صفحات الحوار

ياسين الحاج صالح: النظام لم يترك لنفسه أي ممر للنجاة

 


قال لـ«الشرق الأوسط»: الأسد لم يتكلم منذ 50 يوما.. وتعرضنا لأكثر بكثير مما حدث للمصريين والتونسيين والليبيين

كغيره من المعارضين السوريين، يتوارى ياسين حاج صالح عن الأنظار حاليا في مكان آمن في الأراضي السورية، بعيدا عن متناول الأجهزة الأمنية التي تضعه على قوائم المطلوبين.. وهو يرى أن المعالجة الأمنية للحياة في سوريا كانت وراء انتفاضة المواطنين الذين «تم إذلالهم بطريقة قاسية ومزرية»، على حد قوله.

حاج صالح، الذي اعتقل لفترة كبيرة منذ عام 1980 وحتى عام 1996، يخشى أن تنتهي الأحداث في سوريا بالتعادل بين الطرفين، وهو وضع سيترك البلاد غير قابلة للحكم بالأساس.

وكونه ممنوعا من السفر، وترفض السلطات السورية إصدار جواز سفر باسمه، أشار حاج صالح إلى أن ذلك الوضع يجعله حرا في سجن سوريا الكبير.. وأضاف أن السلطات السورية تتعامل مع السوريين سياسيا كالعبيد، قائلا–بصوت خفيض – عبر الهاتف لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الصيف سيكون ساخنا جدا في سوريا على الأرجح، ولا نعلم إطلاقا ماذا يحمل لنا من تطورات». وإلى نص الحوار..

* كيف ترى المشهد السوري الحالي؟ وكيف يتعامل النظام مع المظاهرات ومع تبعاتها؟

– المشهد في سوريا الآن قاسٍ للغاية؛ فمشاهد الرقص المشين على جثث الضحايا تكشف عن تكوين وحشي لجنود الفرق العسكرية والأمنية لحماية النظام.. فهي على ولاء مطلق للنظام وعداء مطلق للشعب، وتتعامل معه على أساس أنه عدو يجب سحقه بلا رحمة. وبرأيي أن النظام أسر نفسه في مربع سحق الشعب مهما كلفه الأمر ومهما كان الثمن، الآن لا توجد خيارات على الرواق، وما يقوم به بشار الآن هو محاولة مستحيلة وفاشلة لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 15 مارس (آذار).

* ما قراءتك لخطابات الأسد المختلفة، وكذلك لمرسوم العفو الذي أصدره؟

– الرئيس بشار لم يتكلم منذ 16 أبريل (نيسان)، أي منذ ما يزيد على خمسين يوما. وخطابه الأول كان خارج الموضوع؛ فهو لا يتطرق إلى جوهر المشكلة السياسية في سوريا، لا يتحدث عن أن النظام لا يتيح للشعب السوري الكرامة والعزة والتمثيل. ومرسوم العفو هو إجراء شكلي، ويمكن اعتباره عملية إخلاء مؤقتة للسجون الممتلئة؛ حيث قام النظام، ببساطة، باعتقالات جديدة شملت عشرات الآلاف من البشر.

* ما لُب المشكلة مع النظام؟

– ليس من المعقول أن نُحكم بالأسلوب نفسه الذي حُكمنا به منذ الستينات عبر الإعلام التابع للدولة والأجهزة الأمنية التي تحصي النسمات على المواطنين. هذا دخل إلى متحف التاريخ في العالم كله الآن.. أعني أن الأجهزة الأمنية غير قادرة إطلاقا على فهم أن الحياة تغيرت، وغير قادرة على استيعاب الحرية التي تتيحها الإنترنت.. فهي بعيدة كل البعد عن قيم المدنية الحديثة، وأقسم إنهم لو استطاعوا قطع الهواء عنا لفعلوها دون تردد، ولِمَ لا؟ فهم فعلوها في درعا وغيرها من المدن حين قطعوا المياه عن الأهالي لتركيعهم وإذلالهم.

* برأيك، ما الذي أشعل الانتفاضة السورية بهذا الشكل؟

– نحن في سوريا تعرضنا لدرجة قاسية ومرعبة من الإذلال.. أكثر بكثير مما تعرض له المصريون والليبيون والتونسيون. لقد عاملونا بطريقة غير إنسانية وبقسوة وباحتقار شديد ومزرٍ، كما لو كنا عبيدا سياسيا. كانت هناك حصانة مطلقة للأجهزة الأمنية: تقتل من تشاء، تعتقل من تشاء، تعذب من تشاء، وهو أمر فوق القانون بطريقة لا يتصورها بشر.

* ما الذي سيشكل نقطة اللاعودة في الانتفاضة السورية؟

– ربما نقطة التحول الأهم، برأيي، ستكون الضائقة الاقتصادية التي تمر بها سوريا الآن. فآلاف الأسر السورية، حتى المناصرة لنظام بشار، تعاني ضائقة مادية اقتصادية كبيرة ومرهقة، وهو ما يضع النظام السوري تحت مزيد من الضغط، فالاقتصاد السوري مختنق بشدة جرَّاء الاحتجاجات، لكنه لا يستطيع أن يعد السوريين بشيء على الإطلاق. كذلك الدم الذي يسيل يوميا يزيد الأمور تعقيدا ويصنع المزيد من الثأر بين الأهالي والنظام، دعني أقُل: إنه يغرس سيكولوجية غاضبة من الشعب تجاه نظام بشار، تلك السيكولوجية ستزداد رقعتها في المستقبل.

* وما خيارات الأطراف لحل الأزمة؟

– يصعب التكهن إطلاقا بمستقبل الاحتجاجات، لكن كل ما أخشاه هو أن تنتهي اللعبة في سوريا بوضع الـ«Stalemate»، وهو الوضع في لعبة الشطرنج، حين لا يستطيع أحد التحرك، فتنتهي اللعبة بالتعادل، وهو ما يجعل البلد غير قابل للحكم ويصبح تحت وطأة نظام غير قادر على إيقاف الانتفاضة، والانتفاضة غير قادرة على الإطاحة بالنظام.

ولا يبدو لي أن هناك حلا في الأفق على الإطلاق، هي معركة حياة أو موت بالنسبة للنظام السوري؛ فهو لم يترك لنفسه أي ممر جانبي للتحرك والنجاة.. فهناك ضيق أفق غريب يصوغ المعادلة، وكأنها أنا ومن بعدي الطوفان.

* الحركة الاحتجاجية في سوريا تبدو عفوية إلى حد ما، فما دور المعارضة في تنظيم حراك الشارع؟

– عفوا هي غير عفوية بالمرة، فهناك تنسيقيات الثورة، وهي شبكة كبيرة من الناشطين، قادرة على تحريك وتنسيق الاحتجاجات والتعبير عن مواقفها ومطالبها، فهناك نوع من التنظيم الظاهر هنا على الأرض. والانتفاضة السورية تنتج تنظيماتها الخاصة، وربما ستنتج قيمها وأحزابها السياسية في المرحلة المقبلة.

* هل غيَّر «مؤتمر أنطاليا» من شكل المعارضة أمام العالم؟

– مؤتمر أنطاليا كان خطوة جيدة، لكنه خرج في صورة مرتجلة إلى حد ما. وربما كان يستحق الأمر بناء إطار معارض أقوى، لكن في المحصلة هو خطوة للأمام نحو إعطاء جسم معارض صلب.

* هل تعتقد أن حلفاء النظام وأصدقاءه الجدد سيلعبون أي دور في بقائه؟

– هناك خلاف كبير في الدول المؤيدة لنظام بشار؛ فدمشق خسرت فرنسا ساركوزي، الذي أعاد تأهيله عام 2007.. وواشنطن وباقي الدول الغربية أصبحت أكثر نقدا لنظام بشار، وتستعد لفرض مزيد من العقوبات عليه. ولم يتبقَّ له سوى روسيا والصين، ويبدو أنهما مستعدتان لتقديم تنازلات في دعمهما لنظام بشار. ومن هنا أعتقد أن الدعم الوحيد له الآن يأتي من إيران وحزب الله.

* ما تعليقك على المزاعم القائلة بوجود قناصة إيرانيين في سوريا؟

– قيل إن هناك مساعدات لوجيستية تأتي من طهران، كالهراوات الكهربائية والأجهزة القمعية الأخرى.. وشخصيا لا أستطيع تأكيد وجود أي أفراد تابعين لإيران على الأرض.

* وما تقديرك لموقف حزب الله في دعم النظام السوري؟

– حزب الله خسر في أيام كل التعاطف والاحترام الذي اكتسبه في قلوب الشعب السوري عبر عقود.. وهو يتصرف من موقف الحليف للنظام السوري، الذي يتيح بدوره لحزب الله عمقا استراتيجيا يخشى أن يخسره في حال سقوط نظام بشار. والشعب السوري لا يريد من حزب الله أن يعضد آماله وطموحاته، لكنه لا يطيق أن يقف في وجه مستقبله أبدا.. وخطاب حسن نصر الله كان مستفزا إلى أبعد حد للشارع السوري.

* ما الرسالة التي تريد توجيهها للرئيس بشار؟

– لا أود أن أوجه أي رسالة للرئيس بشار، لكن رسالتي للشعب السوري الشجاع، وأقول له: «كفاحكم من أجل الحرية مشرف للغاية».

الشرق الاوسط

أجرى الحوار هيثم التابعي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى