صفحات العالم

المساعدات المالية لنظام الأسد إيرانية لا عراقية


سركيس نعوم

ظن كثيرون من المعادين للنظام السوري والمناصرين للثورة الشعبية عليه، التي يكاد عمرها ان يبلغ العشرة اشهر، ان الجمهورية الاسلامية الايرانية حليفته الاستراتيجية لن تستطيع مساعدته على نحو عملي للصمود في وجه العزلة العربية والعقوبات الدولية المفروضة عليه. والدافع الى هذا الظن كان في الحقيقة دافعين. الاول، عدم وجود حدود جغرافية مباشرة بين الدولتين يمكن الافادة منها لتزويد النظام المذكور كل ما يحتاج اليه من مساعدات مادية وعسكرية وبشرية اذا اقتضى الامر واقتصادية ونفطية وما الى ذلك. والثاني، عدم انتظام العلاقة بين نظام بشار الأسد وعراق ما بعد (الراحل) صدام حسين رغم الكثير من الامور المشتركة بينهما. اذ تخللتها مراحل من تبادل الهجمات السياسية، ومراحل من الانتقاد حمّل خلالها النظام العراقي، الذي نشأ بعد اطاحة صدام والاحتلال الاميركي، سوريا مسؤولية الكثير من الاعمال التخريبية والارهابية التي الحقت اذى بالغاً به وبالشعب العراقي على تنوع مكوناته، وتالياً بالاستقرارين السياسي والامني. علماً ان مراحل وإن قليلة من الهدوء سادت العلاقة بين بغداد ودمشق فرضتها احياناً كثيرة المصالح المشتركة للنظام السوري من جهة ولأجنحة محددة من النظام العراقي “الجديد”. كما فرضتها مصالح ايران التي تتمتع وباعتراف “العارفين” وكلهم من عرب واجانب بنفوذ واسع داخل العراق وخصوصاً في اوساط مكوّنه الشيعي. إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة، يعرفها متابعو العلاقة السورية – العراقية بعد سقوط صدام حسين، هي ان فترات المطر والعواصف التي تخللتها كانت اقل من فترات الصحو. كما لا يلغي حقيقة اخرى هي ان العلاقة بين سوريا والعراق قبل إطاحة صدام حسين ونظامه لم تكن سوية، بل كانت علاقة عداء تام وقطيعة غالب الاحيان، وعلاقة تبادل “الاذى” الامني كلما استوجبت الاوضاع الداخلية عند كل منهما ذلك رغم “بعثية” النظام فيهما. علماً ان العلاقة بين البلدين الشقيقين المتجاورين جغرافياً اللذين يشكلان معاً قلب الامة العربية، واللذين يوفر اجتماعهما قوة للعرب قادرة على مواجهة الاستهدافات الخارجية اقليمية كانت ام دولية، علماً ان هذه العلاقة لم تكن سوية ايضاً قبل حكم “حزب البعث” للبلدين ولأسباب عدة منها التنافس على الزعامة العربية، والخوف من سيطرة احدهما على الآخر، مع وجوب عدم نسيان التأثيرات الخارجية المتنوعة التي لم تكن تحبذ يوماً أي تقارب فعلي وثابت وجدي وطويل الأمد بينهما. وفي هذا المجال يلفت متابعو تطورات للأوضاع في العراق الى ان شعبه او بعض شعبه (ربما يصح اطلاق تسمية الشعوب على مكونات الشعب العراقي مثلما فعلنا في لبنان) يُحمّل سوريا بشار الاسد مسؤولية التدهور الأمني في بلاده بعد الاطاحة والاحتلال. فهي التي كانت تُدخِل اليها الارهابيين الآتين من لبنان والاردن وتركيا. وهي التي كانت تستقبلهم وتدرّبهم. وهي التي آوت “زعيماً” لبعث العراق “مقاوماً” للاحتلال وللنظام هو يونس الأحمد ومكّنته مع بعثيين آخرين من الاستمرار في “المقاومة”. فهل يسمح ذلك بأن يتحوّل العراق وسوريا حلفاء فجأة؟ طبعاً لا. لأن ما في القلب يبقى فيه ولا يخرج فيجرح إذا قضت مصالح القوى الكبرى الاقليمية بذلك.

في أي حال، يقول المتابعون أنفسهم، ان الكلام عن مساعدة العراق لنظام سوريا اليوم فيه الكثير من المبالغة. فهو لا يقدّم اليها اموالاً نقدية. وحدها ايران تتكفل بذلك لأن لديها حسابات او اموال خارج مؤسسات الدولة يستطيع نظامها التصرّف بها. لكنه فتح اسواقه لسوريا، وبدأ تفعيل الاتفاقات الاقتصادية الموقّعة معها في السابق. وهذا امر يساعدها في تخفيف اثر العقوبات عليها. والفضل في ذلك يعود الى ايران التي تريد ان تبقى قادرة على التواصل الجغرافي مع سوريا عبر العراق، كي تستمر في تنفيذ مخطّطها الاقليمي المعروف، وقبل ذلك لكي تنجح في تلافي انهيار النظام فيها. ذلك انها (اي ايران) لا تستطيع وربما لا تريد انقاذه بالقوة العسكرية لأنها بذلك تهدّد نفسها وتحديداً النظام الاسلامي فيها.

هذا عن العراق وسوريا، ماذا عن تطورات الوضع الداخلي في الأول؟ المتابعون لأوضاعه من قرب يقولون انهم يخشون انفجار الوضع الأمني وعودة الحرب الأهلية. ويقولون أيضاً ان المرجع الأعلى آية الله السيستاني ليس مرتاحاً لما يجري. انه يحمّل كل السياسيين والمسؤولين مسؤولية التردي الراهن، ولذلك فانه يمتنع ومنذ مدة عن استقبالهم. ويقولون ثالثاً، انه يمتلك رؤية واستشرافاً للوضع العراقي قد يضعهما قريباً موضع التنفيذ.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى