بشير عيسىصفحات مميزة

المعارضة السورية: إشكالية السلطة والوطن

 


بشير عيسى *

المتتبع لرؤية المعارضة السورية ومواقفها، والتي اجتمعت في انطاليا يستطيع ملاحظة أنها تحركت على خلفية معتقديه طاغية تقوم على أمرين، الأول: الخلاص من نظام قمعي كادت تظن أنه أبدي. والثاني: الخوف من أن يستطيع هذا النظام شراء الوقت لتطويق الاحتجاجات عبر المماطلة، مستخدماً سياسة العصا والجزرة مع المتظاهرين والشارع في شكل عام، مما يعني بقاءه واستمرار تحكمه في الحياة السياسية. لذلك رأت في إسقاطه أولوية مهما كان الثمن.

وهنا تحديداً تتقدم الأخلاقية على العقلانية نظراً لحجم الدم الذي يراق، وهو ما يعيد تركيب الواقع على تصورات وغايات مسبوقة بخلفيات إيديولوجية، بينما الواقع في تغيره وتبدله مع انكماشه في مناطق أخرى يعطي كثيراً من الإشارات المتناقضة، حيث لم يعد كافياً تظهير الجانب الذي ترغب به والمضي معه حتى النهاية، لأن تعقيدات الوضع المتراكمة تاريخياً فوق هذه الجغرافيا تحتاج الى كثير من الحكمة والصبر، تقوم على فهم حقيقة وحساسية ما يجري في الداخل والخارج، تستلزم معها جهوداً مضاعفة لتقريب وجهات النظر بين أطياف المعارضة، كي تتفق على تحديد آليات العمل والأهداف ضمن برنامج يتمتع بالمرونة السياسية تمكنه من استيعاب المتغيرات ذات الصلة.

فالخلاف ليس على الخطوة الأولى في طريق الألف ميل، بل في الطريق والطريقة الواجب سلوكهما، إذ لا يمكن ضمان النتائج ما لم تكن المقدمات مدروسة في شكلٍ عميق، بعيداً عن شعارات الخلاص، إذ لا يكفي اختزال المجتمع السوري بالمناطق التي تطالب بإسقاط النظام، وهو ما يعني تحييد إن لم نقل إقصاء مكون كبير من المعارضة والشارع وخلفهما قوى دولية تضغط باتجاه حوار وطني مسؤول، مدركين أن الطريق شائك وصعب لكنه ليس بالمستحيل.

فما نريده هو كسب المعركة السياسية بالنقاط بعد أن كسر الشعب جدار الصمت والخوف، لا بحرق المراحل دفعةً واحدة، فالتخوف على الوطن وصونه أمر مشروع، لا سيما إذا كانت الضريبة دماراً يطاول البشر والحجر، فالمسألة ليست أن نكون على حق بقدر ما كيف نحمي هذا الحق، بأقل الخسائر الممكنة صوناً للسلم الأهلي الآخذ بالتداعي.

ويبدو أن قرار إسقاط النظام البعثي قد وضع خواتمه، ووصل بالمجتمعين إلى نقطة اللاعودة، فهل الذين حضروا مقتنعون بأن هذا الحراك سيسقط النظام، أم أنهم واثقون من تدخل دولي وتحديداً تركي «إسلامي» يكون في الواجهة، تعويضاً لما لحقه من خسائر في ليبيا، وتقليلاً من إحراج قد يطاول الغرب كونه «مسيحياً»؟

إذ منذ بدء الاحتجاجات الشعبية كان العتب واضحاً على مواقف الجار التركي، مذكرين بـ «الدور التاريخي» ومطالبين رئيس الوزراء أردوغان، باتخاذ خطوات أجرأ لمصلحة «الشعب السوري» في مواجهة النظام.

المجتمعون في انطاليا اقتصرت دعواتهم على من يريدون إسقاط النظام فيما غابت الدعوة إلى الأحزاب الكردية المشاركة في الحراك الوطني، وذلك حرصاً ومرضاةً للدولة المضيفة، مع الاكتفاء بشخصيات كردية معارضة لها توجه الحاضرين ذاته. وهو ما انسحب أيضاً على شخصيات وقوى سورية معارضة لا تشاطرهم فكرة إسقاط النظام في هذه المرحلة الغائمة.

ولمّا انسحب البعض اعتُبروا مندسين، وهو منطق النظام نفسه مع معارضيه. كما لم تتفق جماعة إعلان دمشق مع جماعة الإخوان المسلمين حول وضع دستور يفصل الدين عن الدولة، الأمر الذي يزيد من مخاوف الأقليات، ولعل فكرة «حماية» الطائفة العلوية تعيدنا إلى ثقافة الهيمنة، حيث الأكثرية تكفل حماية الأقلية.

هذا التشنج في المواقف وضع إسفيناً بين المعارضة وأقصى الأكراد، على رغم الكلام الجميل الذي قيل عن المواطنة. فالتسرع لجهة انعقاد المؤتمر وعدم وضوح الرؤية السياسية لمرحلة ما بعد النظام، باستثناء دعم الثورة، يعطي إشارات عن دوافع خارجية لإنجاز الملف السوري، تماماً كما حدث في السيناريو الليبي.

المحزن في الأمر اجتماع المعارضين في دولة اقتطعت أجزاء كبيرة من الوطن السوري لا تقل أهمية عن فلسطين، رافقها احتلال دام قرابة 400 عام يعيد إحياءه العثمانيون الجدد. ولو سئل المجتمعون عن الجزر الإماراتية لكتبوا مطولاً عن التدخل الإيراني في المنطقة، وهذا صحيح، لكنهم يشيحون بأنظارهم عن الأتراك حين يتحركون تحت رعايتهم ودعمهم، بحجة دعم الشعب السوري لا بحجة المصالح الحيوية والإستراتيجية لهذا المضيف، مع العلم أن الجميع كان يدرك الموقف المتردد والداعم للقذافي حرصاً على استثماراتهم.

والسؤال هنا على ماذا يراهن المجتمعون وهم يعلمون أنه لولا تدخل الناتو ما كان للثوار أن يستمروا! ففي سورية وللأسف، ما زال النظام حتى هذه اللحظة متماسكاً، في ظل غياب موقف عربي رسمي وقرار دولي، تحول روسيا دون إصداره، في وقت تحاول فيه الدول الغربية تمرير قرار يدين النظام لارتكابه جرائم ضد الإنسانية على خلفية حقوق الإنسان. وهناك من يعتقد أن روسيا قد تغيّر موقفها أمام تفاهم جديد مع الولايات المتحدة في شأن الدرع الصاروخي، لكن يبقى هذا احتمالاً، فالروس لم يبق لهم على المتوسط سوى سورية، فكما أنهم لم يتخلوا عن إيران باعتبارها الضفة المقابلة للخليج العربي. كذلك الأمر بالنسبة الى سورية، فهي في خريطة الأمن الإستراتيجي الروسي، وهو ما يزيد من صعوبة الأوضاع في الشرق الأوسط وتعقيدها، حيث أي تدخل عسكري، سيشعل المنطقة برمتها.

فهل من تسوية تأخذ في الاعتبار كل هذه الحساسيات السياسية، ولا تكون على حساب الثورة؟

* كاتب سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى