صفحات العالم

المعارضة السورية مستاءة من كيري: يعرقل الجهود ضد الأسد/ محمد أمين

 

 

 

لا تتردد أطراف عدة في المعارضة السورية في اتهام روسيا والولايات المتحدة بأنهما أفشلتا “على نحو متعمد” اجتماع باريس، الذي عُقد أول من أمس (الاثنين)، وضم وزراء خارجية عدد من الدول العربية والأجنبية المعنية بالملف السوري. وتذهب هذه الأطراف المعارضة إلى حد اتهام وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بعرقلة أي جهد يُبذل ضد رئيس النظام السوري بشار الأسد، مبديةً عدم تفاؤلها باجتماع المجموعة الدولية لدعم سورية المقرر في فيينا في السابع عشر من شهر مايو/أيار الحالي، فيما أعربت الأمم المتحدة، أمس الثلاثاء، عن أملها في أن تستأنف المحادثات السورية بعد اجتماع فيينا، من دون أن تحدد أي موعد لاستئناف المحادثات.

وبعدما استبق كيري اجتماع باريس بتفاهمات مع نظيره الروسي سيرغي لافروف حول سورية، ترجمت ببيان مشترك صدر عنهما، انتهى اجتماع باريس الذي ضم كلا من، السعودية وقطر وتركيا وفرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا والأردن وإيطاليا، وحضره المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات للمعارضة السورية، رياض حجاب، من دون قرارات واضحة، ما عدا “أمنيات” عبّر عنها وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت بالعودة إلى طاولة التفاوض في جنيف، والحفاظ على الهدنة، وإتاحة دخول المساعدة الإنسانية إلى البلاد.

ويرى مراقبون للمشهد السوري أن دولاً عربية وأوروبية تسعى إلى الخروج من العباءة الأميركية وأداء دور أكثر أهمية في الملف السوري لإحداث شرخ في الطوق الذي تفرضه موسكو وواشنطن حول الملف السوري، الأمر الذي دفعها إلى بلورة تحرك سياسي مواز من خلال اجتماع باريس، لكن البيان الروسي الأميركي الذي صدر قبل بدء اجتماع الاثنين أفرغ لقاء باريس من محتواه، وقلل من أهميته.

وباتت التفاهمات الأميركية الروسية تتحكم في جزء رئيسي من المشهد السياسي والميداني السوري، الأمر الذي عكسته تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس الثلاثاء، بقوله إنّ “الوضع في سورية لا يزال معقداً لكن روسيا تأمل أن يؤدي التعاون مع الولايات المتحدة إلى تغييرات جذرية في هذا البلد”. كما بحث بوتين، أمس، في اتصال هاتفي، مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، الأوضاع في سورية وليبيا.

من جهتها، تمتلك الأمم المتحدة رؤية مشابهة لمركزية الدور الروسي الأميركي على حساب أي قوى أخرى معنية بالملف السوري، هو ما أشار إليه المتحدث باسم الأمم المتحدة، أحمد فوزي، في مؤتمر صحافي في جنيف، أمس، بإعلانه “يمكنني القول بدون تردد أن المبعوث الخاص للأمم المتحدة، سيتفان دي ميستورا، يأمل دائماً أن تعود الأطراف المعنية إلى طاولة المفاوضات. لم أسمع أي أنباء مغايرة لذلك حتى الآن. سيعقد اجتماع المجموعة الدولية لدعم سورية يوم 17 مايو/أيار وهذه بادرة جيدة. شهدنا جميعاً بيان الروس والأميركيين أمس، وهو تطور إيجابي آخر. لذا لا يوجد سبب للاعتقاد بأن دي ميستورا غير متفائل”.

وتعهدت موسكو وواشنطن، في البيان المشترك، بوقف الأعمال العدائية في سورية، وبتكثيف الجهود لضمان تنفيذه في أنحاء البلاد، فضلاً عن إعلان عزمهما تحسين الجهود لتعزيز المساعدات الإنسانية لكافة المحتاجين لها وفق قرار مجلس الأمن 2254. كما تضمن البيان بنداً تؤكد روسيا فيه أنها “ستعمل مع السلطات السورية على تخفيف العمليات الجوية إلى حدها الأدنى فوق مناطق مأهولة في غالبها من قبل مدنيين أو من قبل أطراف في الاتفاق”.

لكن لم تتأخر طائرات النظام السوري، أمس الثلاثاء، أي في اليوم التالي لصدور البيان، في ارتكاب مجزرة في بلدة بنش في ريف إدلب راح ضحيتها العشرات من المدنيين بين قتلى ومصابين، ما يؤكد أن البيان “لا يساوي الحبر الذي كتب به”، كما تشير مصادر في المعارضة. ووفقاً للمصادر نفسها، فإن المنسق العام للهيئة العليا للتفاوض، رياض حجاب، دعا، أول من أمس، المجتمعين في باريس إلى “وقف العمليات العدائية والتصدي للانتهاكات المروعة التي يرتكبها النظام وحلفاؤه بحق المدنيين في مختلف المحافظات السورية.

كما نبه إلى خطورة الأوضاع الإنسانية في العديد من المحافظات السورية، ولا سيما حلب التي ارتكب النظام وحلفاؤه فيها عدداً من المجازر المروعة في الأيام الماضية”، قبل أن تتوافق روسيا والولايات المتحدة على هدنة فيها يوم الأربعاء الماضي لا تزال مستمرة إلى اليوم، بعد الإعلان أمس عن تمديدها لـ48 ساعة إضافية.

وبحسب المصادر نفسها، أشار حجاب، خلال اجتماع باريس، إلى أن الهدنة “لم تعد موجودة على الأرض، بسبب خروق النظام وحلفائه”، لافتاً إلى سعي النظام للتهرب من استحقاقات العملية السياسية. كما ربط حجاب الاستمرار في العملية السياسية بـ”التنفيذ الفوري وغير المشروط لقرارات مجلس الأمن الدولي، ولا سيما في ما يتعلق بوقف العنف، ورفع المعاناة عن الشعب السوري وفك الحصار وإيصال المساعدات لمن هم في حاجة إليها، وإطلاق سراح المعتقلين، ووقف تنفيذ أحكام الإعدام، وغيرها من الإجراءات التعسفية التي يمارسها النظام في حق المدنيين”، وفقاً للمصادر نفسها.

من جهته، يقول رئيس وفد المعارضة المفاوض، أسعد الزعبي، لـ”العربي الجديد”، إنه “لم يشعر بخيبة أمل بنتائج اجتماع باريس”، مضيفاً “كنا نتوقع ذلك خصوصاً بعد وصول جون كيري إلى باريس، على الرغم من أنه لم يكن مدعواً للاجتماع”. ويشير الزعبي إلى أن “مجرد وجود كيري يعني عرقلة أيه جهود لمساعدة السوريين، وكل جهد ضد بشار الأسد”. وفي السياق، يلفت الزعبي إلى أن المعارضة السورية لا تعوّل على اجتماع المجموعة الدولية لدعم سورية التي تضم 17 دولة عربية وأجنبية في فيينا في السابع عشر من الشهر الحالي، للخروج من “الاستعصاء السياسي” الذي تسبب فيه النظام، برفضه مقاربة القضايا الجوهرية، وفي مقدمتها الانتقال السياسي الذي يُقصي بشار الأسد عن السلطة. ووفقاً للزعبي، فإنه “إذا حضر كيري الاجتماع فالنتيجة واضحة”، معتبراً أنه تم “تعيين كيري وزير خارجية في الولايات المتحدة للقضاء على الثورة السورية”، على حد قوله.

بدوره، يقول سفير الائتلاف الوطني السوري في إيطاليا، بسام العمادي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن البيان الروسي الأميركي المشترك الذي صدر الاثنين “فارغ لا يتضمن أي جديد”. ويعتبر أن “الهدف منه إفشال اجتماع باريس، ورسالة للمجتمعين بأن ما ينوون القيام به لا قيمة له من دون رضا روسي أميركي”.

ويرى العمادي أن “الأوروبيين والخليجيين وتركيا كانوا يريدون الخروج من عباءة أميركا وإيجاد ضغط يحرك الموضوع خارج تلك الدائرة المغلقة بين واشنطن وموسكو التي تسير لصالح النظام، بغض النظر عن مصلحة المجتمعين”، لافتاً إلى أن بيان كيري – لافروف أفشل هذه المساعي.

ويعتبر العمادي أن المصالح الأوروبية “تضررت كثيراً من وراء احتكار موسكو وواشنطن الملف السوري”. ويلفت إلى أن “نتائج اجتماع باريس تؤكد أنه لن يكون من وراء اجتماعات فيينا إلا ما يراه ويريده الروس والأميركيون”، مضيفاً “سيبقى الأوروبيون والخليجيون والأتراك، شهود زور على ما يحدث في سورية، لأن أميركا لن تسمح لهم بالتدخل”، على حد قوله. ويعتقد العمادي أنه لن تحدث تغييرات يصفها بـ”الدراماتيكية” في الملف السوري، طالما أن الرئيس الأميركي باراك أوباما على رأس الادارة الأميركية، قبل أن يضيف “على العكس تماماً، سيزداد عمق التأثير الروسي على هذا الملف في الأشهر التي بقيت من ولاية أوباما”.

من جهته، يقلل رياض نعسان آغا، المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات، المنبثقة عن المعارضة السورية، من أهمية البيان الروسي الأميركي الأخير. ويعتبر في تصريحات لـ”العربي الجديد” أنّ هناك “محاولة روسية أميركية لإقصاء أوروبا والآخرين عن القضية السورية والتفرد بها”، مؤكداً أن هذا الأمر “يقلل من أهمية اللقاءات (المعنية بالملف السوري) التي باتت أشبه بلقاءات مجاملة”، على حد قوله.

الانتقاد للموقف الروسي تحديداً لم يقتصر على المعارضة السورية، إذ اعتبر وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في حوار مُطوّل مع صحيفة “لوموند” الفرنسية، أن “الروس يقولون إنّهم يريدون حلاً سياسياً يقرّره السوريون فقط. لكنهم يذهبون في الاتجاه الخطأ لأن الأسد لن يتخلى عن السلطة ما دام يتمتع بدعم خارجي”. ورداً على سؤال حول الدور الأميركي، رأى الجبير، الذي التقى حجاب بشكل منفصل أمس في باريس، أنّ الأميركيين “يساندون المعارضة عسكرياً وسياسياً وأنّهم يريدون رحيل الأسد، غير أن الإشكال يكمن في كيف؟ ومتى؟”. واعتبر الجبير، أن “الأوضاع في سورية توجد حالياً في طريق مسدود. وأن المعارضة برهنت على مقاومة بطولية باحتفاظها بغالبية مواقعها على الأرض، على الرغم من أن ميزان القوى العسكري ليس في صالحها، وهذا ما يعكس رغبة السوريين في طي صفحة النظام”.

وكانت المعارضة قد تمكنت، في الأيام الماضية، من تعديل موازين القوى العسكرية، خصوصاً في ريف حلب الجنوبي بعد تكبيد القوات السورية والإيرانية في منطقة خان طومان خسائر غير مسبوقة، بما في ذلك اعتراف ايران بمقتل 13 “مستشاراً عسكرياً” وجرح 21 آخرين فضلاً عن أسر 6 في يوم واحد، قبل أن تقرّ أمس الثلاثاء، بأن 12 جثة من أصل 13 لمقاتليها في خان طومان لا تزال تحتفظ بها المعارضة.

وفي الوقت الذي تجري لقاءات ومشاورات بين مختلف الدول المعنية بالملف السوري، يواصل طيران النظام ومقاتلات روسية ارتكاب مجازر بحق المدنيين في مختلف المدن والبلدات السورية، حيث وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 27 مجزرة خلال شهر أبريل/نيسان الماضي، 13 منها جرت في محافظة حلب. وذكرت الشبكة في أحدث تقاريرها أن 298 شخصاً هم ضحايا هذه المجازر التي قام النظام وحلفاؤه بارتكاب أغلبها. وقالت الشبكة إن 38 في المائة من قتلى هذه المجازر هم من الأطفال والنساء، مشيرة إلى أن القوات الروسية ارتكبت أربعة منها. كما أوضحت أن النظام خرق اتفاق وقف الأعمال العدائية 559 مرة عبر استخدام البراميل المتفجرة فقط. كذلك أشارت إلى أن الطيران المروحي ألقى 559 برميلاً متفجراً في أبريل على مدن وبلدات سورية “ولا يزال الاستخدام مستمراً”، وفق الشبكة.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى