صفحات العالم

النبرة الدولية تتصاعد بعد الحسم في حمص: وصيغة المساومة لم تتضح ظروفها


روزانا بومنصف

حافظ زعماء الدول الكبرى ولا سيما منها الولايات المتحدة في الايام الاخيرة على مضمون الخطاب الحازم إزاء النظام السوري بحيث أطل الرئيس الاميركي باراك أوباما أكثر من مرة على الاقل بعد سيطرة النظام السوري على حي بابا عمرو في حمص الاسبوع الماضي من أجل ان يتحدث عن “الايام المعدودة للرئيس السوري بشار الاسد”، وقوله “ان الاسد فقد شرعيته أمام شعبه وهو سيسقط في نهاية الامر”. فيما أطلق زعماء دول أخرى مواقف مماثلة بدت في مجملها تأكيداً للنظام السوري ان تغير بعض الوقائع على الأرض لن يبدل المعطيات أو المواقف الدولية إزاء ضرورة رحيل النظام والانتقال الى مرحلة جديدة، كما بدت حاسمة في التأكيد ان الموضوع السوري يشغل أولوية كلية على جدول أعمالها في الوقت الراهن وحتى إشعار آخر، وأنها لن تهدأ قبل التوصل الى حل للأزمة السورية. فلم يظهر هؤلاء تأثرهم بقدرة النظام على حسم الأمور ميدانياً باعتبار ان الأمر كان مقدراً في نهاية الأمر وفق ما تقول مصادر ديبلوماسية نظراً الى التفاوت الكبير بين قدرة النظام العسكرية وقدرة المعارضة على هذا الصعيد. بل ان هذه المصادر لا تعتبر ما قام به الأسد دليل قوة بل ان إرساله القوة الرابعة تحت سيطرة شقيقه ماهر الأسد دليل أزمة وضعف بالنسبة الى هذه المصادر ووفق ما قد يرى كثيرون. فمسارعة الدول الغربية الى تأكيد خطابها السابق إزاء النظام هو من أجل التأكيد ان ما يحصل من عمليات كرّ وفرّ لن تقدّم ولن تؤخّر، وان الملف المتعلق بسقوط عدد كبير من الضحايا السوريين بات مثقلا ولا عودة الى الوراء في هذا الاطار بدليل المزيد من سحب السفراء والبعثات الديبلوماسية العاملة في دمشق على نحو يؤكد الثبات على الموقف وزيادة الضغط والمخاوف من الأسوأ أمام توقعات غير مشرقة للمرحلة المقبلة سواء استطاع الاسد البقاء عبر السيطرة الامنية ام لا. ولعل سحب العاملين الصينيين من دمشق مؤشر لا يريح النظام في ظل كلام لصحافته الرسمية عن زيارة الموفد الصيني للعاصمة السورية حاملاً حلاً من ست نقاط لحل الأزمة في سوريا وفق ما أوردت هذه الصحافة، كأنما ثمة تسليم بأن الحل لم يعد ممكناً في عهدة النظام وانه في حاجة الى آلية يقدمها الخارج اليه.

والرسالة تتضمن أيضاً عدم تعويل أهمية كبيرة على محاولة النظام إشاعة ارتياح نتيجة هذه السيطرة من خلال فتح أبواب دمشق أمام زيارة وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الانسانية فاليري آموس أو استقبال مبعوث صيني يحمل نقاطا للحل أو استقبال موفد الأمين العام والجامعة العربية كوفي أنان. فمع ان هذه الدول داعمة لحل سياسي في سوريا، الا ان المسائل لا تبدو ناضجة عشية وصول أنان الى سوريا وعشية اجتماع وزير الخارجية الروسي مع وزراء الخارجية العرب في القاهرة من أجل مناقشة الأزمة في سوريا. فموسكو التي لا تزال داعمة للنظام وقد حالت، عبر استخدامها الفيتو في مجلس الامن، دون صدور قرار دولي يدين ما يجري ويتبنى خريطة الطريق العربية لانتقال سلمي في سوريا أعلنت على لسان لافروف يوم الاثنين في مؤتمر صحافي عقده الأخير مع نظيره الأردني ناصر جودة “انه لا يرى حاجة الى مبادرات جديدة في شأن الموضوع السوري اذ ان المبادرات الموجودة كافية”، كما قال، مما يوحي ان روسيا لن تقبل بتسويق اي خطة او مبادرة جديدة بحيث يفهم من ذلك ان النظام السوري سيستمر رافضاً لأي مبادرة او صيغة حل في ظل استمرار دعم الروس لخطتهم التي تشمل بقاء الرئيس السوري في السلطة والتي لا يتفق معها المجتمع الدولي بمن فيه العالم العربي.

ومن ضمن هذا الموقف الروسي، لا تعوّل هذه المصادر كثيراً على ما قد يقوم به أنان الذي وافقت دمشق على استقباله من ضمن إظهار القدرة على ارتياح لدى النظام بعد التطورات العسكرية الأخيرة ودعم روسيا هذا الامر تخفيفاً للضغوط الغربية عليها خصوصاً بعد تفاقم الوضع الانساني في سوريا نتيجة ما يقوم به النظام، في انتظار معرفة ما اذا كانت روسيا ستقتنع بوجهة نظر وزراء الخارجية العرب او تبلور معهم صيغة حل مشتركة تقبلها وتسوّقها لدى النظام.

لكن أهمية الخطوة التي يقوم بها أنان انها قد تشكل المخرج لآلية تكون مقبولة لاحقاً حين يتم الاتفاق او في حال حصل ذلك.

لكن عشية هذا الاجتماع واستناداً الى المواقف الدولية المتواصلة حول الشأن السوري، تقول هذه المصادر الديبلوماسية ان الدول المعنية بدت كأنها تحدّد سقفها مجدداً من الأزمة السورية وما يمكن ان تقبل او لا تقبل به بحيث ان أي صيغة جديدة ينبغي ان تراعي كل السقوف المطروحة. اذ ان مجرد تأكيد هذه المواقف يعني ان الأمور لم تصل الى المساومة التي يمكن ان يأخذ منها كل طرف ما يريد وان البحث لا يزال مستمراً في ظل تجاذب دولي وعربي وضغوط مستمرة من ضمن هذا السياق خصوصاً ان اي طرف لا يملك كل المفاتيح حتى الان.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى