صفحات العالم

المعارضة السورية تهيئ مسرح العمليات لبدء نهاية نظام الأسد وربما لنهاية خارطة المنطقة


هاني الروسان

إن لم يكن من المستحيل، فعلى اقل تقدير، من النادر أن تكون لأي مجموعة سياسية تهتم بالشأن الوطني العام في دولة من الدول القدرة على تحديد برامج عملها السياسية أو أهدافها دون أن يكون لذلك امتداداته الإقليمية وفي كثير من الأحيان امتداداته حتى الدولية، إلا إذا كان الحديث يدور عن جماعة هامشية طارئة في تركيبة البنى السياسية الاجتماعية لمجتمع دولة ما.

وهو النموذج المثال الذي ينسحب على ولادة البيان التأسيسي لتشكيل المجلس الوطني السوري المعارض، بوصفه إطاراً موحداً للمعارضة السورية و ممثلاً عن الثورة السورية في الداخل والخارج ، مكانا وزمانا ومضمونا، مما يعني دخول أو إدخال عدد جديد من العناصر في مكونات المشهد السوري، تهيئ الأحداث الجارية ألان ومنذ مارس الماضي في مختلف أنحاء سوريا لتطورات ربما تكون متوقعة في إطارها العام غير أنها ستنطوي حتما على تداعيات غير متوقعة ونوعية في تفاصيلها.

فاهم ما ُيقرأ في بيان اسطنبول المؤسس لما أسمته المعارضة السورية بالمجلس الوطني السوري المعارض جوانب أربعة، اولاها انه -أي المجلس- إطار موحد للمعارضة السورية، وثانيها انه ممثل عن الثورة السورية في الداخل والخارج، وثالثها انه سيسعى لتوفير حماية دولية للمدنيين في سورية، أما أخرها وهو الأهم هو انه يسعى لإسقاط النظام القائم بكل أركانه بمن فيهم رأس النظام.

وإسقاط النظام على هذه الشاكلة التي تضمنها البيان، يعني أن المعارضة السورية قد اتخذت قرارا لا رجعة فيه مؤداه إخراج كافة الحلول الوسطى التي من شأنها أن تعيد إنتاج إي شكل من أشكال التعايش مع نظام بشار الأسد من نطاق التفكير وليس حتى المحاولة، وان لا بديل عن الإطاحة بنظام البعث شكلا ومضمونا، وهو ما يعني دفعا باتجاه تفكيك أجهزة الدولة بأكثريتها إن لم يكن الدولة ذاتها، مما يرجح في نهاية المطاف الاتجاه نحو عمل مفتوح قد لا يكون بمقدور الشعب السوري القيام به منفردا، في مواجهة نظام يزج بآلة الجيش في أتون هذه المواجهة، إلى جانب أجهزة أمنية أعدت مسبقا لظروف كهذه.

ومن نافذة حجم الهدف الضخم وانعدام التوازن بين طرفي المواجهة، يتضح المعنى الذي تنطوي عليها دعوة البيان لـ حماية دولية كشعار غير قابل للمناقشة من اجل حماية المدنيين السوريين، وهو نفس المبدأ الذي فعَلته المجموعة الدولية لاستصدار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 في مارس الماضي الذي أجاز تنفيذ ضربات جوية ضد ليبيا واستخدام كل الإجراءات الضرورية لحماية المدنيين ومنع الجيش الليبي من إطلاق النار على السكان. بل إن برهان غليون احد ابرز من يقفون وراء هذا البيان يوضح أكثر أبعاد هذه الدعوة، عندما ذهب إلى الأبعد في تفسيره للفقرة التي تطالب المنظمات والهيئات الدولية المعنية بتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب السوري وحمايته من الحرب المعلنة عليه ووقف الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها النظام، بجميع الوسائل المشروعة عبر تفعيل قواعد القانون الدولي ذات العلاقة، حيث قال: عندما نطالب بالحماية الدولية أي حماية شعبنا الأعزل أمام آلة الحرب التي لا تزال تعمل منذ أشهر عديدة إنما نطالب بتطبيق شرعة الأمم المتحدة بخاصة البند المتعلق بحماية المدنيين والذي ينطبق على جميع الدول ولا يعد خرقاً لسيادة دولة لأن قوانين حقوق الإنسان فوق سيادات الدول.

وفي إجابة أكثر وضوحا لما قد تدفع إليها دعوة حماية المدنيين السوريين من تطورات نوعية في أوقات لاحقة قال غليون إن أي تدخل سيحصل مهما كان نوعه وشكله ينبغي أن يكون بالاتفاق مع المجلس الوطني الذي يمثل الشعب السوري ويكون بالتعاون مع القوى الدولية وان المعارضة لن نقبل أي تدخل خارج إطار الاتفاق مع المجلس الوطني.

وعلى الرغم من أن برهان غليون يدرك أكثر من غيره أن تشديده على ما اسماه بضرورة الاتفاق المسبق مع المجلس الوطني قبل أي عمل دولي مرتقب في سوريا، لن يكون بوسعه التخفيف من حدة التخوفات التي ترافق دعوة المجلس المفتوحة للقوى الدولية للتصرف بالأزمة، بطريقة تجنب الوقوع فيها المجلس الانتقالي الليبي، إلا انه قالها عقب تشديده على الصفة التمثيلية القاطعة للمجلس لكل المعارضة في الداخل والخارج وبوضوح يشي باحتمالات ما قد تحمله الفترة المقبلة من تطورات نوعية، قد لا تتوقف انعكاساتها على سوريا فقط.

فتزامنا مع هذه الدعوة سربت الاستخبارات الإسرائيلية تقريرا قالت صحيفة المنار أنها حصلت على نسخة منه، وجاء فيه إن إجراءات واستعدادات أمنية إسرائيلية متواصلة على الحدود مع لبنان، وان النشاط ألاستخباري الإسرائيلي لم يتوقف هناك وكأن الحرب ستندلع غدا، وان إسرائيل في حالة تجديد دائم للمعلومات والخرائط وبنك الأهداف الذي سيستخدم في أية مواجهة قادمة.

وجاء في هذا التقرير أيضا أن الضغط على القيادة السورية سوف يزداد استنادا إلى معلومات قال إن تل أبيب حصلت عليها، وانه قد يصل إلى تنفيذ عمليات خاصة تطال رموز الحكم في دمشق، وانه لا يستبعد في هذا الإطار اندلاع مواجهة مع إسرائيل تتزامن مع هذا التصعيد في الضغط على سوريا.

ويخلص التقرير الإسرائيلي إلى القول بأن الضبابية التي تسبب بها الربيع العربي تحول دون خروج الأجهزة الاستخبارية “الإسرائيلية” برؤية تقديرية حول الوضع الذي يمكن أن تشهده إسرائيل في الأسابيع القادمة على جبهاتها المختلفة، لذلك فان كل السيناريوهات محتملة ، ومن بينها اندلاع مواجهة عسكرية مع إسرائيل من جانب سوريا وإيران وحزب الله.

والحقيقة أن خلاصة هذا التقرير تتطابق مع ما قيل انها رواية لمسؤول عربي كبير فضل عدم ذكر أسمه لموقع إخباري أردني، جاء فيها أن الرئيس الأسد صدم وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو الذي حمل خلال زيارة للعاصمة السورية دمشق قبل نحو شهرين، رسالة تركية استندت إلى تفاهمات تركية سعودية أميركية وتضمنت تهديدا بمواجهة عسكرية دولية على غرار ما حدث في ليبيا، حين علق على تلك الرسالة ببرود أعصاب شديد فاجأ ضيفه، سائلا إياه: برأيك كدبلوماسي لماذا تتردد قوى دولية معروفة بعدائها لسوريا عن تكرار التجربة الليبية مع سوريا؟!.

ويروي المسؤول العربي أن أوغلو الذي لم يجب عن سؤال الأسد، قاطعه سائلا إن كانت بحوزته معلومات وأسرار لا يعرفها، فأجابه الأسد: إن قوى عظمى كبيرة تدرك كل الإدراك أنه مع أول صاروخ يسقط فوق دمشق لأي سبب كان، فإنه بعد ست ساعات من سقوط هذا الصاروخ، سأكون قد أشعلت الشرق الأوسط، وأسقطت أنظمة، وأشعت الفوضى والحرائق قرب حقول النفط الخليجية، وأغلقت المضائق المائية العالمية.. لا تظن إنني أبالغ دوائر القرار في بلدك وفي بلاد أخرى تدرك إن كنت أقول وأفعل أم أقول فقط.

وفي رده على اوغلو فيما إذا كان يرغب بتحميله رسالة ما قال الأسد بعد أن استعرض الدور السوري في العراق إذا حصل أي جنون تجاه دمشق، فأنني لا أحتاج لأكثر من ست ساعات لوضع تل أبيب تحت لهيب صواريخنا، فيما سيفتح حزب الله قوة نيرانية على إسرائيل لا تتوقعها كل أجهزة الاستخبارات، كل هذا في الثلاث ساعات الأولى وفي الساعات الثلاث الأخرى ستتولى إيران ضرب البوارج ألأميركية في مياه الخليج، وستتحرك الشيعة هناك لضرب أهداف غربية كبرى، وقتل أميركيين وأوروبيين حول العالم، إذ سيتحول الشيعة في العالم العربي إلى مجموعة فدائيين انتحاريين صوب كل هدف يرونه سانحا، وسيخطفون طائرات شرق أوسطية.

وما قد يرجح صحة معلومات كهذه هو ما بدأ يطفو على سطح العلاقات الاردنية السورية الباردة اصلا، من توترات متسارعة اخرجت السفير السوري عن صمته لينفي رواية كويتية هذه المرة، نشرت مؤخرا حول زيارة مفاجئة قام بها لعمان الرجل القوي في نظام الاسد، آصف شوكت، وخلالها يفترض انه وجه تهديدات بقصف صاروخي للمدن الأردنية، إذا ما تورطت عمان بمخطط عسكري يستهدف نظامه، – اوضحته تعليقات مثيرة للمعارض السوري هيثم المالح الذي قال بأن نظام بشار في أسابيعه الأخيرة وأن الأردن سيقيم منطقة عازلة جنوب سورية ويسيطر عليها ضمن حملة عسكرية لإنهاء النظام السوري- وهو ما أغضب العاهل الأردني حسب الرواية الكويتية، الني لم تنفها الحكومة الأردنية ولم تؤكدها.

من المؤكد إن المعارضة السورية تعرف حقيقة هذا وما جري بين الأسد واغلو -إن صح ذلك طبعا- واطلعت على التقرير الإسرائيلي وغيره من التقارير الأكثر دقة وحساسية، ومع ذلك فإنها مضت قدما في إعداد مسرح العمليات لبدء عد تنازلي لنهاية نظام آل الأسد في سوريا، يهيئ لتموضعات كبرى في الخارطة السياسية الشرق أوسطية التي قد لا تبقي الخارطة نفسها على حالها الراهن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى