صفحات العالم

المفاجآت التركية المتعددة المفاعيل


وليد شقير

لا تتوقف تركيا عن الإقدام على الخطوات المفاجئة على الصعيد الإقليمي. وهي خطوات غير متوقعة بالنسبة الى أندادها من القوى الإقليمية الأخرى، إسرائيل وإيران وحتى المنظومة العربية القريبة منها. والمواقف التركية تقع وقع المفاجأة على القوتين اللتين يقال إنها تتقاسم النفوذ والدور معهما، بالقياس الى القوة والقدرة والفعالية، أي إسرائيل وإيران، باعتبار أن الانطباع السائد بأن محدودية التأثير العربي في أزمات الإقليم، بفعل غياب الموقف العربي الموحد والتخطيط والرؤية، ما زال سائداً على الساحة الإقليمية.

والانطباع عن الغياب العربي عن الساحة الدولية، ازداد رسوخاً، على رغم موسم الربيع العربي، لأن هذا الموسم ينقل المنظومة العربية من حال الانكفاء بسبب التشرذم وعدم القدرة، الى حال الالتهاء عن قضايا الإقليم بالتفاعلات الداخلية للثورات والانتفاضات القائمة في غير بلد، وهي تفاعلات مرشحة لأن تطول قبل أن ترسو نتائجها على نظام عربي جديد تختلف مفاعيله عن مرحلة الركود التي اتسمت بها المرحلة السابقة. فالمرحلة الانتقالية العربية الراهنة لا تتيح للدول الرئيسة أن تبلور معاً سياسة خارجية فاعلة ومؤثرة.

وهذا ما يجعل الخطوات التركية المتلاحقة شديدة التأثير في القطبين الإقليميين الآخرين، أي إسرائيل وإيران.

ومع ذلك لا بد من القول إن إعلان أنقرة طردها السفير الإسرائيلي وخفض التمثيل الديبلوماسي في إطار عقوبات متدرجة ضد تل أبيب تشمل قطع العلاقات العسكرية والتجارية العسكرية بين البلدين رداً على الإحجام الإسرائيلي عن الاعتذار من تركيا على هجومها على سفينة مرمرة عام 2009، له مفاعيل عربية أيضاً.

وإذ يعطي هذا القرار رصيداً إضافياً لتركيا في موقفها المؤيد للقضية الفلسطينية أمام الجمهور الإسلامي العريض في العالم العربي وخارجه، فإنه، في نظر كثيرين، رصيد يمكنها الاستناد إليه في التشدد في موقفها من النظام السوري، بعدما تنامت الخلافات معه بسبب سياسته في قمع انتفاضة الشعب السوري. وإذا صحت توقعات دوائر ديبلوماسية عليا متعددة، فإن أنقرة التي كانت تراهن بحكم علاقتها مع طهران على أن تنجح الأخيرة في إقناع القيادة السورية بوقف القمع والاتجاه نحو الحوار مع المعارضة تمهيداً لانتخابات نيابية سريعة خلال 3 اشهر، قد تنتقل الى موقف أكثر تشدداً يؤيد اتخاذ مجلس الأمن قراراً بالعقوبات على هذه القيادة يزيد من عزلتها الخارجية. وفي إمكان الجانب التركي أن يتسلّح أمام الرأي العام العربي والإسلامي بموقفه المستجد من إسرائيل لتشديد هذا الحصار على دمشق…

ولمفاعيل الصدام التركي – الإسرائيلي المستجد آثار لا تقل أهمية على الجبهتين الإسرائيلية والإيرانية. ويمكن القول إن التشدد تجاه إسرائيل يشكل ذخيرة سياسية فاعلة في يد السلطة الفلسطينية، في المواجهة الديبلوماسية الكبرى التي تخوضها من أجل الحصول على اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية.

ومن المؤكد أن إسرائيل لن تكون في أفضل حالاتها في مواجهتها للجانب الفلسطيني في هذه المعركة، على رغم الانحياز الأميركي الكامل لها في الضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لثنيه عن طلب اعتراف الأمم المتحدة بالدولة وتهديد واشنطن بقطع المساعدات عن السلطة إذا أصرت على هذه الخطوة. وبات على واشنطن أن تأخذ في الاعتبار التشدد التركي حيال حليفتها المدللة إسرائيل لأن أي خطوة انتقامية حيال الفلسطينيين، يجب أن تحسب حساب تنامي الكراهية للولايات المتحدة في المنطقة، مضافاً إليها تنامي هذه الكراهية في تركيا نفسها. سيكون هذا التنامي موضوع لقاء تركي – إيراني. كما أن على أوروبا بدورها أن تأخذ في الاعتبار التطورات في الموقف التركي. فبعض الدول الأوروبية المترددة حيال الاعتراف بالدولة يفترض أن يأخذ في الحساب وزن الموقف التركي الجديد.

إلا أن لموقف أنقرة حداً آخر في العلاقة مع النفوذ الإيراني. فمقابل تراجع قدرة طهران على الاشتباك مع إسرائيل عبر أذرعها المتعددة، لمجرد خروج «حماس» من دائرة النفوذ الإيراني، لا يبقي للسياسة الإيرانية سوى ذراع «حزب الله» اللبناني في هذا الاشتباك، المتعذر استخدامه حتى إشعار آخر ولأسباب لبنانية وسورية وإقليمية. وبمعنى آخر، يأخذ الاشتباك التركي الديبلوماسي مع تل أبيب من القدرة الإيرانية على استخدام إمكاناتها في الاشتباك مع إسرائيل. فهل تقود المفاجآت الإيرانية الى ترجيح منطق التسويات، أم انها تقود إسرائيل وطهران الى المغامرات؟

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى