صفحات المستقبل

الناشطة السورية ميادة: الشعب السوري يرسم ملامح أبده


بيروت – أنديرا مطر

الناشطون السوريون مقيمون في حدس البدايات. البدايات دائماً جميلة، وفي سوريا التي اكتشفت صورتها في وجوههم اليوم تبدأ البدايات من الإصرار على صناعة ذاكرة الناس. فجأة تصبح الذاكرة صخرة نجاة أخيرة. تصبح عنواناً بارزاً للنضال ضد كل ما يمارسه نظام الأسد من محاولات محو كل شيء.

الناشطة السورية ميادة كتبت على صفحة ذاكرتها التي «فلشتها» أمامي «معتصم كنت حاسس كأنو بدك تروح، منشان هيك كنت دايماً حذر؟ سرقنا لك الجاكيت صدفة وتعرفنا صدفة. عم اتذكر النقاش بينك وبين عدنان ع الطلعة وهو عم يقلك لازم تطلع ع الزبداني. الله يرحمك ويصبر أهلك».

تفتح ميادة شبابيك ذاكرتها لسيرة معتصم. تحاول لململة التفاصيل التي لن تكون عابرةً بعد اليوم، وفي اليوم التالي تتقمص معناه، تجعله يحتل صورة بروفايلها على الفيسبوك، تلتقط إشاراته وتترجمها على هيئة فتاة متمددة على شاطئ صخري فاتحة ذراعيها للشمس، واهبة البحر ابتسامتها الرائعة.

ميادة ناشطة وإعلامية اعتقلت مع مجموعة من زملائها لتخرج بعد فترة وتستمر محاكمتها.

ترفض ميادة أن لا تكون فاعلة، لذا تنشط في مجال الإغاثة. تعير قلبها لأم فقدت ابنها. تصر على دور الانتباه والرصد وأهمية توثيق الحياة السورية اليومية التي تخترق الموت بحب الحياة واستحضار علاماتها وبشاراتها.

عمل وأمل

تروي على صفحتها أخبار الجيران الذين انسحبوا من خوفهم إلى أغاني الدبكة ثم استعانوا بالقرآن مع اشتداد القصف، وبعد ذلك حضرت فيروز مع العصافير والكروم والبساتين كعلامة أكيدة على النجاة. تعلّق: «لا ملل في سوريا الآن ، نحن محكومون بالعمل والأمل»

«نحن دمى البلاد تحركنا كما تشاء: خيوط القلب والعقل والأطراف بيديها، حيث نظن أن القلب سقط في اتجاه مدينة ما تشد خيط العقل لنكمل. حين تظن بأن العقل أخذ القرار بالابتعاد عنها تعرف أن خيوط رجليك غير قادرة أن تحملك أبعد من المدينة التي كاد قلبك أن يسقط عندها. تجعلك آخر لا تعرفه عندما تتفرس في جواز سفرك متسائلاً من سيسافر؟. تربطك خيوطها بكل ود».

بحث عن المخطوفين

لم تدخل الثورة تعديلات على يوميات ميادة، بل قامت بمحو كل ما كان قبلها وكذلك فعلت بأغلبية الشعب السوري. الشابة التي فقدت عملها وتنقلت في الاعتقال بين فرع المخابرات الجوية وسجن عدرا تشحن يومها بالتحفز للمشاركة في الأعمال الإغاثية.

حلقات العمل والاجتماعات الهادفة إلى استمرار الحراك المدني وسط حالة العسكرة الموجودة التي كانت حدثاً صارت الآن عادة. ميادة امتهنت في الآونة الأخيرة عملاً جديداً هو «البحث عن المخطوفين». هذه عناوين، أما التفاصيل فتحجبها عنا «لأني مازلت أعمل داخل سوريا ومعي ناس عم تشتغل وما زال الأمن موجوداً».

حملة الموت

الحياة الشخصية معطلة في ظل الثورة لأنه إضافةً إلى الخطر والقلق العام الداهم، هناك الأمن السوري الذي قد يستغل أي أمر ضدها. هي حرب دائمة مع الأمن لأن عمله لا يقتصر على الاعتقال، بل يتعداه إلى استغلال أي موضوع أو حالة اجتماعية، دينية، شخصية مع الأهل «هذا الموضوع لا يتم تداوله ولا يحظى باهتمام الناس نظراً الى حساسيته والى الحرج الاجتماعي في الكلام عنه».

حملة الموت. هكذا تصف ميادة ما قام به النظام ضدها. كانت تتوقع إطلاق مثل هذه الهجمة ضدها بسبب اطلاعها على تفاصيل القمع الذي مارسه النظام منذ 2002 من خلال عملها في الشأن الطلابي في جامعة حلب. «كنا نمثل الخطر الأكبر على النظام، أكثر من المعارضة نفسها، بسبب كوننا شباباً جامعيين غير منتمين إلى أي جهة سياسية، آتين من بيئات سورية مختلفة، ندعو الناس إلى المشاركة في أمور الدولة والإصلاح من أجل انتقال سوريا إلى الديمقراطية». أمثال هؤلاء كانوا الهدف الأول للنظام السوري منذ بدء الثورة السورية.

بخلاف الكثيرين، لا تتوقع ميادة نهايةً للنظام من الداخل. تأسف لوجود طرف قوي خارج سوريا يساهم في بقاء النظام، أما عن المدة المحتملة لسقوطه فهي مرتبطة بهذا الطرف حاليا.

تحرير الفكر

ترفض الناشطة السورية ما يروجه النظام من مقولات تتحدث عن أن تصاعد وتيرة التصعيد سيسبب اندلاع حرب طائفية. تؤكد أنه مهما تطورت الأمور الى الأسوأ لن تحدث حرب طائفية في سوريا لأن هناك إجماع في سوريا على اعتبار النظام ساقطا، وهذا الرأي سائد حتى في أوساط المؤيدين وإن كانوا يقولون غير ذلك.

لقد سقط عنوان «إلى الأبد» في قلوب وعقول جميع السوريين الذين يعلمون أن ما يحصل الآن هو أجمل ما شهدوه في حياتهم، وأنه من غير الممكن أن يعيشوا حدثاً يفوقه جمالا. من يعي بوضوح ما يحصل ومن لا زال غير قادر على التقاط معناه، كلا الفريقين سيحصدون نتيجة الثورة التي من شأنها تحرير العقل والفكر من الجمود.

خيبة قاسية

ترى ميادة أن هناك فرقاً كبيراً بين سوريي الداخل والخارج في التعاطي مع الثورة، وهذا الاكتشاف أصابها بخيبة قاسية تروي أنها منيت بها «عند خروجي من سوريا لأيام معدودة والتعرف على الوضع السياسي والأشخاص القائمين عليه في الخارج، بعد ذلك توصلت إلى خلاصة مفادها أن الثورة لا تغير سوى من يحمل جمرها بيديه».

ما الذي حصل حتى استطاع الشعب السوري الخروج على سلطة الخوف والرعب والموت التي عززها النظام طوال فترة حكمه؟

ربما يمكن التماس الإجابة عن هذا السؤال في أن هذا النظام الذي تجاوز كل حدود البطش والوحشية، جعل السوري يؤمن إيماناً راسخاً أن إسقاطه مهما كلف من تضحيات هو ما يجعل الغد ممكناً، وأن اليوم الذي يلي سقوطه سيكون بداية تاريخه الحقيقي وعنوان انتصار أبده الحي على أبد الأسد الغارق في السواد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى