صفحات سورية

المستبد يخاف الحمام الزاجل

 


محمد حسين الأطرش

كثر الذين تلقوا بدهشة تناقل وسائل الإعلام خبر المرسوم رقم 45 الصادر عام 1966 والقاضي بتجريم تربية الحمام الزاجل تاركا لوزارة الدفاع في الجمهورية العربية السورية سلطة التمييز بين الحمام الزاجل وغيره. كثر أيضا هم الذين ضحكوا ومعهم حق. ألا يقال: شر البلية ما يضحك.

لكن إسمحوا لي أن أقول لكم بأن السلطة التي تجرم تربية الحمام الزاجل إنما هي سلطة تعرف ماذا تفعل بدقة متناهية دون إغفال أي كوة صغيرة أو كبيرة يمكن لها أن تصيبها في مقتل. نعم يمكن أن تصيبها في مقتل! كيف ذلك؟

يدرك المستبد أنه وأجهزة أمنه يستطيع السيطرة على كافة أنواع الإتصالات سواء من خلال وسائل الإتصالات المعروفة آنذاك كالبريد والتلغراف أو بواسطة الإضطلاع على الرسائل البريدية المرسلة إلى أشخاص بعينهم. كما يدرك وهو المسيطر على كافة منافذ الدولة البرية والبحرية والجوية أن ما من شيء يخيفه يمكن تسريبه من خلال تلك المنافذ. ولأن المستبد بطبعه إنما يخاف أشد الخوف من المعلومة سواء بتسريبها للخارج أو تهريبها للداخل فإنه كان مدركا أن الأمر الوحيد الذي يخرج عن سيطرته هو القدرة على السيطرة على وسيلة الإتصال عبر الرسائل التي يحملها الحمام الزاجل. لذلك كان هذا المرسوم الذي يظهر إلى حد بعيد ذلك الخوف المترسخ لدى المستبد. أجل المستبد يعيش مع خوفه الدائم وفي ذلك يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الإستبداد ” إنَّ خوف المستبدّ من نقمة رعيته أكثر من خوفهم من بأسه؛ لأنَّ خوفه ينشأ عن علمه بما يستحقُّه منهم”.

وبالطبع تساءل الكثيرون لماذا المستبد والأجهزة التابعة له ما زالوا محتفظين بهذا المرسوم حتى اليوم وبعد أن أصبحت وسائل الإتصال والتواصل تتم بسهولة ويسر في ظل الإنترنت وما أدخلته للمجتمع من قدرة على التواصل والإتصال؟ السؤال أكثر من مشروع لكن الإجابة عليه بسيطة.

الجواب أن السلطة المستبدة بقيت تفكر بنفس ذهنية الفترة التي صدر فيها المرسوم لذلك لم تتنبه يوما بأن الحمام الزاجل صار موجات ضوئية تنتقل عبر ألياف دقيقة لتنقل الصوت والصورة دون عناء مغادرة طاولة المكتب وأحيانا كثيرة صار الهاتف كاميرا محمولة وآلة تسجيل وجهاز إرسال. علينا إذا أن نشكر المستبد على إقامته في عصر الحمام الزاجل وإلا اما رأينا ربيعا عربيا.

صحيح أن المستبد العربي قد تنبه لحجب بعض المواقع التي استفزته لكنه بقي جاهلا بأن تقنيات كثيرة تتيح لنا الوصول إلى ما نريد. نعيش ربيعا عربيا بفضل ذلك.

محق برنارد شو بالقول: “الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون تغيير أي شيء”

للتأكيد على ذلك ولتعرفوا أن الكثير من قوانين المستبد صارت تبدو غبية قاصرة النظر عليكم بمراجعة العديد من القوانين التي تمنع التجمع في جماعة تزيد عن شخصين أو أكثر، وهي قوانين موجودة في غالبية الأنظمة العربية، في حين أنه بات متاحا للكثير منا أن يجتمع مع الآلاف دون أن يغادر بيته يتبادل وأياهم كافة المواضيع.

محظوظون نحن بالمستبد ومراسيم حمامه الزاجل لأن الحمام الزاجل الذي نطلقه حاملا الرسائل عبر ألياف الآنترنت صار يحمل لنا الأمل بربيع دائم.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى