صفحات الحوار

الناقد السينمائي المصري مجدي الطيب: النقد دولة مستقلة ذات سيادة

حوار: صلاح سرميني

مع هذا اللقاء، تستمرّ سلسلة الحوارات التي بدأتها، وتسعى إلى فتح أبواب، ونوافذ الغرف السرّية للناقد السينمائي العربي، واكتشاف بعض ما تُخبئه من كلماتٍ لم يكتبها بعد، أو يخشى كتابتها.

* مجدي الطيب، كيف بدأت رحلتكَ مع النقد السينمائي، وأين درستَه؟

* بدأت في مطلع الثمانينيّات، من خلال نشرات نادي سينما القاهرة، وجمعية الفيلم، وبالرغم من حصولي على جائزة أفضل مقالٍ نقديّ من ‘جمعية الفيلم’ عام 1985 عن فيلم ‘الوداع يا بونابرت’، وانتقالي للعمل في جريدة ‘صوت العرب’، التي نشرتُ على صفحاتها أول مقالٍ نقديّ عام 1986، تناولتُ فيه فيلم ‘اليوم السادس′، إلاّ أنني خشيتُ أن يسألني أحدٌ مستنكراً: ‘وما علاقة خريج كلية الألسن الحاصل على ليسانس في اللغة الألمانية بالنقد السينمائي؟’، إتخذتُ قراراً بالالتحاق بأكاديمية الفنون، وهناك درستُ الموسيقى، والفنون التشكيلية، والمسرح، والسينما في المعهد العالي للنقد الفني، وحصلت على دبلوم في النقد.

* بعد هذه الرحلة الطويلة، هل تعتقد بأنّ النقد السينمائي مهنة، ألا تعتقد بأنه خلال فترة قصيرة سوف تنقرض؟.

* هي مهنةٌ بكلّ تأكيد، لكن، أتمنى من ‘المُحترف’ أن يمارسها بروح ‘الهواية’، ولكن، ما هذه الثقة التي تتحدث بها، لماذا لم تعمل بالتنجيم، وقراءة الطالع بدلاً من ممارسة النقد السينمائي؟

* والله، هذا قدري، ..طيب، ماذا يتوّجب على شخصٍ ما أن يفعله كي يصبح ناقداً سينمائياً؟

* كأنكَ تريدني أن أتحول إلى ‘أستاذ’ في فصلٍ دراسيّ، أو ‘واعظ’ أعتلي منبراً، ويلقي نصائحه على الناس، آسف، لن أستطيع أن أجاريك في طلبك هذا.

* ولكنكَ أستاذ يا مجدي، ….هناك بعض نقاد السينما العرب يتطلعون إلى ممارسة الإخراج السينمائي (سيراً على خطى الموجة الفرنسية الجديدة)، والبعض الآخر أنجز أفلاماً فعلاً، هل تعتقد بأنه يمكن التوفيق بين الإخراج، والنقد ؟، وماعدا حالاتٍ إستثنائية، عادةً ما يقدم المخرج/الناقد أفلاماً لا تصل إلى مستوى طموحاته في النقد؟

* لم تنجح تجربة ‘الموجة الفرنسية الجديدة’ في مصر، ولا أذكر ناقداً مارس الإخراج، وتركت تجاربه أثراً طيباً لدى النقاد، أو الجمهور، ‘يوسف فرنسيس′، ومن قبله ‘صبحي شفيق’ دليلٌ واضحٌ، النقد مهنةٌ راقية، وينبغي النظر إليه بوصفه ‘دولة مستقلة ذات سيادة’ لا يحتاج من يمارسه أن يشتغل بالإخراج، أو كتابة السيناريو كي يُعلن عن نفسه، أو يكتسب احترام الناس، أو ‘يأكل عيشه’.

* أجد نوعاً من تبسيط العلاقة بين الناقد العربي، والسينما، وحتى قصوراً في دوره، مثلاً، لا أجد ناقداً عربياً متخصصاً في نوعٍ سينمائيٍّ معين، وألاحظ تعالياً يصل إلى حدّ إحتقار بعض الأنواع، والسينمات.

* التعالي مرفوضٌ بشكلٍ قاطع، والناقد مُطالبٌ بالكتابة عن جميع الأنواع، والأشكال، والمدارس. لكن، ماذا تعني بالناقد المُتخصص في نوع سينمائيّ معين، هل رأيتَ مثيلاً له في أيّ بقعة من العالم؟

* لا أعني التخصص حرفياً، ولكن، الميول النقدية، مثلاً، لا يوجد ناقدٌ عربيّ يكتب بشهيةٍ، وإستمراريةٍ، ومعرفة معمّقة عن السينما الهندية، أفلام الكاوبوي، السينما التسجيلية، الأفلام القصيرة….

بالنسبة للجزء الثاني من إجابتكَ، نعم، في المشهد السينمائي النقدي الفرنسي هناك نقادٌ يكتبون حصرياً عن تيمةٍ معينة، أو نوع سينمائيّ معين، ونقاد لا يكتبون إلاّ عن السينما التجريبية، وأخرون لا يكتبون إلاّ عن السينمات الاسيوية، ……..كتابات النقاد الفرنسيين متنوّعة كحال تيمات المهرجانات في فرنسا.

* لدينا أيضاً الناقد ‘أيمن يوسف’، الذي تخصص فى الكتابة عن السينما اليابانية، لكنه يمثل حالةً نادرة بين النقاد العرب الذين يكتبون دراساتٍ متفرقة عن السينمات الآسيوية، والهندية، والرعب، والسينما التجريبية، والمُستقلة، لكنهم لا يتخصصون فيها، وسرعان ما يعودون أدراجهم إلى الكتابة النقدية العامة.

* هل الكتابة عن السينما ساهمت بشكلٍ، أو بآخر بتطوير السينما نفسها، أو حتى القارئ/المُشاهد؟

* هذا حدث بالفعل على يدّ جيل النقاد : سامي السلاموني، رؤوف توفيق، سمير فريد، أحمد رأفت بهجت، ومحمد رضا،… لكن التأثير إنتهى تماماً في الحقبة الماضية، وأصبحنا نعاني من حال فقدان الثقة بين المنتجين، والجمهور من ناحية، ونقاد السينما من جهةٍ أخرى، لدرجة أن الجمهور يُقبل على الأفلام التي يهاجمها النقاد بسبب سوء مستواها، فيما يُقلل المنتجون كثيراً من وجهات نظر النقاد، ويتهمونها بالترويج لما إصطلح على تسميته ‘أفلام المهرجانات’، وفي بعض الأحيان يشككون في ذمم بعض النقاد.

* هل تطوّرت الثقافة السينمائية العربية خلال هذه السنوات الطويلة من تاريخها، أم تراجعت؟

* أسهمت الطفرة التكنولوجية الهائلة في توسيع رقعة الثقافة السينمائية، وعوّضت النقص الحاصل في حركة النشر الورقي، فيما يتعلق بالكتب، لكن، مازالت هناك عناوين تزين أرفف المكتبة العربية تتحدث عن السينما العربية، أو العالمية، لكنها لا تتناسب مع ما يطمح إليه كلّ محبٍّ للسينما.

* في السنوات الأخيرة، عمد معظم النقاد العرب إلى إنشاء مُدوناتٍ شخصية، هل حققت أغراضها؟

* يعتبر البعض منها تعويضاً لعددٍ من النقاد عن حريةٍ لا تتوافر لهم في الصحف، والمطبوعات الأخرى، وفي أحايين أخرى، مواكبةً من جانبهم لعصر متطوّر إختلفت فيه أدوات النشر، والتواصل، لكن بعض المدونات الشخصية باتت تعكس شكلاً من أشكال النرجسية.

* البعض منها تمادى كثيراً في إستثمار هذه الحرية المًتاحة؟

* الحرية ظاهرة وافدة على المجتمعات العربية، وعلينا أن ندفع أحياناً ثمن الإنفلات، والفوضى، وأشكال السباب التي يصيبنا رذاذها، لكن علينا ـ في كلّ الأحوال ـ ألا نضيق ذرعاً بالحرية، أو نحرض على إغلاق هذه المدونات، أو ندعو إلى مصادرتها، فمع تراكم التجارب سنتعلم، ويتعلم معنا بعض أصحاب المدونات المفهوم الصحيح لكلمة ‘الحرية’.

* يقول الناقد اللبناني ‘محمد رضا’ بأنها ظهرت، وتوقف الكثير منها، ومعظمها دار حول نفسه.

* ما يقوله الأستاذ ‘محمد رضا’ صحيح، ويؤكد ما قلته قبل قليل، فالبعض منها توقف، لأنها تحولت إلى سير ذاتية لأصحابها، بينما كشف بعضها الآخر عن الوجه ‘الديكتاتوري’ لنقادٍ كثُر تمنوا، فيما يبدو، أن يصبحوا رؤساء تحرير لينكلوا بالمحررين الصغار.

* ولكن، في البداية ظهرت المدونات بديلاً إلكترونياً عن دفاتر مذكراتنا، وملاحظاتنا الشخصية اليومية، فما العيب أن تكون، أو تتحول إلى سيرٍ ذاتية لأصحابها، وأن يمارسوا فيها ‘ديكتاتورية’ واضحة، أو مستترة؟

* رُبما تُصبح مفيدة إذا نقلت للمتابع ثقافة، وخبرات صاحبها، لكن، من غير المعقول أن نُصدّع رؤوس الناس بالحرية، والديمقراطية، ثم نُمارس ضدّهم كلّ أشكال الديكتاتورية، والاحتكار، مثلما يفعل بعض أصحاب هذه المدونات.

* بالمُناسبة، أرغب بأن تذكر لي أسماء عشر مدوّناتٍ، ومواقع سينمائية متواجدة حالياً في الفضاء الافتراضي؟

* سأقصر حديثي على المدونات، والمواقع المُفعلة مثل :’سينماتيك’، ‘ظلال وأشباح’، ‘عين على السينما’، ‘حياة في السينما’، ومجلة ‘سينما ايزيس′، والباقي تولى أصحابها إغلاقها بأنفسهم.

* هل يُعقل أن تقتصر الثقافة السينمائية العربية على عددٍ محدود جداً من المواقع، والمدونات؟

* في ظلّ غياب منابر الثقافة السينمائية الرسمية، وإختفاء نوادي، وجمعيات السينما، كان لابدّ من ظهور المواقع، والمدونات التي يُفترض منها أن تلعب دور ‘المنبر البديل’، لكن بعض أصحابها آثروا الإنكفاء على أنفسهم، والتواصل مع ذواتهم فقط.

* المقارنة مع المئات، ورُبما الآلاف المُتوفرة باللغة الفرنسية على الأقلّ، تكشف عن فجوةٍ عميقة جداً بين ما هو متوفرٌ للقارئ الفرنسي، وما يقرأه العربي، الجانب الآخر من هذه الحالة، أنّ المدونات تتشابه في تناولها للشأن السينمائي العام، بينما نجد مدونة فرنسية مختصة بأفلام الرعب، وأخرى بأفلام الكاوبوي، وثالثة بتاريخ صالات السينما، ورابعة بالمجلات السينمائية، وخامسة بالسينمات الآسيوية، وسادسة بأفلام المُبارزة.

* المناخ جدّ مختلف،.. وأحمد الله أننا وصلنا إلى هذا الحدّ بعد فترةٍ ذقنا فيها كعربٍ كلّ أنواع القهر، والتضييق، والمصادرة، وملاحقة العقول قبل الأبدان.

* في يوم ما، كتب الناقد اللبناني ‘محمد رضا’ وجهة نظره عن الناقد الحقيقي، والمُزيف، هل هناك حقيقيّ، ومزيفٌ في النقد السينمائي؟

* إحترامي كبيرٌ لأستاذنا ‘محمد رضا’، لكن دعني أسألك: ‘هل تستمدّ ثقافتكَ، ومرجعيتكَ السينمائية من أقواله، وكتاباته فقط ؟’..

بوجهٍ عام، الجمهور وحده هو القادر على إكتشاف الحقيقي، والمُزيف، ليس في النقد فقط، وإنما في كلّ مناحي الحياة.

* ما هي المعايير الشخصية التي تجعلنا نعتقد بأنّ هذا حقيقي، والآخر مزيف، وكيف نشعر بالحقيقة، أو الزيف؟

* الناقد الحقيقي هو الذي تتسم كتاباته بالصدق، ولا يعمل حساباً لأيّ إعتبارات عاطفية، أو مصلحة شخصية، ويضع على رأس أولوياته الجمهور الذي يتوجه إليه، ولا يُوظف النقد لتمرير رسائل إلى غيره.

* كلّ واحد منا يعتقد بأنه حقيقيّ، وصادقٌ، ومقتنعٌ تماماً بكتاباته، ومسيرته المهنية؟

* شيء طبيعي، بدليل أننا لم نرَ ناقداً يتخذ قراراً بإعتزال الكتابة، لأنه لا يرى نفسه حقيقياً، وصادقاً، ومقنعاً، ومقتنعاً بكتاباته، ومسيرته، بل يرى نفسه ‘أفضل ناقد في الدنيا’.

* في يوم ما، أنشأ ناقدٌ مدونةً متخصصة، كان هدفها كشف السرقات في مجال الثقافة السينمائية، هل أثمرت تلك الجهود في التقليل منها؟

* لعبت المُدونة دوراً كبيراً وقت تدشينها، ونجحت في ردع كثيرين، وإثارة الرعب في نفوس اللصوص، لكن، مثل أيّ آلية تُخصصت في مواجهة الفساد، ومطاردة الفاسدين، تعرّضت، وصاحب فكرتها إلى هجوم كاسح بعد أن إستمات ‘البعض’ ـ وهنا المُفارقة ـ في الدفاع عن ‘اللصوص’، و’القراصنة’، وتبرير سقطاتهم، ما منحهم الفرصة لأن يخرجوا من جحورهم، وتتعالى أصواتهم، وهم يتحدثوا عن ‘الشرف’، ثم يعاودوا سيرتهم الأولى، ويواصلوا ممارسة جرائمهم، وسرقاتهم المشينة، وكأن شيئاً لم يكن.

* في تلك الفترة، كتب البعض، بأنها ليست وظيفته، ومبادرته تلك ليست أكثر من تصفية حسابات، بعد تلك المُواجهات، توقفت المدونة؟

* للفساد إمبراطورية تكرس إستمراره، وتحميه، وتمنع الإقتراب من اللصوص، والفاسدين، وتحلّ دون المساس بهم.

* ماهو تقييمك للمهرجانات السينمائية العربية، تلك التي تنعقد في بلدان الخليج تحديدا؟

* في سنواتٍ قليلة، حققت المهرجانات السينمائية في الخليج طفرةً هائلة، أجزم أنها لم تتحقق لمهرجاناتٍ عربية، تُوصف بأنها عريقة، ومخضرمة، شاخت إداراتها، وهرم متابعوها، ولكي يداري القيّمون عليها فشلهم، وفسادهم، زعموا أن المهرجانات الخليجية سحبت البساط من تحتهم بسبب الموازنات المالية الضخمة المرصودة لها، وتساءلوا باستخفاف، وجهل: ‘كيف تُقام مهرجاناتٍ سينمائية في دول لا تعرف صناعة السينما؟’، وأظنهم أدركوا، بعد سنوات من إنطلاق مهرجانات السينما في الخليج، تأثيرها الإيجابي على تنامي الإهتمام الرسمي، والشعبي بالسينما، وماهية المستقبل الواعد الذي ينتظر السينما الخليجية على أيدي المواهب الشابة من أبناء الخليج، لكن، الجدير بالتنويه، أنّ مهرجانات الخليج، مثل دبي، وأبو ظبي، لم تعرف ‘الشوفينية’، ولم تغلق الباب على نفسها، وإنما شجعت العديد من السينمائيين العرب، عبر صناديقها، وجوائزها، المالية، والعينية على مدار دوراتها.

* ولكنك لم تتحدث عن المهرجانات العربية الأخرى، خاصة، وأنكَ تمتلك تجربة طويلة في تعاونك مع المهرجانات المصرية؟

* أشرتُ في إجابتي على السؤال السابق إلى مهرجاناتٍ عربية تُوصف بأنها عريقة، ومخضرمة، شاخت إداراتها، وهرم متابعوها، واتهم القيّمون عليها بالفساد، والفشل، كنت أعني بعض هذه المهرجانات المصرية التي تحولت إلى ‘سبوبة’، أي فرصة لإبرام الصفقات المشبوهة، والاستفادة منها في توطيد المصالح، وتضخيم النفوذ، وزيادة الرصيد في المصارف.

* يبدو لي، بأنّ النشاط النقدي الذي يهدف إلى تطوير السينما، والثقافة السينمائية قد خبا، ولم يعدّ كما كنتُ أعرفه خلال إقامتي في القاهرة؟

* بدرجةٍ كبيرة، ومرعبة، لقد تحولت غالبية قصور الثقافة إلى خرابات، بعد أن إمتنعت ـ عمداً ـ عن تقديم الثقافة السينمائية، والجمعيات الأهلية ـ غير الحكومية ـ مثل ‘نادي سينما القاهرة’ الذي تربت بين جدرانه أجيال من النقاد المعاصرين، أغلق أبوابه في ظروف مشبوهة، و’جمعية الفيلم’ تنتظر نفس المصير، بينما الجمعيات الأخرى الموجودة الآن على الساحة لا تمارس دورها بالشكل المأمول، ولا تجد لها مردوداً إيجابياً، بعد أن تحولت إلى ملتقى للنخبة، والصفوة، وأغلقت أبوابها على ‘أهل الثقة’، خشية إختراقها من التيار الديني المتطرف، بدلاً من أن تحصن المجتمع ضد التطرف، كما فعل يوماً ‘نادي السينما’، و’جمعية الفيلم’.

* قبل سنواتٍ قليلة، كنا نتحدث عن نقادٍ أثروا في الثقافة السينمائية، اليوم، تقلص العدد كثيراً، الأسماء الفاعلة، والنشطة في المشهد النقدي المصري الحالي محدودة، وحتى العربي، لماذا لم يحاول الجيل الجديد إحياء تلك المؤسّسات العظيمة التي تعلمنا منها جميعاً؟

* لأنّ أبناء الجيل الجديد ورثوا أفكار’زمن الإنفتاح’، وفساد ‘عصر التهليب’، وأصبح من الصعب على الواحد منهم الاقتناع بالعمل التطوعي، أو التفاني في خدمة ما يحب، بدليل أن تكوين جمعية، أو بيت للسينما في الوقت الراهن لا يتمّ بغرض التثقيف السينمائي، وإنما الحصول على دعم من وزارة الثقافة، أو بهدف تدشين مهرجان سينمائي يمكن المؤسسين من التربح من وراء المهرجان ليس أكثر.

* السينما المصرية، وخلال تاريخها، لم تستفدّ، أو تتأثر بالنقد السينمائي، والدليل، أنها ما تزال تنتج ‘لفتاً’ كثيراً ـ وُفق التوصيف الفرنسي ـ، أين يكمن التقصير، صُناع السينما أنفسهم، آليات الإنتاج، الدولة، نقاد السينما؟

* أتحفظ على عبارة ‘طوال تاريخها’، الصحيح أنّ الظاهرة تفاقمت في الأعوام القليلة الماضية كنتيجةٍ منطقية لما نعيشه من إنحطاط أخلاقي، وتردّ إقتصادي، وسيطرة ‘الدخلاء’، و’الجهلاء’ على صناعة السينما المصرية، مع إحساسنا بالعجز، واللامبالاة، ما يعني أننا ‘كلنا فاسدون’ بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة، حسب المرافعة الشهيرة لأحمد زكي في فيلم ‘ضد الحكومة’، وكلنا نتحمل المسئولية عما جرى من تدهور، وتراجع، ولا نستثنى من بيننا أحداً.

* هل تعضّ أصابعك ندماً لأنك قبلتَ أن نتحاور، ألا يستحق الأمر أن نُعلن الحرب بيننا، ألا تعتقد أيضاً بأنّ هذا الحوار ثرثرةً لا معنى لها نستحق عليه العقاب بدل المكافأة، كما حاولتُ استفزازكَ بقدر الإمكان، ولكن، يبدو بأنني فشلت، ماهو السؤال الذي يمكن أن يستفزكَ؟

* أولاً، أعرف جيداً أنّ المكافأة ‘المالية’ ستكون من نصيبكَ، لكنني تغاضيتُ عن هذه النقطة، لأنّ فائدةً أخرى معنوية ستعود عليَ حال نجاحي في الوصول إلى أفئدة، وعقول قرّاء هذا المنبر المهمّ، وإقناعهم بما قلت، وفي كلّ الأحوال، لا يمكن لحوارٍ أن يصل بنا إلى حدّ إعلان الحرب إلاّ إذا تمّ تشويهه، أو ابتسار وجهة نظري عند النشر.

كما قلتُ لكَ من قبل، إنّ أيّ محاولة للاستفزاز لن تنجح مع الشخص الذي يمتلك الثقة في نفسه.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى