صفحات سورية

النرجسية الثورية والحقيقة المؤلمة

 

طه الحامد

من السذاجة بمكان، بناء أحلامنا الثورية على إنتصارات موضعية في بعض المناطق من الوطن السوري ،لأنها جزء من معركة طويلة لن تنتهي بسقوط النظام في دمشق وان سقط  سينتعش في الساحل ، فقد تم التأسيس لصراع طويل الأمد بين الجماعات والمكونات الأساسية التي تقود المشهد السياسي والعسكري، حيث يخوض كل طرف معركته حسب أجندة خاصة ، سياسيا ًو ثقافياً وعقائدياَ قد تكون ذات جذور متعلقة بالمذهبية والطائفية ولكن في الأساس الهدف النهائي لكل جماعة هو الأستحواذ على السلطة في نهاية المطاف تحت عباءة شعارات أصبحت فارغة من محتواها نتيجة التماهي في السلوك والثقافة مع النظام الأستبدادي الحاكم   ، ولانها اصبحت ادوات  لإمتدادات إقليمية و مرتبطة وظيفياً بمشاريع دولية كبرى  ومتداخلة في الصراع الإقليمي والدولي وحرب الشركات الرأسمالية على المصالح الإقتصادية من جهة   ونظريات الأمن القومي لكل طرف من جهة اخرى .ولهذا نلاحظ شبه إجماع دولي على نظرية إستمرار الأزمة وإنتظار إنهيار الدولة والمجتمع في ظل غياب رؤوية ومشروع لحل الازمة ، والهدف منه إستنزاف القوى المتصارعة على الأرض وتهديم البنى الإجتماعية والإقتصادية وكل مظاهر المدنية والتعايش السلمي  التي حافظت على بعض مقومات نهوضها رغم الأستبداد وهمجية الدولة الأمنية ، ولهذا فتح الباب على مصراعيه لجماعات ظلامية تكفيرية ، أستثمرت الفراغ السياسي والعسكري في بعض المدن لتؤسس لفكرة الإمارة وتنتعش ظاهرة أمراء الحرب ،مستفيدة من معظم الدعم العسكري والمالي المتدفق بسخاء من دول ثيوقراطية لا تعترف بالمطلق بالدولة الديمقراطية المدنية ،ودول مثل تركيا التي لا تخفي نواياها الصريحة وسعيها لإعادة إمبراطوريتها المندثرة  ،ذلك تحت شعارات دينية وأخرى قومية تستهدف الشعب الكوردي بالدرجة الأولى وقطع الطريق على أي تطور يؤثر على وضعها الداخلي كوردياُ وعلوياً. اما امريكا فعين على أسرائيل ومستقبلها في خريطة الشرق الأوسط المهزوزة  وعين اخرى على مصالحها كدولة عظمى ، فمن صلب إستراتيجيتها الحفاظ على بؤر التوتر وتغذيتها ،من خلال لعبة الحفاظ على توازن الرعب بين كل اطراف الصراع في المنطقة ، فهي لاتريد ايران ضعيفة ، بل تحافظ على ذلك البعبع الذي يقض مضاجع امراء النفط فيبقى السلاح متدفقاَ ذهاباً وبراميل النفط إياباً،لاتريد إضعاف حزب الله ولا انكسار العلويين في سوريا و الشيعة في العراق ، وتسلك نفس السلوك مع القوى  السنية  و الكوردية وغيرهما ، اما روسيا فهي تستميت من أجل البقاء في مياه المتوسط والحفاظ على صادرات الأسلحة وعقود النفط الطويلة الأجل ، و فرنسا تقايض على أحقيتها في سوريا كإحدى مستعمراتها السابقة لقاء إطلاق يدها في أفريقيا والمغرب العربي ، وهكذا بالنسبة للأردن المملكة التي يرعبها بناء دولة ديمقراطية على حدودها وكذلك العراق الشيعي الذي ينظر الى سوريا كضلع رئيسي في المثلث المذهبي . إذاَ سوريا أصبحت رهينة تجاذب وتنافر مصالح أقليمية ودولية ، سيمتد الصراع فيها إلى أجل غير معلوم ، لن يكون ثمة مخرج منها إلا إذا توافقت القوى الديمقراطية والمكونات الإجتماعية طائفياً وقومياً على عقد سياسي وثم إعادة بناء الثورة السلمية الشعبية من قاع المجتمع والطبقات التي لها مصلحة حقيقية في بناء دولة الحق والقانون ، أو الذهاب إلى التقسيم وعودة كل مجموعة غرائزيا إلى حواضنها وديمومة النزاع وتدخل الدول المعنية لرسم خرائط جديدة  على برك الدماء .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى