صفحات سوريةغسان المفلح

الموقف الإسرائيلي من الانتفاضة السورية

 


غسان المفلح

بعنوان “الأسد ملك إسرائيل” كتبه سلمان مصالحة في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أشار، في تقرير نشر أخيراً، إلى حالة من القلق تنتاب الأوساط الإسرائيلية من احتمال سقوط نظام بشار الأسد في دمشق، مضيفة أن الكثيرين في تل أبيب يصلون من قلوبهم للرب بأن يحفظ سلامة النظام السوري الذي لم يحارب إسرائيل منذ عام 1973 رغم “شعاراته” المستمرة وعدائه “الظاهر” لها. وقالت صحيفة “الدستور” المصرية التي أوردت التقرير نقلاً عن الصحيفة العبرية أنه بالرغم من تصريحات الأسد، الأب والابن، المعادية لإسرائيل، إلا أن هذه التصريحات لم تكن إلا “شعارات” خالية من المضمون، وتم استخدامها لهدف واحد فقط كشهادة ضمان وصمام أمان ضد أي مطلب شعبي سوري لتحقيق حرية التعبير والديمقراطية، مشيرة إلى أن النظام السوري المتشدق بـ”عدائه” لتل أبيب لم يُسمع الأخيرة ولو “صيحة خافتة واحدة” على الحدود في هضبة الجولان منذ سيطرة إسرائيل عليها عام 1973. النظام السوري معرض للفناء واستمرت الصحيفة في سخريتها من نظام الأسد قائلة إن هذا النظام “المعارض” لتل أبيب مازال مستعداً لمحاربة إسرائيل بآخر قطرة من دم آخر “لبناني” لا “سوري”، موضحة أن السوريين لا يكلفون أنفسهم محاربة عدوهم الجنوبي مادام اللبنانيون مستعدون للموت بدلاً منهم. هذا ملخص مكثف عن هذا التقرير والذي ربما يتناقض مع ماجاء على لسان الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في واشنطن 05.04.2011 بعد لقاءه بباراك أوباما ولوبيات الكابيتول إلى مساعدة “الصحوة التي يشهدها العالم العربي”، مشددًا على أن انتشار الديموقراطية في المنطقة يمكن أن يحسن بشكل كبير الوضع في إسرائيل. وقال بيريز بعد لقاء في الكابيتول مع مسؤولي الكونغرس “نعتقد أن الصحوة التي يشهدها العالم العربي فرصة كبيرة، وعلينا بذل كل ما نستطيع” لمساعدة من يسعون الى “الحرية والكرامة في حياتهم”. لكن هذا التناقض يحل سريعا عندما ندرك أن هنالك نقطة اتفاق لاتتزحزح بين النخب الإسرائيلية والموقف التركي وهي العمل من أجل بقاء النظام السوري، الموقف التركي الذي يحتاج إلى أن نفرد له مقالة خاصة، لما فيه من تناقضات تخص الوضع التركي حصرا.

إسرائيل تدرك أكثر من غيرها، أنها بفضل الاستبداد المحيط بها قد حققت ما لم تكن تحلم به عند لحظة انبثاق مشروعها، هذا الاستبداد الذي أفقر البلاد والعباد، ونشر التخلف لدرجة أصبح المواطن في دوله لاهم له سوى تأمين قوت أطفاله..هكذا أراد الفساد السياسي والمالي للاستبداد لاي بلاد يحكمها، وسورية مثالا:

في عصر الاستبداد حدثت نكسة حزيران، وضاع الجولان، ولم يحاسب الاستبداد أحد، بل قام الاستبداد بمكافأة رموزه العسكرية بعد النكسة وتسلموا هم مسؤولية قيادة سورية1970، لهذا إسرائيل لا تريد أن تفقد ميزة أنها البلد الديمقراطي الوحيد في المنطقة، كما تصرح نخبها، هذه ميزة لها أهميتها بنظر شعوب الغرب، فلماذا تتخلى إسرائيل عن هذه الميزة؟ كما يحاول أن يوهمنا الرئيس الإسرائيلي، والذي لايزال تصريحه حول الثورة المصرية، حيث صرح بأنه يفضل استمرار حسني مبارك ديكتاتورا، والحجة أنه يخاف من سيطرة المتشددين على الحكم، وكأنه قد حسم الموضوع بأن هذه الشعوب لا تصلح للديمقراطية، كما أنه لم يرى في الشباب المصري، مدافعا عن حريته، وأنه يريد دولة قوية وديمقراطية وقانونية.

وهذا ما أزعج وأربك الموقف الإسرائيلي، فالانتفاضات العربية التي نجح منها والتي لاتزال مستمرة، كانت مطالبها واضحة تتعلق ببناء دولة المواطنة والقانون وإطلاق الحريات العامة والفردية، هذه الثورات التي جعلت شيمون بيرز الآن يغير موقفه، إعلاميا على الأقل، خاصة أن دول الغرب جميعها، بعد تخاذلها النسبي والمستمر أن تنظر للوقائع الجديدة التي فرضتها هذه الثورات والتي لاتزال مفتوحة على وقائع ربما أكثر، تجعل من الصعب على النخب الغربية أمام شعوبها على الأقل أن تساند هذه النظم.

إسرائيل تمنت أن ترى شعارا واحدا من هذه الثورات معاد للسلام الشامل والعادل، لم تكن إسرائيل تتوقع مثل هذا الذي حدث ويحدث، لكن مع ذلك يبقى الموقف الإسرائيلي من الوضع السوري خاص ومختلف ربما عن موقفها من بقية دول المنطقة، لأسباب تتعلق باستمرارها لاحتلال الجولان، ولحساباتها أن مثل هكذا نظام، سيجعل الجولان يموت بالتقادم كما مات بالتقادم لواء اسكندرون لتركيا، إسرائيل لا تخاف عسكريا من هذا النظام ولا تحسب حسابه أبدا، بل جل همها منصب على قضيتين للنظام السوري واستمراره كما هو، فيهما دورا إيجابيا كما تراه إسرائيل، القضية الأولى- أن إسرائيل ليست مستعدة لحل عادل للقضية الفلسطينية، أو لأنها لا تريد ايضا ذلك، هذا من جهة ومن جهة أخرى كما قلنا تريد ان تموت قضية ضم الجولان 1981 الذي أقرته الكنيست، أن تموت بالتقادم المحمي بقوتها ودعم الغرب واستمرار هذا النظام. هي لا تسعى دوما للدفاع عن بقاءه بحجة أنه ضعيف لا أبدا، بل الأساس يكمن في أن وجوده على هذه الشاكلة موضوعيا يخدم أجندتها، فلماذا لاتسعى مع الغرب لكي يبقى، لهذا لنلاحظ ان الغرب عموما، يتحدث عن ضرورة قيام هذا النظام باصلاحات، ولايجري الحديث مطلقا عن أن مطلب تغيير النظام يعد مطلبا حقا،الموقف الإسرائيلي فقد جزء كبيرا من شرعيته في الدعم العلني لهذه النظم، وهذا الفقدان سببه تقدم الوعي الشبابي في المنطقة، وما حققته هذه الثورات وماهي مطالبها وخاصة الأساليب السلمية التي عبرت بها عن نفسها، وعدم لجوءها للعنف، جعل هذا الموقف يبدو ليس لا أخلاقيا وحسب امام شعوب الغرب، بل موقف لاتستطيع إسرائيل الدفاع عنه في المحافل الدولية، لكن كل هذا لا يمنع أن في كواليس السياسة والعلاقات الثنائية أن تكون الأجندات مخالفة لما يتم الإعلان عنه، ولو لفترة قصيرة أو ما يمكننا تسميته مرور العاصفة ونهايتها، بعدها يمكن لإسرائيل أن تعلن عن موقفها الفعلي الداعم لاستمرار هذا النظام.

وهنا كي لا يفهم موقفنا أننا نتهم النظام بالخيانة أو العمالة لإسرائيل، أبدا هذا ليس موقفي، والنظام كما سبق وكتبت نظام ممانع، وسيبقى نظام داعم للمقاومة كما يسميها، وسيبقى يفتح قنوات تفاوضية مع إسرائيل لا توصل لشيء بين فترة وأخرى.. وستبقى جبهة الجولان هادئة، وإسرائيل تؤسس فيه ما لا يمكن فيما بعد أن تتخلى عنه، والشعب السوري يركض وراء رغيف خبزه، والنظام مستمر، هكذا بني هذا النظام منذ لحظة تأسيسه، وهكذا سيتستمر في حال لم يغير الشباب السوري المنتفض المعادلة برمتها، يغيرها كما يفعل سلميا ومواطنيا…

باختصار شديد الموقف الإسرائيلي ضد الحرية والكرامة لشعبنا السوري..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى