صفحات العالم

“النأي” فَشِل وغالبية الحكومة مع الأسد!

 سركيس نعوم

اذا كان صحيحاً ما نشرته السبت الماضي الزميلة “الاخبار”، وهو قول الرئيس ميشال سليمان في رومانيا في شباط 2012، “علينا البحث في استعادة سوريا الى جامعة الدول العربية لأن لبنان اعترض على تجميد عضويتها” فلا يكون خرق سياسة “النأي بالنفس” التي اعتمدتها الدولة رسمياً في “اعلان بعبدا” بالحياد الذي وافق عليه اطراف “الحوار الوطني” في 11/ 6/ 2012، والتي عبّر عنها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اكثر من مرة قبل الاعلان وبعده. لكن احداً لم “تُقَم القيامة عليه” آنذاك ربما لأن الأزمة – الحرب السورية لم تكن اكملت عامها الأول ولأن غموضاً كثيفاً كان يلفها.

طبعاً ليس الهدف من “الموقف” اليوم التعرض لرئيس الجمهورية. بل هو تناول ما ورد في كلمة وزير الخارجية عدنان منصور في جلسة مجلس وزراء الخارجية العرب الذي استضافته القاهرة الاسبوع الماضي، وتناقض مواقف فريقي 8 و14 آذار منه. إذ اعتبره الأول منسجماً مع سياسة الحكومة والآخر مناقضاً لها. وفي هذا المجال يمكن الاشارة الى الآتي:

1 – لا يمكن أي متابع محايد لاوضاع لبنان الا اعتبار كلمة الوزير منصور خروجاً على سياسة “النأي بالنفس” الرسمية في الموضوع السوري. والاعتداد بكلام الرئيس سليمان في رومانيا لتبريرها ليس في محله لأن سياسة الدولة داخلاً وخارجاً يضعها مجلس الوزراء وليس رئيس الجمهورية جزءاً منه الا عندما يقرر حضور واحدة من جلساته.

2 – لا يمكن أي متابع محايد لاوضاع لبنان الا اعتبار ان مكونات الحكومة الحالية، وغالبيتها تنتمي الى فريق 8 آذار المؤيد لنظام الاسد، وافقت على “النأي بالنفس” رسمياً على الأقل، ولم تعترض على أي ترجمة عملية له على الصعيد الحكومي.

3 – لا يمكن أي متابع محايد لأوضاع لبنان الا اعتبار ان الحكومة الحالية فشلت في تطبيق “سياسة النأي بالنفس” عن الأزمة – الحرب السورية. فهي اكتفت بمواقف سياسية واعلامية في محافل خارجية، باستثناء “المحفل” الأخير في القاهرة، وفي مناسبات داخلية معينة. لكنها عجزت عن منع اللبنانيين المنقسمين نصفين شبه متساويين من “التورط” أو الانضمام إلى أحد طرفيها، ومن تلبية حاجاتهما سواء الى السلاح أو الى الرجال أو الى المال (نقله) أو الى الخبرة. وبدت الحكومة جراء ذلك مثل “النعامة التي تدفن رأسها في الرمال”. ذلك ان “النأي بالنفس” يجب ان يشمل اللبنانيين كي يبعد الأذى عن لبنان. فضلاً عن ان اكتفاء الحكومة بممارسته نظرياً أبعد الأذى عنها وحدها أو عن رئيسها ورئيس الدولة في صورة موقتة. والآن حان وقت الاستحقاق. اما لبنان فقد وضعه ذلك في عين العاصفة.

4 – نُسِبَت الحكومة الحالية يوم تشكيلها الى “حزب الله” و”سوريا الأسد” وايران الاسلامية. وعاد ذلك الى تأييد غالبية مكوناتها للثلاثي المذكور. أما مكوناتها الأخرى فنوعان: واحد، مع “الحزب” لأسباب واقعية معروفة. وآخر، كان مع الثلاثي نفسه، ويعارض بعض سياساته اللبنانية ويجهر بذلك، لكن لا أحد يعرف اذا كان يستطيع فعلاً الخروج عليه. وطبعاً وفَّر ذلك للحكومة أجواء دولية مريحة. أما الأجواء الاقليمية (العربية) فبقيت سلبية. الا ان ما حصل بسبب المواقف الأخيرة للوزير منصور كشف ان الحكومة بغالبيتها ليست مع “النأي بالنفس”، وانها عاجزة في الوقت نفسه عن منع خصوم الثلاثي المذكور أعلاه من العمل لمصلحة خصومه.

5 – نظرياً، كان موقف منصور في القاهرة مؤذياً لميقاتي خصوصاً انه جاء بعد موقف “عنتري” له في تلفزيون لبناني أكد فيه انه هو وليس منصور من يحدد السياسة الخارجية للبنان. والرسالة “القاسية” التي قيل انه وجهها الى وزير خارجيته لا ترد الاعتبار. فالأذى تسبب به كلام علني، ولا يمحوه كتاب خطي غير منشور، ولا حتى اعتذار فعلي أو شفوي. علماً ان ذلك ليس وارداً حتى الآن على الأقل.

طبعاً، لا نحرض بذلك على وزير الخارجية المعروف بمهنيته واحترافه رغم اختلافنا معه في السياسة. لكننا نشرح واقعاً يحتاج الى معالجة. فهل تكون المعالجة بفصل وزير أو باستقالته على شبه استحالة ذلك؟ او تكون باستقالة الرئيس ميقاتي اذا كان قادراً على ذلك؟ أم تكون، ولبنان على أبواب انتخابات نيابية، معالجة شاملة اي اتفاق على قانون انتخابي نسبي – أكثري (قاعدته قانون الرئيس نبيه بري)، وعلى حكومة جديدة “محايدة” للاشراف على الانتخابات؟

الله وحده أعلم.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى