رشا عمرانصفحات الناس

المواطنون الشرفاء/ رشا عمران

 

 

سأعترف: أنا من المعجبين بمصطلح “المواطنون الشرفاء” الذي بدأ بالظهور والانتشار مع انطلاقة ثورات “الربيع العربي”، وكان لهؤلاء المواطنين الشرفاء دور واضح في تحويله إلى ربيع من دم بشري، لا يريد أن ينتهي، وأنت تسمع مصطلح “المواطنون الشرفاء” يتلفظه مذيعون وإعلاميون على فضائيات أو إذاعات تابعة لأنظمة الحكم العربي، ستشعر بأحرف كلمات المصطلح وكأنها تكاد تنفجر، لفرط ما يتم تضخيمها، فهي لا تلفظ هكذا بسلاسةٍ وسهولةٍ، كما تلفظها وأنت تفكر بها بسياقها اللغوي العادي، فحرف الطاء في المواطنون يلفظ بإشباع كامل، بحيث يجبرك لافظه على الانتباه كم هو فخور بهذا الحرف في الكلمة (مواطنون)، أما حرفا (الألف والهمزة) في نهاية الشرفاء، فستسمعهما ممتدين، وكأن اللافظ لا يريد للكلمة أن تنتهي، أو كأنه يريدها أن تطول وتمتد لتطاول أكبر عدد من المواطنين الذين قد لا يكونون شرفاء كما ينبغي.

وللـ(المواطنون الشرفاء) صفات مهمة، ينبغي أن تعمّم على الجميع، كالمصل الذي يعطى لدى انتشار الأوبئة والفايروسات، هكذا ستبقى أوطاننا معقمة وخالية من الأمراض التي ينقلها المواطنون غير الشرفاء، فالمواطنون الشرفاء مدنيون مثل غيرهم، غير أن منسوب الوطنية  المستقرة في دمائهم مرتفع جدا. لهذا، قد تجدهم  يظهرون فجأة على شرفات منازلهم، يحملون قدوراً فيها ماء بدرجة الغليان، ويلقونها على رؤوس المواطنين غير الشرفاء الذين يسيرون في الشوارع الخلفية، ويرفعون أصواتهم ويصرخون مطالبين بالعدالة الاجتماعية والسياسية. المواطنون الشرفاء يحبون المثالية في أوطاننا البديعة. وهذه الأصوات تسبب تلوثاً سمعياً لا بد من مكافحته والقضاء عليه، وقد تجد لدى بعض المواطنين الشرفاء قنابل غازية يحتفظون بها، احتياطاً لدرء الفتنة التي يمكن أن يتسبب بها المواطنون المشاغبون، حين تصدر لهم أوامر خارجية، للبدء في تنفيذ المؤامرات على أوطاننا الجميلة.

ويظهر المواطنون الشرفاء أيضاً فجأة في الساحات والشوارع التي قد يمر فيها المواطنون غير الشرفاء، فيحاربون قوى الشر هذه، متسلحين بأدوات شريفة بسيطة، كالعصي والسكاكين، وربما بعض الأسلحة الخفيفة، فهم معتادون على مشاهدة سلسلة أفلام سوبرمان، هذا البطل الخارق الحامي للعالم، والذي يجب أن يكون مثلاً لكل مواطن شريف، والمواطنون الشرفاء أيضاً قد يكونون أصحاب محلات تجارية، أو مدراء فنادق راقية، يراقبون المشاغبين غير الشرفاء، الهاربين من قنابل الغاز والرصاص الحي، فيسلمونهم إلى الجهات المختصة في أوطاننا كي تعيد تأهيلهم، وتجعلهم مواطنين شرفاء كباقي المواطنين في بلادنا الآمنة، والمواطنون الشرفاء قد يكونون فقراء يلهثون وراء لقمة العيش في بلادنا الغنية السعيدة، فيجدون من يعدهم بلقمة يومهم، وأيامهم المقبلة، فيتجمعون ويشتمون (الحرية) في وجه المشاغبين الذين يحملون أعلام بلادهم، ويصرخون بالحرية الهاربة من أوطاننا المرفّهة، كي تعود. المواطنون الشرفاء مقتنعون أن الحرية إذا استقرت لن تسبب غير الفوضى في أوطاننا المتنعّمة بالنظام والقانون والاستقرار. والمواطنون الشرفاء يظهرون على شاشات التلفزة، فبعضهم من الشخصيات المشهورة والمؤثرة، ممّن يعرفون كيف يقنعون من ضل بهم السبيل للعودة إلى شرفهم المفقود، ولا مانع أحياناً من دعوتهم إلى استخدام العنف ضد هؤلاء الضالين، فالأوطان السعيدة تحتاج إلى التضحية بمشاغبيها كي تبقى سعيدة، حتى لو كان الثمن دماءً تسيل في الشوارع أو في السجون، أو مدنا مهدّمة وأشلاء بشرية مبعثرة، وبشرا يهيمون على وجوههم.

ويضع المواطنون الشرفاء أحذية حكامنا على رؤوسهم، ويزيّنون بها حدائق منازلهم وينصبونها بدل التماثيل في الساحات العامة، فحكامنا هم أولياء الله وطاعة الحاكم من طاعة الإله. لهذا، يقدم المواطنون الشرفاء فلذات أكبادهم ضحايا في طقس استقرار الحكام على كراسيهم الأبدية. المواطنون الشرفاء نعمة الحكام، جاهزون لتعميم صفة الخيانة على كل من يزعج هدوء حكامنا وحلفائهم، ويتمتعون بنعمة العماء عن أخطاء حكامنا الصغيرة والكبيرة؟ المواطنون الشرفاء نعمة أوطاننا العظيمة. لهذا، نراهم، أحياناً، يتمايلون بين الحاكم وضده، كما لو كانوا حواة ماهرين، المواطنون الشرفاء نعمة مستقبل أوطاننا الشامخة، يا الله.. لماذا لم تخلقنا جميعا مواطنين شرفاء، ما دمنا خير أمة أخرجتها للبشرية؟

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى