين . وبيّنت هذه الاستطلاعات أن التي قام بها “مركز أبحاث الرأي العام” في موسكو فيما لو جرت الانتخابات اليوم، فإن المرشحين الثلاثة سوف يتقاسمون فيما بينهم 68% من الناخبين الروس، وأن 48% من هؤلاء سوف يؤيدون فلاديمير بوتين . ومن الأسباب الرئيسة التي يعددها المحللون الروس لهذا التأييد، الموقف الذي يتخذه الزعماء الثلاثة تجاه السياسات الأطلسية، ومنها سياسة القوى الأطلسية الكبرى تجاه منطقة الشرق الأوسط . في هذا السياق، يمكن القول إن الاعتبارات الانتخابية تلعب دوراً مهماً في تكوين موقف موسكو المتصلب تجاه المسألة السورية . استطراداً فإنه من الصعب أن يطرأ أي تغيير كبير على هذا الموقف قبل الانتخابات الرئاسية .

3- الصين، ويميل محللون إلى الاعتقاد بأن الصين تعارض التدخل الأطلسي في سوريا، ولكنها لا تذهب في معارضتها إلى نفس المدى الذي تذهب إليه روسيا . بصرف النظر عن هذه المقارنة بين الموقفين، فإن حوافز الصين لمعارضة تدويل المسألة السورية لا تقل عن الحوافز التي تقف وراء المعارضة الروسية للتدويل .

للصين مصالح اقتصادية نامية في المنطقة العربية . لقد حاولت بكين مراعاة مصالح الدول الأطلسية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة إذ إنها سعت إلى الابتعاد عن منافسة هذه الدول في مناطق نفوذها الحالية، واتجهت إلى تنمية علاقاتها الاقتصادية مع دول أخرى في المنطقة مثل السودان التي باتت أكبر شريك تجاري للصين وبوابة لنشاطها الاقتصادي في القارة الإفريقية .

وسعت بكين الى توسيع نطاق استيرادها من النفط السوداني، بحيث أصبحت السودان سادس مصدر للنفط الى الصين . وتضاعفت هذه الصادرات خلال عام 2007 وحده نحو خمس مرات . وساعدت بكين السودان على توسيع مصفاة النفط في الخرطوم . وردت دول الأطلسي الكبرى على نمو العلاقات الاقتصادية بين السودان والصين، بزيادة الضغوط والعقوبات على الخرطوم وبتشجيع جنوب السودان الذي يحوز ثلاثة أرباع حقول النفط السوداني، على الانفصال عن الشمال، وأخيراً بإيقاف تصدير النفط الذي يذهب أكثره إلى الصين .

تمثل الحالة السودانية نموذجاً للمنافسات بين الصين ودول الأطلسي على اكتساب الزبائن والشركاء في المنطقة العربية . في هذا السياق، لا تراعي دول الأطلسي مصالح الصين في المنطقة العربية مثلما تفعل الصين مع دول الأطلسي . لذلك فإنه ليس هناك من حافز لبكين في تسهيل مهام الأطلسي في شرق المتوسط، ولا مبرر لبكين لكي تساعد على تعبيد طريق الأطلسي إلى دمشق أو في غيرها . إن مصلحة الصين في معارضة تدويل أو تغريب أو أطلسة المسألة السورية لا تقل عن مصلحة روسيا في اتخاذ هذا الموقف .

هذه العوامل التي تقلل من احتمال تدويل المسألة السورية، قد تضعف إذا ما استمر النهج الأمني هو الأساس في معالجة دمشق للمعضلة السورية، وإذا لم تقدم على إدخال إصلاحات سريعة وجادة وذات صدقية عالية على الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد . في غياب مثل هذه الإصلاحات قد يصبح تمسك الأطراف العربية والدولية بالخط الأحمر أمراً صعباً ومحرجاً،  ويمنح الأطلسيين فرصة لكسب مواقع جديدة في المنطقة العربية .

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى