صفحات مميزة

المعادلة السورية الجديدة:آليات السقوط أوالتغيير ومدى امكانية تحققهما؟


محمد سيد رصاص

(نص كلمة في اللقاء التشاوري الذي انعقد بدعوة من مركز أولف بالما- ستوكهولم-السويد بين يومي8-10102011حول الأزمة السورية . أرسلت الكلمة للجنة المنظمة للقاء من أجل أن تلقى بالنيابة لعدم تمكني من تلبية الدعوة بسبب استمرار منعي من السفر)

في يوم الجمعة18آذار2011،ومن خلال المظاهرة التي اندلعت في مدينة درعا وماأعقبها من مظاهرات في مدن سورية عدة،تم طي صفحة عهد8آذار1963.ولكن، ومن خلال ستة أشهر ونصف من حراك اجتماعي كبير ضد السلطة السورية لم تتحقق على أرض الواقع الملموس كتابة لصفحة سورية جديدة،بل نشأ استعصاء آتٍ من توازن دقيق:حراك اجتماعي لم يستطع اسقاط النظام(أوقمة هرمه كماجرى في تونس ومصر)،وسلطة لم يعد بإمكانها أن تحكم وفق النمط الذي كان قائماً طوال فترة ماقبل18آذار2011.

هذه معادلة سورية جديدة،لم تستطع أحداث1979-1982السورية،ولاماسمي ب”ربيع دمشق:2000-2001″،تحقيقها:تأتي عوامل تكوُن هذه المعادلة من الخارطة الاجتماعية للإحتجاجات السورية،التي لم تستطع تجاوز حدود أرياف ومناطق مهمشة من حيث الاستثمار الحكومي أوأصيبت بأضرار كبرى نتيجة تدهور الزراعة السورية خلال العشر سنوات الأخيرة(ريف دمشق- ريف حمص وحماة- ريف وبلدات محافظة ادلب- ريف و بلدات محافظة ديرالزور)أ ومناطق عانت من التهميش الاقتصادي- الاجتماعي (البلدات والمدن في محافظة درعا)ومناطق وبلدات عانت من هذا وذاك زائد الاضطهاد القومي(بلدات ذات غالبية كردية في محافظة الحسكة)ومدن عانت من تدهور مكانتها الاقتصادية خلال العقود الثلاثة الأخيرة(حمص وديرالزور )ومدن انضاف فيها الشيء الأخير إلى آلام جروح ماضية لم تندمل بعد(حماة).

اجتمع فقدان الحريات السياسية ووجود الفساد الكبير في الإدارة الحكومية مع تلك العوامل المذكورة في تلك البقاع الجغرافية السورية،المذكورة أعلاه،لكي يتم انتاج حراك اجتماعي في لحظة وضح فيها أن هناك رياحاً أدت إلى نشوب موجة ديموقراطية في عموم المنطقة العربية،كماحصل في أميركا اللاتينية طوال عقد الثمانينيات وفي بلدان الكتلة الشرقية بين عامي1989و1991.

من الواضح هنا أن العوامل الاقتصادية-الاجتماعية كانت هي الصاعق المفجر للاحتجاجات،فيماكان الفتيل للصاعق في درعا هو حادثة اعتقال بعض أطفال المدارس،بينمافي أماكن أخرى،مثل مدن دمشق وحلب والرقة،لايمكن تفسير السكون الاحتجاجي(أوضعفه الشديد)من دون الاقتصاد. الملفت للنظر في هذا السياق هو اتجاه الحراك الاحتجاجي الاجتماعي السوري إلى اعتبار (السياسة)هي المدخل إلى التغيير وأنها باب البيت الذي يضم غرف(الاقتصاد)و(الاجتماع)و(الإدارة)و(القانون)و(الثقافة)و(حياة الفرد)،وهذا هو السبب في عدم طرحه لمطالب اقتصادية أوخدمية أواجتماعية أولمطالب فئوية(مثل التي تخص وضع الأكراد مثلاً)حيث ينطلق المحتجون من اعتبار تبديل شكل ومحتوى السلطة السياسية كشرط مدخلي لتحقيق المطالب في تلك الحقول.

هذا الحراك لم يستطع انشاء توازن سوري جديد يؤدي إلى سقوط النظام(أواحداث تغيير من داخله)ولاإلى اجبار النظام على تحقيق اصلاحات جدية،ولاعلى شيء أعلى من هذا الأخير وهو قبوله بآليات انتقال(من خلال توافق بين السلطة والمعارضة أوبعضها)من مرحلة الإستبداد إلى مرحلة الديموقراطية.مااستطاعه هذا الحراك هو وضع النظام السوري القائم في أزمة كبرى،هو مجبر فيها على تقديم تنازلات وفواتير لن تطال فقط شكل النظام بل بنيته التي هي تقوم علىثالوث(الحزب الواحد- أجهزة الأمن- الجيش)قبل أن يتربع هذا الثالوث بانضمام فئة رجال الأعمال إليه خلال العشر سنوات الأخيرة.

مايفعله النظام الآن من خلال الحل الأمني- العسكري هو محاولة انشاء توازنات جديدة ليستطيع من خلالها تقليل حجم تلك الفواتير المرتقبة.لايستند النظام فقط في هذه المحاولة إلى تماسك بنيته فقط،وهو شيء لم نره في تونس ومصر وليبيا واليمن،وإنما أيضاً إلى امتدادات اجتماعية تجعله يتمتع بتأييد حقيقي في أوساط من المجتمع السوري تشمل الفئات الصناعية- التجارية،ومعظمها من الطائفة السنية،وعند غالبية كاسحة من الأقليات الطائفية والدينية(25%من السكان،وهم يتمتعون بنفوذ كبير في مفاصل القرار وفي الإدارات الحكومية وفي الحياة الاقتصادية)،ولدى قسم لابأس فيه من الفئات الوسطى المدينية السنية في المدن الخمسة الكبرى فيما قسم كبير من هذه الفئات مازال يعيش التردد حيال المشاركة في الحراك بعد ستة أشهر ونصف من انطلاقه بينما أغلب القسم الثالث منها يعيش المعارضة عبر قلبه(وليس بلسانه أويده). كذلك يستند النظام السوري في هذه المحاولة إلى الظهير الايراني- الروسي نتيجة حسابات عند طهران بأن دورها سيأتي بعد دمشق وحسابات عند موسكو بأن”الربيع العربي”قد امتطته الولايات المتحدة قبيل أيام من سقوط حسني مبارك عبر تحالف مستجد مع الاسلاميين ، وبمشاركة من تركية”العثمانية الجديدة” ،من أجل صياغة أخرى ل”الشرق الأوسط الكبير”بعد أن عجزت واشنطن عن تحويل بغداد9نيسان2003إلى بوابة لذلك ،ويرى الكرملين بأن تحقق ذلك سيؤدي إلى جعل مصير الاتحاد الروسي شبيهاً بمصير الاتحاد السوفياتي عام1991إثر هزيمته أمام تحالف واشنطن والاسلاميين ببلاد الأفغان.

تخبطت المعارضة السورية أمام مشهد مابعد18آذار2011:خلال أشهر ثلاثة لم يطرح أحد من المعارضين مايتجاوز حدود(الاصلاح)،فيما ظهرت منذ أيار شعارات في مظاهرات قالت ب”اسقاط النظام”.خلال حزيران،وأثناء دعوة النظام للحوار،بدأ التباين عند المعارضين بين الذين قالوا بأنه”وكمخرج من الأزمة الراهنة سيكون عقد مؤتمر وطني عام وشامل أمراً ضرورياً في جميع الأحوال حاضراً ومستقبلاً،وهذا يحتاج إلى اطلاق حوار جاد ومسؤول يبدأ بتهيئة البيئة والمناخات المناسبة”(وثيقة تأسيس”هيئة التنسيق”يوم25حزيران)لتنطلق “الهيئة” من عدم توفر هذه البيئة والمناخات لرفض الدعوة للحوار،فيماانطلق المعارضون الآخرون(“اعلان دمشق”والاسلاميون)من رفض مبدئي للحوار مع النظام. كان من الواضح أن هذا سيقود إلى خطين سياسيين متعارضين عند المعارضة السورية، وهو ماكان كامناً ومانعاً لتلاقي الكتل الثلاث الكبرى للمعارضة السورية:”هيئة التنسيق” و”جماعة الإخوان المسلمين” و”اعلان دمشق” أثناء مفاوضات الأسبوع الأول من شهر أيلول في الدوحة،قبل أن يتجسد هذا الإفتراق(أوالانشقاق)أولاً من خلال مؤتمر “الهيئة”(17ايلول)بريف دمشق عبر صيغة تقول بانشاء توازنات جديدة تؤدي إلى “التغيير الوطني الديمقراطي بمايعنيه من اسقاط النظام الإستبدادي الأمني…..مع التأكيد على أنالحل السياسي لايمكن أن يتحقق مالم يتوقف الحل الأمني – العسكري ليفتح الطريق إلى مرحلة انتقالية تجري مصالحة تاريخية وتوفر الظروف والشروط الملائمة لبناء الدولة المدنية الديمقراطية”(البيان الختامي للمؤتمر)،ثم ثانياً عبر المجلس المشكل في اسطنبول تحت اسم(المجلس الوطني السوري:”جماعة الإخوان المسلمين”و”اعلان دمشق”)الذي قال في بيانه التأسيسي(2تشرين أول)ب”اسقاط النظام القائم بكل أركانه بمافيه رأس النظام”.

هذا الإنشقاق للمعارضة السورية هو بين عنوانين:”التغيير” أو “الإسقاط” للنظام السياسي القائم:كل عنوان منهما يضم تحت جناحه مكوِنات خاصة لخط سياسي محدد تفترق عن المجموعة الثانية . تحت عنوان”التغيير” نجد(مرحلة انتقالية)و(رفض التدخل الخارجي)،فيمانرى(الحماية الدولية) تحت عنوان”الإسقاط” عبرالفقرة التالية من بيان تأسيس مجلس اسطنبول:”يطالب المجلس الوطني المنظمات والهيئات الدولية المعنية بتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب السوري والعمل على حمايته….عبر تفعيل المواد القانونية في القانون الدولي”من دون توضيح إن كانت(تشمل الفصل السابع أم السادس)عند مجلس الأمن الدولي،في أسلوب من الغموض قطعه الدكتور برهان غليون بعد دقائق من تلاوة البيان التأسيسي بقوله بأن”أي تدخل سيحصل مهما كان نوعه وشكله ينبغي أن يكون بالاتفاق مع المجلس الوطني الذي يمثل الشعب السوري” ولكن من دون أي شرح لكيفية الحصول على هذه التمثيلية للسوريين ومن دون أي تفسيرللقول بأن هذا المجلس هو”هيئة مستقلة ذات سيادة” لاتمتلكها إلاالدول أوحكومات الدول تحت الاحتلال(مثل حكومة ديغول في لندن بعد احتلال الألمان لفرنسة عام1940)،فيما أدى البيان التأسيسي لمجلس اسطنبول ،وشروحات أقطابه اللاحقة خلال أربع وعشرين ساعة اللاحقة لصدوره، إلى جعل الطريق مغلقاً تماماً أمام كل من قال من المعارضين السوريين،خلال الأسابيع الماضية،بأن(الحماية الدولية)لاتعني التدخل العسكري الخارجي .

كان أحمد الجلبي قبيل غزو العراق ومصطفى عبد الجليل (حيث كان الأخير أول مافعله مجلسه هو طلب التدخل الدولي “بالاتفاق مع المجلس”) على ادراك كامل عندما طالبا بالتدخل(الأول من جورج دبليو بوش والثاني من الناتو)بأن قواهما المحلية ليست أكتافها قادرة على حمل شعار اسقاط النظام ،لذلك قالا علناً بالتدخل الخارجي لتحقيق ذلك،وهو مايعيه نظرائهما السوريين ولكن مع شيء من الدهاء الشامي يبدو أن معارضي صدام حسين ومعمرالقذافي كانوا يفتقدوه.

هل تكرار السيناريو العراقي أوالليبي في مصلحة سوريا؟…..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى