صفحات الحوار

النائب الألماني السابق جمال قارصلي يفتح ملف المغتربين السوريين: في سوريا ثورة شعبية حرّة وليست عصابات مسلحة


أحزاب السلطة تنتج حزبيين إنتهازيين مصلحتهم قبل الوطن

برلين – غسان أبو حمد

ينظر النائب الألماني السابق الدكتور جمال قارصلي إلى موطنه الأصلي سوريا وهي تنزف اليوم دما، من دون أي أفق لبصيص أمل. ويعتبر قارصلي أن الأحداث الجارية الآن في سورية أصبحت محط انظار العالم وشغله الشاغل، سواء كان ذلك على مستوى المنظمات الدولية كمجلس الأمن ومجلس حقوق الانسان، او على مستوى المنظمات الأقليمية كالجامعة العربية، وهي جميعا وضعت الشأن السوري ضمن اولويات جداول أعمالها.

وفي حديث أدلى به النائب الألماني السابق  الدكتور جمال قارصلي إلى صحيفة “الشرق”   يقول:”استقطبت هذه الأحداث الدموية أنظار القوى العظمى التي بدأت بتحريك قواتها العسكرية المتمثلة بحاملات الطائرات والغواصات والتي بدأت بالتواجد قبالة المياه الأقليمية السورية، يضاف الى ذلك الحرب الاعلامية الشرسة لمختلف الأطراف المتعاملة مع الشأن السوري… إن هذا الحراك الشعبي الحاصل في سورية ينظر إليه من قبل السلطة كعمل تقوم به مجموعات تخريبية أوعصابات مسلحة مدعومة من الخارج وتشبهه بالزوبعة العابرة التي ستخمد قريبا بشكل تقائي، وهي بدورها تحاول القضاء عليها قبل استفحالها. هذه المقولة تعودنا على سماعها منذ منتصف شهر آذار الماضي. أما من ينظر إلى ما يحصل في سورية بكل تجرد وحيادية فيرى أن هنالك إنتفاضة ششاملة أو بالأحرى ثورة شعبية“.

 وردا على سؤال حول المعاناة التي يعيشها الشعب في ظلّ هيكلية المعارضة السورية المفككة وغياب برنامج عملها، يقول النائب الألماني السابق جمال قارصلي: “من المعروف بأن أي فعل ثوري له قيادة سياسية بشكل أو بآخر وتكون الرؤى والأهداف بين الجناح الثوري والجناح السياسي للمعارضة موحدة، أما في الحالة السورية فنلاحظ بأن هنالك تباين كبير بين الثورة على أرض الواقع وبين ما تتنازع عليه المعارضة بين أطيافها السياسية وقياداتها المختلفة في الخارج… إن الثورة السورية كمعظم الثورات في العالم ليس لها إطار فكري يحتويها، وهي لا تخوض نزاعا إيديولوجيا بين أركانها لأنها مؤلفة من مجمل فئات وشرائح المجتمع ومن جميع أطيافه السياسية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولها تنسيقياتها ولها أهداف واضحة وجلية وأولها الوصول إلى الحرية والديمقراطية وإلغاء حالة الذل والإهانة والقهرالتي يعيشها المواطن السوري، وأهم هدف لديها يكمن حاليا في إسقاط النظام”.

تسلّط “الحزب الواحد”

وحول أوجه التشابه بين ثورات الشعوب وخاصة في ألمانيا التي شهدت زوال جدران التقسيم وإستعادت وحدتها، وتجربته الشخصية في بلده الأم سوريا، يقول الدكتور قارصلي: “إن قسما كبيرا من الناشطين في الثورة السورية لم يكن لديهم أي نشاط سياسي مسبق لأنهم حرموا منه أجيالا طويلة، والجزء الآخر كان ينضوي تحت راية الجبهة الوطنية التقدمية وأحزابها المتعددة ومنهم من كان أو لا يزال يحمل عضوية حزب البعث الحاكم.. إن أغلب هؤلاء كانوا مرغمين بشكل أو بآخر على العيش في ظلّ “تسلط الحزب الواحد”، أي أن يكونوا أعضاء في حزب البعث كما كانت المعارضة الألمانية في ظل حكم التعسف والقهر في جمهورية ألمانيا الشرقية المنحلة، لأنه بدون الحصول على عضوية الحزب الواحد تكون فرص عملهم أو ترفيعاتهم في وظائف الدولة قليلة إو شبه معدومة“… ويضيف النائب الألماني السابق قارصلي: “هذا ما لاحظته  شخصيا عندما رجعت إلى سورية بعد غياب أكثر من خمسة عشر عاما، فوجدت أصدقاء لي ومعارف قد تركوا المعارضة وأصبحوا أعضاء في حزب البعث وقد إستلموا مناصب حكومية، وعندما سألتهم عن هذا الإنقلاب في مواقفهم الشخصية كان جوابهم بأن ظروف الحياة أجبرتهم على ذلك، وطلبوا مني أن لا أفتح معهم الصفحات القديمة ومنهم من أخبرني بأنه ذهب إلى أبعد من ذلك وحاول جادا أن يؤسس حزبا “أسديا” إقتداءا بالأحزاب الناصرية، ولكن هذه الفكرة لم تر النور لأنها رفضت من الجهات المسؤولة لما تضمنته من تملق وتسلق واضحين… إن هذا التحول ينطبق على عدد من رموز النظام الحالي في سورية، لأن قناعاتهم كانت قبل أن يستلموا مناصب حكومية شيء وبعد ذلك اصبحت شيئا آخر“.

إنتهازية و”غسل ادمغة”

ويذهب النائب الألماني السابق الدكتور قارصلي في وصفه لأوجه الشبه بين المعارضتين، الألمانية الشيوعية والسورية البعثية إلى القول: “إن السلطة في سورية كانت تهيء الكوادرالحزبية على طريقة الدول الشرقية سابقا، فهي تضم الأطفال إلى منظمة طلائع البعث من أول يوم يجلس فيه الطلاب على مقعد الدراسة إلى نهاية الصف السادس أي المرحلة الإبتدائية، حيث يتم تسجيل الطالب، ومن دون الرجوع إلى ولي أمره أو ذويه، في صفوف هذه الطلائع، وكأن الإنتساب إلى منظمة طلائع البعث جزء أساسي من التعليم الدراسي وواجب وطني.. وبعد سن الثالثة عشر يلتحق هذا التلميذ مباشرة بإتحاد “شبيبة الثورة” التابع بدوره ايضا لحزب البعث، وينتهي به المطاف بعضويتة في هذا الحزب، وإضافة إلى ذلك كانت العضوية في حزب البعث عبارة عن إمتيازات وفوائد، منها على سبيل المثال منح الطالب علامات إضافية على معدله النهائي الذي حصل عليه في إمتحانات الثانوية العامة، عندما يريد أن يتسجل في إحدى فروع الجامعات الحكومية. .. وإلى ذلك، تضاف للطالب علامات أخرى إذا التحق بدورات تدريبية للمظليين أو غيرها. ولهذا أصبحت العضوية في حزب البعث مبنية على الفائدة الشخصية والإمتيازات التي يحصل عليها الطالب لنفسه، وليست نتيجة قناعة أو إيمان بفكر هذا الحزب… إن هذا الواقع تعرفه قيادة النظام السوري  جيدا ولهذا تخاف من الدخول في إنتخابات شفافة ونزيهة، لأنها لا تستطيع أن تعتمد على الملايين من أعضائها في أية إنتخابات نزيهة وشفافة، وما حصل في تونس وكذلك ما يحصل الآن في مصر خير مثال على ما يمكن توقعه”.

ويلخص النائب الألماني السابق الدكتور جمال قارصلي حديثه حول مسار “غسل الأدمغة” فيقول: “من خلال هذا الشرح المختصر رغبت أن أوضح أن الثورة السورية ليست حكرا على حزب أو فئة أو دين أو طائفة، بل هي ثورة شعبية تشارك فيها كل الأطياف السياسية وفئات وشرائح المجتمع السوري، وهنالك من بين أعضائها أبناء لشخصيات حزبية أوحكومية معروفة. وبالرغم من كل هذا التنوع والتعدد، فإن الثورة السورية في داخل البلاد موحدة ولا يوجد بين كوادرها وتنسيقياتها أية خلافات أو تناحرات، لأن ما يدور على أرض الواقع هو أهم وأكبر بكثير من التنافس على المكتسبات الشخصية والمصالح الفردية”.

لكن ماذا عن المعارضة السياسية المتواجدة خارج سوريا؟

يقول الدكتور قارصلي: “إنها حتى الآن معارضة سياسية تقليدية وهي متناحرة وغير متفقة وتحاول منذ عدة أشهر أن تتوصل إلى إتفاق مشترك بين مجموعاتها المختلفة ولكن بدون جدوى، وما يحصل هو عكس ذلك لأن عدد الإنشقاقات التي تحصل هي أكثر من الإتفاقات الحاصلة، وهذا له علاقة بعوامل كثيرة منها عمليات الشخصنة وتقدمها على الأهداف السامية للثورة اضافة الى وجود عداءات شخصية ـ ليست مبدئية بالضرورةـ بين قيادات هذه  المعارضة مما يؤدي الى عدم تفاهمها”.

ويوجه النائب الألماني السابق الدكتور جمال قارصلي نصيحته إلى بعض أطراف المعارضة السياسية خارج سوريا، وخلاصتها: “وقف النزاع على جلد “الأسد” قبل اصطياده”، وإلا وقعت في مطب “غرور السلطة”.. وهذه من أقسى الأمور التي تستفيد منها قيادة النظام الحالي… التي يطالبون بتغييرها”.

ثقة الشعب بالقيادة

ويضيف الدكتور جمال قارصلي إلى لائحة نصائحه للمعارضة السورية، نصيحة “عمل ما في وسعهم لنيل ثقة المواطن بما يقدمونه له من برامج إصلاحية تعده مستقبلا بتحسين وضعه المعيشي، والإبتعاد عن الأنانية لأن المرحلة القادمة هي مرحلة إنتقالية وفي نهايتها سيقرر الناخب من هو الشخص أو الحزب أو المجموعة التي ستحكم البلاد في المستقبل، وأيضا على قيادات المعارضة واجب وضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كل الخلافات الشخصية والنزوات والأنانيات وإذا كان هنالك من يفكر بأن البلد هي غنيمة لمن يسبق، أو ان السابق هو الظافر, فهو مخطيء لأن المواطن العادي يستطيع بذكائه الفطري أن يميز بين المكر والخداع والصدق والإخلاص في النية والعمل”.

دعم الجامعة العربية

ويرى النائب الألماني السابق الدكتور قارصلي “إن المطلوب هو توحيد صفوف المعارضة  كي تتحدث بلسان وبرنامج سياسي واحد وتتجاوز كل خلافاتها وتناحراتها الداخلية وهذا ما تريده كذلك الدول الداعمة للثورة، وما تصرعليه جامعة الدول العربية..وعلى المعارضة السورية أن لا تخلط بين ما تتمناه وتحلم به وبين ما يجب عليها أن تقوم به، فالسياسة هي فن الممكن وليست لتحقيق الأمنيات والأحلام الشخصية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى