صفحات الناس

روبن هود السوري/ عمر حرقوص

أكبر من أن يخطف وأصغر من أن يكون إلهاً، إنه السوري محمد عباس (أبو عباس) الذي اختطفته عناصر من عشيرة آل جعفر بعد إطلاقهم النار على الوفد العرسالي العائد من عملية تسلم وتسليم المخطوفين يوم الأحد الماضي. ذهب الخاطفون من آل جعفر بغنيمتهم إلى مقر سري، ولكن الاتصالات الهاتفية التي قلبت الدنيا على العشيرة وخصوصاً من “حزب الله” وعشائر بقاعية أعادت المخطوف معززاً مكرماً إلى عرينه في بلدة المعرة السورية.

 يتحدث قادة مجموعات الجيش الحر في منطقة القلمون السورية عن أبو عباس برهبة وخوف، كيف لا والرجل مشهور ببطشه ويده التي تطال أكبر الرؤوس، ترعبهم جميعاً، هو مثل عمار الداديخي ”أبو إبراهيم“ في أعزاز. مهرب وتاجر مخدرات محمي من عشيرة وشبكة علاقات تمتد من داخل النظام السوري إلى المجموعات المسلحة. شبكته المالية الأساسية موجودة في لبنان، حيث تصنع حبوب الكبتاغون وتشتري منتوج الحشيش وتوضبه في قوالب حديدية مفرغة مثل “الفرفورجيه” والآليات الضخمة ومكيفات الهواء، وتقوم بنقله إلى العراق ودول الخليج العربي عبر سوريا، كبضائع مستوردة من الخارج.

 ولد أبو عباس في بلدة المعرة السورية على الحدود مع لبنان، منطقة جرد قاسية لا ينبت فيها إلا الصخور وسيارات المهربين وبغالهم. عاش أكثر أهالي المعرة على التهريب بكل أنواعه من لبنان إلى سوريا، وخصوصاً في المرحلة التي كانت فيها سوريا ذات نظام “إشتراكي” يفتقد أبناؤها كل مقومات الحياة. أيضاً، تهريب المازوت من سوريا إلى لبنان مستمر حتى هذه اللحظة.

 خلال أعوام الثمانينات إستطاع أبوعباس وبعلاقاته المتنوعة داخل قيادة حزب البعث السوري أن يوسع عمله من تهريب الأدوات الكهربائية والتلفزيونات الملونة وخصوصاً ماركة “سوني”، إلى تهريب ما يزرعه البقاعيون من “ناتج قومي” وذلك عبر شبكة من ضباط المخابرات السورية التي كانت تتلقى أوامرها من شقيق الرئيس السوري آنذاك، رفعت الأسد.

 بعد انفجار الوضع بين الرئيس الراحل حافظ الأسد وشقيقه رفعت، بدّل محمد عباس موقعه إلى فتح علاقة مع غازي كنعان وحوّله شريكاً له في تجارته الرائجة، الحشيش اللبناني مطلوب عالمياً. فتح كنعان الطرق أمام أبو عباس ومنها طريق مطار دمشق الدولي وصار التهريب يتم عبر الكثير من الممرات لايصال “البضائع” إلى دول الخليج لبيعها هناك وتحقيق الأرباح الطائلة منها. ليتعرف لاحقاً إلى خليفة كنعان الضابط رستم غزالي، الذي سمح له بتوسيع التجارة إلى حبوب ”الكبتاغون“ بالتعاون مع شقيقا النائب عن ”حزب الله“ حسين الموسوي.

 بالنسبة لأبو عباس، الحياة لا تتوقف فقط على تجارة المخدرات، بل تمتد إلى مساعدة مئات العائلات الفقيرة والمستورة كما يسميها في سوريا ولبنان. وبجانب هذا الاحسان الذي سينجيه من نار جهنم كما يقول، فهو يقوم بعمليات خطف محددة لمن  يقومون بسرقة أمواله أو يعملون على ضرب صفقاته وتهريباته. فقبل أشهر خطف طفل أردني كان والده ساهم في فضح واحدة من عمليات التهريب. أخذ أبو عباس الطفل وطالب بفدية مالية. أرسل شخصاً من عرسال يدعى جهاد الفليطي ومعروف باسم جهاد ناصيف لاستلام البدل المالي من والد الطفل في احد الفنادق البيروتية، ألقي القبض على ناصيف وبعدها ألقي القبض على محمد عباس ولكنه وبقدرة قادر استطاع الخروج من السجن بعد ساعات قليلة “براءة” ووضعت القضية في عهدة المهرب العرسالي الذي تحمل المسؤولية الكاملة وحده بعدما تكفل أبو عباس بحياة سعيدة لعائلة ناصيف في غيابه.

 العلاقة بين محمد عباس والنظام السوري هي مثل السمن والعسل، ولكن هذا الحال الجيد كانت تشوبه مشاكل من فترة إلى أخرى، ففي مرحلة العلاقات السعودية السورية الجيدة كان أبو عباس يحضّر أمتعته للانتقال إلى السجن، فالـ ”سين سين“ كانت لا تحتمل مهرباً بهذا الحجم وهو أطلق سراحه آخر مرة من السجن بعد قطع العلاقات الديبلوماسية بين السعودية وسوريا حيث صدر عفو رئاسي عنه لتفتح له الطرق من جديد لإغراق السعودية بحبوب الكبتاغون، رداً على تأييدها الثورة السورية.

يوم اختطافه من الموكب العرسالي مع شخص سوري آخر، لم يكن شبان آل جعفر يعرفون من هو هذا الرجل، وضعوه في صندوق السيارة وانتقلوا به إلى مقر خاص لاعتقال السوريين الهاربين إلى لبنان، حققوا معه، ولكن اتصالاً واحداً من رئيس بلدية عرسال علي الحجيري ”أبو عجيني“ بأقارب أبو عباس غيّر الوضع، وجعل ”حزب الله“ يقلب الدنيا بحثاً عنه لإعادته مكرماً إلى بيته.

 عاد محمد عباس إلى منزله المحاط بحماية خاصة، جلس هناك يتابع تجارته الرائجة، يستقبل اتصالات التهنئة من ضباط النظام السوري وكذلك من مجموعات مسلحة محسوبة على المعارضة. كلهم يتمنون أخذ رضاه، فالرجل يغطي بالرشوة و“زكاة“ أمواله كافة المتحاربين في منطقته. إنه روبن هود منطقته، إن لم يكن أكثر.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى