صفحات الناس

النصرة و”داعش”… خلاف في بيت واحد/ إبراهيم العلبي

 

 

مشاعر مضطربة اعترت السوريين الثائرين على نظام الأسد، إثر الغارة الدولية، على الأرجح، التي استهدفت مقرّاً لجبهة النصرة في إدلب، وقتلت عدداً من قيادييها، بينهم الناطق باسم الجبهة، رضوان نموس، المعروف بـ “أبو فراس السوري”.

لم يعد خافياً حجم التوتر الذي يخلفه سلوك جبهة النصرة ونهجها العدواني في مناطق إدلب بشكل خاص، وحجم الحنق الذي بات يكنه المدنيون والفصائل العسكرية الإسلامية وتلك التابعة للجيش الحر على حد سواء تجاه الجبهة، نتيجة سلوكها الآخذ في المزيد من العدوانية والاستئصال تجاههم في الآونة الأخيرة، والذي تمثل في استئصال أكثر من 10 فصائل بشهادة حذيفة عبد الله عزام، وكذلك خطاب بعض قادتها التكفيري المتشنج منذ أمد طويل، وعلى رأسهم أبو فراس.

تذكر السوريون عندما سمعوا بمقتل نموس، تلك الصورة المنفرة، التي كان يرسمها لنفسه عندما يعلق على الأحداث العامة، سواء في تسجيل مصوّر أو مقالة مكتوبة، فقد حرص على توجيه خطاب استعلائي سلطوي يغص بالتهديد والوعيد، ناهيك عن نزعة التكفير البينة.

لكن، يظل أبو فراس سورياً، وهو “منا” وإن خرج علينا، وقد كانت له سابقة في مقارعة النظام وإيذائه في الثمانينيات كما في السنوات الماضية من عمر الثورة. فما هو الموقف، إذن، من قتله؛ سواء بنيران محلية أو دولية؟ وهل يمثل أبو فراس، ومعه النصرة، عدواً صريحاً للشعب السوري يفرح الناس لفنائهم، أم أن المسألة ليست على هذا النحو إطلاقاً؟

منذ ظهورها، كانت جبهة النصرة على صلة وارتباط بتنظيم القاعدة، وبشكل أدق بـ “تنظيم الدولة” في العراق، ولكنها حرصت، منذ الأيام الأولى على انطلاقها، على كتمان هذا الأمر، لتقتصر هجماتها على قوات الأسد.

وأبدت قدراً كبيراً من التنسيق تجاه الفصائل المقاتلة معها في الساحات نفسها، وابتعدت عن إزعاج الحاضنة الشعبية غالباً، حتى أعلن البغدادي تبعيتها لتنظيمه، الأمر الذي نتج عنه تنظيمان؛ أحدهما دان بالولاء لزعيم “داعش”، والآخر حافظ على ولائه لأبي محمد الجولاني، ورضي خياره في النأي بنفسه عن البغدادي وتنظيمه، ولكن بثمن بلغ إعلان البيعة لأيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة.

مع اندلاع المعارك بين النصرة، عندما كانت في مرحلة ضعفها، و”داعش”، وتصنيف التنظيمَين على قوائم الإرهاب الأميركية الدولية، قابل السوريون الأمر بالدفاع عن النصرة وطالبوا باستثنائها من الإرهاب، متغافلين، عن جهل لدى بعضهم ومكابرة لدى الآخر، عن نهجها القاعدي التكفيري وتاريخ هذا النهج الهدام في ثورات الشعوب وحركاتهم التحررية.

هذا الموقف من الشعب السوري لم تُبدِ له النصرة وفاءً بعد تعاظم قوتها، فبدأت تغير نهجها في التعامل مع الحاضنة الشعبية، وبدأت نزعة السلطة والإمارة تبدو للعيان من غير إعلان، وراحت تسابق الزمن في فرض سطوتها بصفتها “دولة” لا مجرد فصيل.

منذئذٍ، شرعت بالتخلص من الفصائل المنافسة لها، وكل الفصائل غير المبايعة لها بنظرها منافسة، واحداً تلو الآخر، مبتدئة بالأبعد ثم الأقرب فالأقرب، ناهيك عن حملة الاغتيالات في صفوف قيادات الفصائل عبر ذراعها “جند الأقصى”، ليتبين للسوريين بعد كل ذلك أن النصرة ليست شيئاً مختلفاً تماماً عن “داعش”، وأن الانشقاق الذي حدث بين التنظيمين هو “خلاف في البيت الواحد”، وبين “إخوة منهج” كما نقل عن الجولاني لاحقاً، حيث بقي تياراً موالياً لداعش، أو على الأقل يستلهم منها في النصرة وآلت القيادة إليه في نهاية المطاف؛ ما فجر شلالاً من الدماء بين السوريين، وانعكس في إهانة الثورة في مظاهرها ورموزها وقمع الأصوات المطالبة بالعودة إلى مطالبها الجوهرية البسيطة.

بعد كل ذلك، لم يعد ثمة شك في أن بقاء النصرة على وضعها الحالي ينطوي على تهديد شبه مباشر للثورة السورية ومسارها العام، وتأكد ذلك بعد الاتفاق الأميركي – الروسي الذي فرض على الساحة هدنة استثنت النصرة و”داعش”، وإن لم يكن جميع ما سبق هذا الاتفاق كافياً لدفع قادة النصرة لإعادة النظر في نهجها وأسلوبها وصلاتها التنظيمية، فقد كان هذا الاتفاق ليحمل أي فصيل مكان النصرة إلى سلوك جميع الطرق الكفيلة بعدم تحوله إلى قطب عسكري تجتمع لحربه الأمم، كإعلان قطع صلتها بالقاعدة وهو أقل تكلفة من بقية الطرق، وربما يكون قد فات الأوان على صلاحيته، وأيضاً إعلان حلها وتأسيس أكثر من فصيل بأسماء وأشكال ورموز جديدة، لو توفر صدق النوايا في مقولة “ما جئنا إلا لنصرتكم”.

(سورية)

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى